ألمانيا : كيف تسير الأمور في الخريف الثاني لكورونا ؟

أشهر نادٍ ليليّ في برلين “بيرغهاين” فتح أبوابه مجدداً، ليعود المزيج المألوف من الموسيقى والصخب إلى الملهى من جديد، والخطوة لاقت الترحيب من قبل الخبير الصحي في الحزب الاشتراكي الديمقراطي كارل لاوترباخ، المعروف بتحذيراته المتكررة بشأن الجائحة.

وقال لاوترباخ إن إعادة افتتاح النوادي الليلية للمتعافين من فيروس كورونا والمُطعَّمين ضده أمر “رائع”، ورغم أنه من المحتمل ظهور إصابات بالفيروس في النوادي، كما أوضح لاوترباخ، إلا أن “أولئك الذين تم تطعيمهم لن تكون إصابتهم شديدة، لذلك يمكن للمرء المخاطرة بذلك (فتح النوادي)”.

فهل تجاوزت ألمانيا، ذروة الجائحة؟، وزير الصحة الألماني ينس شبان أيضاً أبدى تفاؤله في مؤتمر صحفي، موضحاً أن الوضع الوبائي “يمكننا التعامل معه بشكل جيد حالياً”، ويبدو أن معظم الألمان أيضاً يعتقدون ذلك، فقد أظهر استطلاع أجراه معهد أبحاث الرأي “إنفراتيست ديماب” أن 42% فقط من الألمان قلقون حالياً بشأن ازدياد عدد الإصابات بشكل كبير، بينما كانت هذه النسبة 62% في الصيف.

وتظهر الأرقام أن ألمانيا استطاعت بالفعل إبطاء الموجة الرابعة من كورونا التي ظهرت في الصيف، فمنذ مدة ومعدل الإصابة بالعدوى يتراوح بين 60 و70 لكل 100 ألف شخص، كما أن عدد الإصابات في حالة ركود. ومع ذلك، فهو أعلى مما كان عليه في نفس الفترة من عام 2020، لكن معدل الإصابة لم يعد المعيار الوحيد، فقد اتفقت الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات في الصيف على استخدام ما يسمى بـ”معدل الاستشفاء” (معدل دخول المستشفى) لتقييم العدوى، ويبلغ هذا المعدل حالياً حوالي 1.6 حالة دخول إلى المستشفى لكل 100.000 شخص في غضون أسبوع واحد، وبالتالي فإن كل شيء على ما يرام، كما أن الوضع في وحدات العناية المركزة ليس مقلقاً، فنسبة المصابين بكورونا في وحدات العناية المركزة في كل مكان بألمانيا تقريباً لا تصل إلى عشرة في المائة، لكن إلقاء نظرة على بعض النسب المئوية، يظهر أيضاً أن الفيروس ما يزال نشطاً ويحدد مصائر فردية، فعلى خريطة كورونا لمعهد “روبرت كوخ”، تم تمييز أكثر من أربعين مقاطعة أو مدينة باللون الأحمر المتوسط ​​أو الداكن، وهو ما يتوافق مع معدل إصابة يتجاوز 100 أو حتى 200.

وفي مستشفيات ولاية شمال الراين فيستفاليا، الأكثر اكتظاظاً بالسكان، يتم حالياً علاج حوالي 280 مصاباً بكورونا (اعتباراً من الثامن من تشرين الأول)، نصفهم يعتمدون على التنفس الاصطناعي، وهم بشكل أساسي من الأشخاص غير المطعمين ضد الفيروس والذين يعانون من مرض خطير.

وتقول بيريت لانغ، من مركز “هيلمهولتز” لأبحاث العدوى، في حديث مع شبكة “DW” الإعلامية: “من الصعب للغاية أن نقول أين نتواجد في مسار هذه الجائحة، والتي نفترض أنها ستستمر من سنتين إلى أربع سنوات في جميع أنحاء العالم”، وتضيف: “ما نعرفه هو أننا في ألمانيا لا نمتلك حتى الآن مناعة كافية بين السكان لنتجنب تماماً حالات العدوى الشديدة والتي تشكل عبئاً على المستشفيات”.

ووفقاً للأرقام الرسمية، تبلغ نسبة المطعمين بشكل كامل حالياً 65%، ومن بين أولئك الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاماً، والمعرضين للخطر بشكل خاص، تبلغ نسبة التطعيم 85% تقريباً، ومع ذلك، فإن الأرقام ليست مؤكدة تماماً.

ويشير معهد “روبرت كوخ” نفسه إلى أن نسبة المطعمين قد تكون أعلى بخمس نقاط مئوية، فعلى ما يبدو، لم يتم الإبلاغ عن العديد من التطعيمات من قبل بعض الأطباء، وقال المعهد إن المراجعة جارية.

والآن يبدأ موسم البرد، ويقضي الناس معظم أوقاتهم في الداخل، وهذا يزيد من احتمالية الإصابة بالعدوى، والسياسيون يدركون ذلك، فبالإضافة إلى الرسالة التي مفادها أن الوضع تحت السيطرة إلى حد ما، أرسل وزير الصحة شبان على الفور تحذيراً بعد ذلك، مشيراً إلى أن نسبة التطعيم الحالية لن تكون كافية لخريف وشتاء آمنين، ومحذراً من الغرور.

وأضاف شبان: “يجب ألا نسير بسرعة كبيرة (في إلغاء تدابير احتواء كورونا)، ولكن خطوة بخطوة، حتى لا نضطر إلى العودة إلى الوراء”.

إن “يوم الحرية”، مثل ذلك اليوم في بريطانيا، والذي تنتهي فيه جميع إجراءات احتواء كورونا، ليس في الأفق في الوقت الحالي بالنسبة لألمانيا، ومع ذلك، ترى عالمة الأوبئة لانغ أن هذا اليوم لن يفيد، وتوضح: “إن مسألة ما إذا كان المرء يستدعي شيئاً كهذا هي مسألة سياسية.. مسألة ما إذا كان بإمكان المرء الصمود بعد ذلك هي مسألة وبائية”ـ وتشير لانغ إلى أنه عندما يرتفع معدل الإصابة مرة أخرى مع تشكيل عبء ثقيل على النظام الصحي، ليس أمام السياسيين سوى خيار إعادة تطبيق تدابير الحماية.

وتركز سياسة ألمانيا بشأن كورونا حالياً على مجموعتين، فأولئك الذين يعانون من الوباء كل يوم تقريباً هم في المقام الأول أطفال المدارس، فلم يوصى بعد بالتطعيم للذين تقل أعمارهم عن 12 عاماً، وهذا يؤثر على حوالي تسعة ملايين طفل في ألمانيا، ورغم أن معظم الإصابات تحدث في صفوف هذه الفئة العمرية، لم يكن هناك سوى عدد قليل من الحالات الخطيرة، كما يوضح الأطباء، ومع ذلك، تحذر عالمة الفيروسات يانا شرودر، في مقابلة مع شبكة “DW”، من الاضطرار إلى نقل الأطفال أيضاً إلى المستشفيات بسبب كورونا.

ولحماية الأطفال في المدارس، يستمر تطبيق لوائح النظافة والاختبارات وتعليمات الحجر الصحي، والتي تختلف من ولاية إلى أخرى ومن مدرسة إلى أخرى، لكن الخلاف القائم حالياً يدور حول فرض ارتداء الكمامات على الأطفال في المدارس، ويؤيد معهد “روبرت كوخ” هذه الخطوة، على عكس العديد من أطباء الأطفال، وقد ألغت بعض الولايات بالفعل شرط ارتداء الكمامات أو قيدته أو تخطط للقيام بذلك، لكن لا توجد قواعد اتحادية بهذا الشأن، فالنظام المدرسي يقع ضمن اختصاص الولايات.

وهذا الموضوع يشغل باسكال هاغ أيضاً، وهو تلميذ في ولاية شمال الراين فيستفاليا، ويجد باسكال أن فرض ارتداء الكمامة، اعتباراً من الصف الخامس، “صحيح بشكل عام لأنه يقلل من خطر الإصابة بالعدوى”، كما يقول لشبكة “DW”، ويوضح باسكال، وهو عضو في مجلس المدرسة، حيث يتشاور المعلمون والتلاميذ وأولياء الأمور، أن العديد من الآباء أيضاً يشاركونه الرأي، أما خارج المدرسة، فيرى باسكال (16 عاماً) أن الوضع “غريب”، ويوضح: “مسافة التباعد والكمامات ليست واردة في المطاعم والحانات، لكنها إلزامية في المدرسة.. أعتقد أنه يجب أن تكون هناك قواعد موحدة للأماكن المغلقة”.

والمجموعة الأخرى التي تركز عليها الطبقة السياسية هي غير المُطعّمين، فمن بين الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاماً، هناك ثلاثة ملايين منهم، وعلى الرغم من عدم وجود إجبار بالتطعيم، إلا أن الضغط على غير المُطعّمين آخذ في الازدياد، ففي العديد من المطاعم ولدى مصففي الشعر والحلاقين أو في المناسبات الموسيقية، يُسمح فقط بالدخول لأولئك الذين أجروا اختباراً لكورونا والمتعافين والمُطعّمين، كما يمكن لأصحاب تلك الأماكن السماح بدخول المتعافين والمُطعّمين فحسب.

وفي خطوة أخرى من المفترض أن تؤدي إلى زيادة الضغط على غير المُطعمين من البالغين، تم إلغاء مجانية إجراء اختبارات الكشف عن كورونا، وفي برلين، يمكن ملاحظة هذه الخطوة بالفعل، فعدد مراكز الاختبار تناقص بالفعل، ومن الآن فصاعداً يكلف إجراء الاختبار نحو 25 يورو، ويتعلق التشديد المقبل بقواعد الحجر الصحي، فحتى الآن، يستمر دفع أجور العاملين عند دخولهم في الحجر الصحي، لكن اعتباراً من تشرين الثاني، لن يصبح ذلك متاحاً للأشخاص غير المُطعّمين.

وقول لانغ إن التركيز على هاتين المجموعتين في الوقت الحالي، لا سيما على البالغين غير المُطعّمين والمعرضين لخطر أكبر لإصابة شديدة بالمرض، أمر منطقي للغاية من الناحية الوبائية، وتضيف: “علينا أن نرى ما إذا كان ذلك سينجح”. لكن لانغ ترى أن ما ينقص هو معرفة أكثر دقة حول “أي المجموعات السكانية لم يتم تطعيمها بعد، من ناحية الأماكن (التي تعيش فيها)، وأيضاً من ناحية الخصائص الأخرى (لتلك المجموعات)، بالإضافة إلى معرفة التدابير المحددة التي يمكن استخدامها”.

وتضيف: “يتعين الآن القيام بحملة للتطعيم في المنازل، إذا جاز التعبير، في كل مكان، ومخاطبة الأشخاص (غير المُطعّمين) على وجه التحديد، فمن السهل عليهم قبول عروض التطعيم”.

ولدى باسكال أيضاً اقتراحات لتحسين الوضع في المدارس، ففي مدرسته، ما يزال هناك نقص في مرشحات الهواء للغرف التي لا يمكن تهويتها، كما لم يتم تدريب المعلمين بشكل كافٍ حتى الآن على استخدام الحلول الرقمية مثل التدريس عن بعد، ويقول: “بشأن الرقمنة، الأمر لا يجب أن يدور الأمر حول مجرد أجهزة!”، كما أن لديه رسالة للسياسيين، ويقول: “لا تفعلوا مثل السنة الماضية! بأن تقوموا بتقييد حرية التلاميذ بشكل كبير في أوقات فراغهم وترسلوهم إلى المدرسة مع ذلك.. بذلك يشعر المرء وكأنه يعمل ليكون في المدرسة فحسب، وماعدا ذلك فإنه شخص غير مهم!”.

كاي ألكسندر شولتس – دويتشه فيله[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها