دويتشه فيله : أولاف شولتس .. المُستهان به سيصبح مستشار ألمانيا !

مع حقيبته الجلدية التي ترافقه منذ أربعين عاماً، أضحى أولاف شولتس (63 عاماً) قاب قوسين أو أدنى من الجلوس على كرسي المستشارة المنتهية ولايتها أنغيلا ميركل، فبعد شهرين من المفاوضات توصل الحزب الاشتراكي الديمقراطي (يسار الوسط) وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) إلى اتفاق على تشكيل حكومة ائتلافية.

ومن كان يتصور أن يصل الرجل إلى هذا المنصب؟، فهو خسر الرجل معركته على رئاسة الحزب الاشتراكي الديمقراطي في عام 2019، ولم تكن خسارته بسبب أن الحزب رغب آنذاك بقيادة ذات توجهات يسارية صريحة، بل ولأن شولتس، البراغماتي الانطوائي، لم ينجح في كسب قلوب الاشتراكيين الديمقراطيين.

وكان أولاف شولتس، الذي يشغل منذ 2018 منصب وزير المالية ونائب المستشارة ميركل، هو الحصان الوحيد الذي يمكن لحزبه الرهان عليه، وكان الحزب يتراجع بشكل كبير في استطلاعات الرأي.

وتعرض شولتس للسخرية، عندما أدعى أن سيصبح المستشار القادم، بيد أن الطريقة الرزينة التي خاض بها حملته الانتخابية هي أحد أسرار نجاح المستشار المحتمل، أولاف شولتس.

“امسح غبار الهزائم وانهض، ثم تابع بتصميم، وكن مطلق الثقة بنفسك”، تلك بعض من جوانب شخصية شولتس، المولود في مدينة أوسنابروك عام 1958، ويقيم شولتس مع زوجته، بريتا إرنست، في مدينة بوتسدام بالقرب من برلين، وتشغل زوجته منصب وزيرة التعليم في ولاية براندنبورغ.

وتعرض شولتس للعديد من الهزات في مسيرته السياسية، غير أن ذلك لم يهز ثقته بنفسه ويحيده عن دربه، ولا حتى لجان التحقيق البرلمانية في فضائح مالية هزت ألمانيا كفضيحة “وايركارد” تمكنت من إثبات أي شيء عليه.

وشق أولاف شولتس طريقه في درب السياسة بإصرار ودأب، وتغير الرجل بشكل ملحوظ في مسيرته.

وشغل منصب نائب رئيس منظمة الشباب في الحزب وقاد حملة في الثمانينات من أجل “اشتراكية راديكالية للتغلب على الاقتصاد الرأسمالي”، بيد أنه ومن خلال عمله كمحام متخصص في قضايا العمل في هامبورغ تعلم رجل القانون، أولاف شولتس، آليات عمل الاقتصاد والشركات الخاصة، ما ترك آثراً على شخصيته.

وحُسب شولتس على الجناح المحافظ في الحزب، وهذا لم يكن فقط فيما يتعلق بالاقتصاد السياسي، وكوزير داخلية في ولاية هامبورغ، قام بخطوات جريئة في محاربة الاتجار بالمخدرات، وكأمين عام للحزب، دفع ضد إرادة الكثير من رفاقه ذوي التوجهات اليسارية لتبني “أجندة 2010” لإصلاح سوق العمل، وهذا الإصلاح وضع العاطلين عن العمل تحت مزيد من الضغط.

ويدأب شولتس على تكرار نفس العبارات التكنوقراطية بشكل آلي، لدرجة أن البعض أطلق عليه لقب “شولتس مات” (شولتس الآلي)، وشولتس ليس هو الإنسان الذي يستطيع إظهار مشاعره والخروج من ذاته، فهو شخص يتحكم بنفسه بشكل كامل، حتى في لحظات الفرح، ويدعي أناس عرفوه عن قرب وعملوا معه على مدار سنوات أنهم لم يسمعوه قط رافعاً صوته أو حتى يصرخ بأحدهم، عندما يكون غاضباً.

وعندما ينزعج من شيء ما، أقصى ما يفعله ينتقل فقط من رجل لأخرى وتحمر أذناه، وهذا ما شهدناه في المناظرة التلفزيونية عندما هاجمه بشكل غير مبرر منافسه المسيحي الديمقراطي، أرمين لاشيت.

ويشغل شولتس مناصب حكومية منذ 2007، في البداية كوزير للعمل، ومن ثم عمدة ولاية هامبورغ، وفي عام 2018، أضحى وزيراً للمالية ونائباً لميركل، ويقال إن عينه كانت على المستشارية منذ ذلك الوقت.

وزاد نفوذه في زمن الجائحة، بعد أن قدمت وزارته مساعدات بمليارات اليورهات للمتضررين من كورونا، وعرف كيف يستفيد من الجائحة لوضع نفسه في مركز ومقدمة المشهد.

وكان شعاره أن ألمانيا بإمكانها مواجهة الوباء من الناحية المالية، وفي نهاية 2022، سيترتب على ألمانيا 400 مليار جديدة من الديون.

ووعد شولتس في حملته الانتخابية بأن ألمانيا سيكون بمقدورها تحمل تلك الديون، حيث قال: “لا يتعين على أحد الخوف من ذلك.. فعلناها من قبل في أزمة 2008-2009، وسنفعلها من جديد في غضون عشر سنوات”.

وموجة كورونا الحالية في خريف 2021 تشير إلى أن نهاية الجائحة ليست قريبة، وعدد الإصابات الكبير يؤثر سلباً على الاقتصاد، ويتوجب على الحكومة المقبلة إقراض الشركات لحمايتها من الإفلاس.

وينتظر شولتس أيضاً ملفات سياسية شائكة، ناهيك عن إدارة حكومة ائتلافية من ثلاثة أحزاب.

صحيح أن الانسجام كان كبيراً أثناء محادثات تشكيل الإئتلاف الحكومي، غير أن الخلافات ستظهر لاحقاً بالتأكيد.

زابينا كنكارتس – دويتشه فيله[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها