دويتشه فيله : فتح أبواب الجامعات في ألمانيا يعيد الأمل و يكسر إحباط الطلبة الأجانب
في وطنها الأم في مدينة فالنسيا الإسبانية، لم تر الطالبة إلينا سيلفستر حانة شرب من الداخل منذ عام ونصف تقريباً، والحانة الأولى التي ارتادتها الطالبة بعد هذه المدة كانت في ألمانيا: “لقد نسيت تماماً ما يعنيه الاختلاط بالآخرين”، كما تقول، وتضيف: “كنا في حالة إغلاق لأشهر، وكان يتعين علينا الدراسة من المنزل.. كان هناك حظر تجول، ولم يكن يُسمح لنا حتى بالخروج إلى الشوارع في بعض الأحيان”.
والآن انتقلت الطالبة الإسبانية، التي تدرس تخصص علم الفلك، إلى مدينة بون، من أجل قضاء فصل دراسي بالخارج، وخطوتها جاءت في وقتها المناسب، إذ بعد ثلاثة فصول دراسية عاشها الطلبة في ظل الوباء، عادت الحياة للجامعات في ألمانيا من جديد.
ولم يختلف وضع ما يقرب من ثلاثة ملايين طالب في ألمانيا عن وضع الطالبة من إسبانيا، إلينا سيلفستر، فقد أدى الإغلاق الأول في آذار 2020 إلى إبعادهم عن الحياة الجامعية، ومنذ ذلك الحين، انتشر التعلم عن بعد والدروس عبر الإنترنت، كما عاش حوالي 320 ألف طالب أجبني في هذا البلد أيضاً في ظل عزلة تامة خلال تفشي الجائحة.
وتقول إيزابيل كابوس من مكتب شؤون الطلبة في ألمانيا: “خلال فترة الوباء، اضطر الطلبة الأجانب للجلوس أمام شاشاتهم في بلد أجنبي لفترة طويلة ولم يكن بوسعهم التعرف على أحد”، وتابعت: “كانت هذه الوحدة مؤلمة للغاية، ومن المهم أن تظهر فرص للتواصل مع الآخرين مرة أخرى”، تؤكد كابوس، على شيء واحد مهم حتى يعيد للطلبة القادمين من الخارج الشعور بالراحة في ألمانيا من جديد، وهو: “الحضور إلى الجامعات”.
ويعي أندريس مونيوز، من مبادرة الطلبة المعروفة بـ “Gauss-Friends” أيضاً، مدى أهمية الحضور الفعلي في الجامعات للطلبة الأجانب: “أثناء الوباء، شعر بعض الطلبة بالعزلة وواجهوا صعوبات في تكوين صداقات، ولم يكن لديهم أي تواصل مع الطلبة الألمان، وبالتالي لم تكن هناك فرص للتحدث باللغة الألمانية خلال الحياة اليومية، ونتيجة لذلك، واجه الكثيرون منهم مشاكل في اجتياز الامتحانات”.
ومونيوز نفسه جاء إلى ألمانيا من المكسيك قبل سبع سنوات للدراسة، وبصفته عضوآً في مجلس إدارة مبادرة مساعدة الطلبة الأجانب “Gauss-Friends” ، فهو الآن يساعد الأجانب الآخرين على إيجاد طريقهم إلى جامعة براونشفايغ التقنية.
وعن هذه التجربة، يقول: “في الماضي، كان مفتاح نجاحنا هو الاستمرارية”، وتابع: “كل يوم ثلاثاء، سواء أثناء فترة الامتحانات أو أثناء عطلة الفصل الدراسي، نفتح غرف النادي الخاصة بنا ويلتحق الطلبة الجدد القادمون من الخارج إلينا”.
وفي ظل الوباء، كان على مونيوز وزملائه من المبادرة، مواكبة التغيرات الطارئة ومواصلة عملهم مع الطلبة بشكل رقمي، غير أن المحادثات عبر الإنترنت وساعات الإساشارة عبر الهاتف، لم تكن كافية، كما قال: “لقد لاحظنا أن العقبات كانت كبيرة للغاية بحيث يتعذر على الكثيرين الإبلاغ عنها بدلاً من مجرد المجيء إلينا في الموقع كما في الماضي”، وبالكاد تم قبول العروض الرقمية، ولا يمكن رقمنة بعض المساعدات، وعندما سمح الوضع الوبائي، واصل مونيوز وزملائه مد يد العون للطلبة الأجانب.
وعلى سبيل المثال، لم يترك غورودوت برابهاكار، القادم من الهند، بمفرده، فعندما وصل ألمانيا في أيلول عام 2020 للدراسة والحصول على درجة الماجستير، يتذكر برابهاكار ذلك اليوم: “اصطحبني أحد الأصدقاء من مبادرة Gauss-Friends من محطة القطار”، وتابع: “كانت هذه مساعدة كبيرة لي.. لم أضطر إلى حمل حقائبي الكبيرة بمفردي”.
وفي وقت لاحق، زار الطالب الهندي جميع العروض التي تخصصها مبادرة “Gauss-Friends” للطلبة الأجانب الجدد، وهي جولة الحرم الجامعي، وجولة المدينة وحتى الندوات التي تقام عبر الإنترنت حول كيفية التسجيل في امتحانات الجامعة عبر الإنترنت.
وأكد برابهاكار على أهمية مثل هذه المبادارت للطلبة الأجانب الجدد، “بدون هذه المساعدات، لم يكن دخولي إلى ألمانيا سهلاً”.
ولا يقتصر الاهتمام بالوافدين الجديد من الخارج على المبادرات الطلابية، مثل مبادرة “Gauss-Friends”، فقد لعبت الجامعات المعنية نفسها واتحادات الطلبة دوراً مهماً على أرض الواقع، كما توضح كابوس من مكتب شؤون الطلبة في ألمانيا، “يوجه الزملاء أنفسهم في عملهم إلى المتطلبات في الموقع ويحصرون على معرفة ما يحتاجه طلبتهم”، وفي ظل هذا الوباء، حرصت مكاتب الخدمات الطلابية على التأقلم بسرعة مع الوضع الراهن وشرعت في رقمنة عروضها وخدماتها المقدمة للطلبة.
وعلى نفس النهج، سار اتحاد الطلبة في فرايبورغ أيضاً، فبمساعدة ورش العمل وبرنامج مقهى اللغة والرحلات الاستكشافية والرحلات الدراسية، وجد الأشخاص من مختلف الثقافات نقطة التقاء هنا، وهناك ناد دولي منفصل لهذا الغرض.
ويقول مدير المشروع، أندرياس فوغيلي: “كان الإغلاق الأول صفعة على الوجه”، ومن فعاليات المخيم التي تستمر عدة أيام إلى الفعاليات الأخرى حول فرايبورغ، تم إلغاء جميع الفعاليات المخططة للفصل الصيفي في عام 2020، ولكن بعد ذلك، “قمنا بعمل جيد جدًا وبشكل ناجح عبر الإنترنت من أجل جمع الطلبة الأجانب معاً ومواجهة الشعور بالوحدة لدى الكثيرين منهم”.
والجامعات الألمانية متفائلة أيضاً بشأن الفصل الشتوي، وذلك بالنظر إلى ارتفاع معدل التطعيم بين الطلبة واللوائح الحكومية الجديدة، ويسعى مؤتمر رؤساء الجامعة الألمان في التدريس بالحضور الفعلي لأطول فترة ممكنة، وأولئك الذين تم تطعيمهم أو اختبارهم أو تعافوا من الفيروس، تمكنوا من الالتحاق بجامعاتهم مرة أخرى منذ تشرين الأول الجاري.
وانطلقت فعاليات مبادرة “Gauss-Friends” مرةً أخرى، وقال مونيوز: “لقد انفتحنا مرة أخرى مع قاعدة الجيل الثالث لبضعة أسابيع، ونحن على وشك بدء العمليات مرة أخرى”، وهناك العديد من الحلول الرقمية الجديدة “التي لا نريد الاستغناء عنها هنا”، يضيف تطبيق “Gauss Friends” الجديد، الذي يحتوي على معلومات حول الدراسة في براونشفايغ ميزات جديدة إلى المجموعة، ويقول مونيوز إن الفعاليات ما يزال من الممكن عبر الإنترنت في المستقبل.
وتشعر سيلفستر، طالبة علم الفلك، بالراحة حيال الأسابيع القادمة من دراستها في الخارج في بون، وتقول: “لا أعرف بالضبط ما أتوقعه.. كل شيء يمكن أن يتغير الآن، على سبيل المثال، إذا كانت هناك موجة جديدة من الوباء.. يبدو أن جميع الدورات التدريبية الخاصة بي ستتم عبر الحضور الفعلي”، وعلى عكس الفصول الثلاثة الماضية، يمكنها الخروج الآن في المساء ورؤية الجامعة من الداخل مرة أخرى، وهذا يمنحها الأمل: “هناك الكثير من الحرية.. أشعر أنه يمكنني القيام بأي شي”.
مارلون يونغوهان/ إيمان ملوك – دويتشه فيله[ads3]