دويتشه فيله : أزمة إثيوبيا .. ما سبب حيرة ألمانيا و ترددها من اتخاذ موقف حاسم ؟

مع تصاعد الأحداث في إثيوبيا، توجهت كل أنظار الألمان المتواجدين في البلد الإفريقي إلى وجهة واحدة فقط: المطار الدولي، إذ دعت الخارجية الألمانية في العاشر من تشرين الثاني جميع المواطنين الألمان إلى مغادرة البلاد.

وفي بداية هذا الشهر، أصدر وزير الخارجية الألماني هايكو ماس تحذيراً مفاده أن “الصراع في شمال إثيوبيا يتصاعد بشكل كبير بعد عام واحد من اندلاعه”، وأنه “يجب على جميع الأطراف وقف الأعمال العدائية على الفور”.

وفي أماكن أخرى حول العالم، تتعرض القيادة السياسية الإثيوبية لضغوط أكبر، ففي أوائل تشرين الثاني، جمّد الرئيس الأمريكي جو بايدن اتفاقية التجارة مع إثيوبيا، واعتباراً من كانون الثاني 2022، لن يُسمح للسلع الإثيوبية بدخول الولايات المتحدة، إلا بعد دفع الرسوم الجمركية.

وفرضت الحكومة الأمريكية بالفعل عقوبات على إريتريا التي تدعم الحكومة الإثيوبية بقوات عسكرية، كما تم تهديد الأطراف الإثيوبية المتورطة في الصراع بعقوبات من قبل الحكومة الأمريكية، وفي الوقت نفسه، توجه وزير الخارجية أنتوني بلينكين والممثل الخاص للقرن الأفريقي إلى المنطقة هذا الأسبوع.

وتتمتع ألمانيا أيضاً بوسائل للضغط، لا سيما وأن أديس أبابا أحد أهم المتلقين لمساعدات وكالة التنمية الألمانية، كما أن ألمانيا تعتبر “شريكاً إصلاحياً”، وهي أيضاً عضو في “الميثاق مع إفريقيا”، وهو نادٍ للنخبة من البلدان التي تريد ألمانيا أن تضمن توافر ظروف مناسبة بها من أجل الاستثمار، لكن حتى الآن، لم تتخذ الحكومة الألمانية اي تدابير من شأنها تغيير هذا الوضع، على الرغم من أن رئيس الوزراء أبي أحمد كان غائبًا عن قمة الميثاق الأخيرة.

وابتعدت الحكومة الألمانية حتى الآن عن اتخاذ خطوات صارمة في النزاع الإثيوبي، على الرغم من أنه وفي سياق النزاع، تزايدت بشكل حاد نسبة السكان المعرضين لخطر الجوع والفقر، وتماشياً مع توجهات المانحين الآخرين، والاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص، تواصل وزارة التعاون الدولي الألمانية بالتالي تعاونها التنموي مع إثيوبيا، بحسب متحدث باسم الوزارة، وفيما يتعلق بالخطوات، لم تقم الأخيرة حتى الآن سوى بحجب 100 مليون يورو، كان من المفترض أن تتدفق إلى إثيوبيا في إطار شراكة الإصلاح، وبهذا الشكل، تدعم ألمانيا البلدان الإفريقية، التي، من وجهة نظر برلين، تحرز تقدمًا ملحوظاً في مجالي الديمقراطية وحقوق الإنسان.

ووفقًا لوزارة التنمية، لن يتم إرسال المبلغ حتى يتم حل نزاع تيغراي سياسيًا، وبخلاف ذلك، سيستمر التعاون الإنمائي، باستثناء المناطق المتنازع عليها في تيغراي وأمهرة وعفر.

وبسبب التطورات التي تشهدها البلاد، قامت منظمات التنمية الحكومية مثل “الجمعية الألمانية للتعاون الدولي GIZ” وبنك التنمية “KFW” بنقل جميع الفرق الأساسية من موظفيها إلى خارج البلاد باستثناء فرق صغيرة، ويواصل الآخرون الآن العمل من ألمانيا أو البلدان المجاورة، وقال المتحدث باسم الوزارة الاتحادية للتعاون الاقتصادي والتنمية BMZ: “إن الهدف هو الحفاظ على استمرار العمل قدر الإمكان حتى نتمكن من مواصلة دعم سكان البلاد”، لكن الخبراء لا يعتقدون أن ألمانيا يمكن أن تمارس الكثير مع الضغوط أو أن تحقق نجاحات في هذا الشأن على أي حال، فقد منعت الحكومة الإثيوبية أي تدخل خارجي أثناء النزاع، كما يقول توبياس هاغمان، الأستاذ والخبير في الشؤون الإثيوبية في جامعة “روسكيلد” الدنماركية.

وقال هاغمان لشبكة “DW” الإعلامية: “قد يكون التخلي عن التعاون مع دول هذه المنطقة خطوة منطقية، لكن لاحقاً ستفقد ألمانيا أيضًا اتصالاتها مع المنطقة”، وهو الأمر الذي يتعارض بشكل خاص مع استراتيجية ألمانيا.

ويأتي ذلك في الوقت الذي يقوم فيه الممثل السامي للاتحاد الأفريقي ، الرئيس النيجيري السابق أولوسيغون أوباسانجو، بالوساطة بين أطراف النزاع، والذي تحظى جهوده بدعم قوي من ألمانيا والاتحاد الأوروبي”، بحسب وزارة الخارجية الألمانية.

وخلف الكواليس، تحاول ألمانيا، مثل المانحين الغربيين الآخرين، دعم الحوار في إثيوبيا، ومع ذلك، لم توافق الحكومة المركزية في أديس أبابا ولا جبهة “تحرير تيغراي الشعبية” حتى الآن على إجراء محادثات سلام محتملة، لكن وفي ظل التصعيد المسلح، تتضاءل الآمال في إجراء محادثات سلام في المستقبل القريب، إذ قال المبعوث الأمريكي جيفري فيلتمان للصحفيين، الثلاثاء، إنه يخشى أن التقدم “الأولي” في جهود الوساطة مع الأطراف المتحاربة قد تتفوق عليه التطورات العسكرية “المقلقة” على الأرض، كما يشعر المراقبون الإثيوبيون بالتشاؤم من فكرة أن أي حل للأزمة ممكن من خلال الحوار وحده.

وقال كاساهون برهانو، أستاذ العلوم السياسية بجامعة أديس أبابا، لوكالة “أسوشيتد برس”: “ما لم يكن هناك نوع من التدخل الإلهي، لا أرى أي فرصة لحل سلمي من خلال الحوار، لأن المواقف شديدة الاستقطاب”.

وعلى المستوى السياسي في ألمانيا، يلقى موقف الحكومة الحالية ردود فعل إيجابية في الغالب، ويتفق الجميع بشكل عام على أنه لا ينبغي وقف التعاون الإنمائي، بحسب ما قال مسؤول ملف التنمية في الحزب الديمقراطي الحر، أولاف إن دير بيك، لشبكة “DW”.

ويرى المسؤول الحزبي الألماني أنه “لا ينبغي أن تتدفق الأموال مباشرة إلى الحكومة الإثيوبية أو الأطراف المتحاربة والجهات الفاعلة الإقليمية”، وأن “على الحكومة الألمانية ضمان عدم حدوث ذلك”.

ويعتقد يورغن هارت، المتحدث باسم السياسة الخارجية لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، أنه من الممكن لألمانيا أن تلعب دوراً أكبر في المشهد الإثيوبي، “ولكن فقط إذا ما أرادت أطراف النزاع والشركاء الأفارقة ذلك”.

ويقول هارت: “إذا قيل، في نهاية المطاف، إن على شريك أوروبي أن يتدخل للوصول إلى عملية سلام، وإذا لزم الأمر أن يراقب أيضًا تنفيذها، فعندئذ ينبغي على ألمانيا، بصفتها شريكًا قديماً في المنطقة، ألا تقف على الهامش وأن تكون مستعدة للقيام بهذا الدور”.

وحتى الآن، لم يطلب من ألمانيا لعب هذا الدور، لكن على الجانب الآخر ينتظر الكثيرون بفارغ الصبر ليروا كيف سيضع الاتحاد الأوروبي نفسه وسط المشهد الإثيوبي المحتدم.

وكان مفوض الشؤون الخارجية في الاتحاد جوزيب بوريل قد ألمح في بداية تشرين الثاني إلى أن بروكسل أيضًا تدرس من حيث المبدأ فكرة فرض عقوبات على الأطراف الإثيوبية في النزاع، لكن ما يزال من غير الواضح ما إذا كان هذا الأمر سيحدث أم لا.

دانييل بيلتز – دويتشه فيله[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها