فاينينشال تايمز : ما الذي يعنيه تراجع الليرة بالنسبة للاقتصاد التركي ؟

تراجع سعر الليرة التركية إلى مستوى متدنٍ بعد دفاع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن التخفيضات الأخيرة في أسعار الفائدة وإعلانه عن “حرب الاستقلال الاقتصادي”، ليترك المحللين الاقتصاديين في حيرة من أمرهم بشأن مدى استعداده لترك العملة تهوي أكثر.

وفي تقرير نشرته صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، قال الكاتبان جوناثان ويتلي ولورا بيتيل إن أردوغان أقال ثلاثة من محافظي البنك المركزي منذ منتصف عام 2019، وهو يصر على مواصلة التخفيض في أسعار الفائدة في محاولة لتحفيز النمو الاقتصادي والاستثمار، وتتوقع المؤسسات الدولية، بما في ذلك صندوق النقد الدولي، نمو الناتج المحلي الإجمالي لتركيا بنسبة 9% هذا العام – وهو أحد أسرع المعدلات في العالم.

لكن مع تسجيل سعر الليرة تراجعا بنسبة 15% يوم الثلاثاء الماضي، حذر المحللون من أن تقلبات العملة قد تضعف النمو المستقبلي بشدة، وهم يرون أن خفض أسعار الفائدة ينطوي على مخاطر جسيمة على النظام المالي والاقتصادي للبلاد، وفي هذا الصدد، أشاروا إلى 4 نقاط ضغط رئيسية.

هل سيتحول المزيد من المدّخرين الأتراك إلى الدولار؟

تسمح البنوك التركية لعملائها بحيازة الودائع بالعملات الأجنبية والعملة المحلية، وفي السنوات الأخيرة، اختار عدد كبير من الأتراك الاحتفاظ بأموالهم بالدولار واليورو في ظل تنامي معدل التضخم وانخفاض أسعار الفائدة، الأمر الذي أدى إلى تآكل عوائد مدخراتهم بالليرة.

وتشكل الودائع بالعملات الأجنبية 55% من مجموع الودائع في القطاع المصرفي، أي ما يقارب 260 مليار دولار، مقارنة بـ49% في عام 2018.

وأعرب المحللون عن قلقهم بشأن إمكانية ارتفاع الودائع بالدولار، مما سيؤدي إلى زيادة الضغط على الليرة وخلق حلقة مفرغة، ولعل مصدر القلق الرئيسي هو سحب الناس لتلك الودائع وفقدانهم الثقة في الاقتصاد، مثلما حدث خلال أزمة العملة الأخيرة في صيف 2018.

ويقول فينيكس كالين، وهو خبير إستراتيجي في الأسواق الناشئة في شركة “سوسيتيه جنرال”، إن السؤال المطروح حاليا هو “هل تريد الاحتفاظ بأموالك في القطاع المصرفي التركي؟”.

إن تهافت الأتراك على البنوك لسحب ودائعهم حدث آخر مرة في تركيا في عام 2001، وفي مثل هذا السيناريو، قد تختار الحكومة فرض ضوابط على رأس المال، مثل اتخاذ إجراءات تحد من سحب الودائع بالعملة الصعبة، مع العلم أنها صرحت في مناسبات سابقة بأنها لن تفعل ذلك.

إلى أي مدى سترتفع الأسعار؟

تصدرت الأسعار المرتفعة قائمة الأجندة السياسية في تركيا، ووفقا لمعهد الإحصاء التركي، بلغ معدل التضخم السنوي حوالي 20% في أكتوبر/ تشرين الأول، كما شهدت أسعار المواد الغذائية ارتفاعا أيضا، ما يضر بالأسر ذات الدخل المنخفض بشكل خاص.

وأشار الكاتبان إلى أن اعتماد تركيا على السلع المستوردة، وخاصة الوقود والمواد الخام، يعني انهيار العملة الذي يُترجَم بسرعة إلى ارتفاع في الأسعار، ويتوقع جيسون توفي، من شركة “كابيتال إيكونوميكس” الاستشارية، أنه “من المرجح أن يرتفع التضخم إلى 25% أو 30% خلال الشهر أو الشهرين المقبلين”.

ينذر التضخم المرتفع بمزيد من انهيار العملة وإضعاف الاقتصاد، ونبّه الكاتبان إلى أن استنزاف احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي يحد من قدرة البنك المركزي على التدخل لمنع انهيار العملة، كما حدث خلال فترات سابقة لهبوط قيمة الليرة، بما في ذلك 2018، حينما أعلنت تركيا عن زيادة طارئة في أسعار الفائدة ما أسهم في وقف انحدار قيمة الليرة والتقليص من التضخم المتزايد، ولكن في ظل سعي أردوغان لمزيد من التخفيضات في أسعار الفائدة، يتساءل بعض المحللين ما إذا كانت هذه المرة مختلفة؟

هل ستبقى البنوك في حاجة إلى التمويل الأجنبي؟

تعتمد البنوك في تركيا إلى حد كبير على الاقتراض من الخارج لتمويل قروضها في الداخل، في حين ازدهر التمويل الأجنبي بشكل نسبي في الفترات السابقة لضغوط العملة الشديدة، مثلما حدث في عام 2018، فإن التغيير المفاجئ في موقف المقرضين الأجانب من الممكن أن يخنق النظام المالي التركي.

حسب المحلل لدى وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني، حسين سيفينك، فإن البنوك لديها احتياطيات كبيرة من العملات الأجنبية كافية لتغطية إغلاق قصير للسوق لمدة عام تقريبا، لكنه حذر من أن إغلاق السوق لفترة طويلة قد ينطوي على مخاطر كبيرة.

هل تستطيع أنقرة سداد ديونها؟

خلال أزمة العملة في عام 2018، عندما انخفضت الليرة بنسبة 18.5% في يوم واحد على خلفية توتر العلاقات مع الولايات المتحدة، زادت مخاوف المستثمرين بشأن الاقتصاد، وكان أحد أكبر المخاوف ما إذا كانت الشركات المثقلة بالديون قادرة على سداد القروض المقوّمة بالدولار واليورو.

بعد 3 أعوام، تحسن وضع الشركات بعد أن خفّضت ديونها الخارجية بمقدار 74 مليار دولار، وذلك وفقا لشركة “باركليز” للاستثمار والخدمات المالية، في المقابل، انتقل جزء من تلك الديون الخارجية إلى القطاع العام بعد أن بدأت الخزانة بإصدار سندات محلية مقومة بالعملة الأجنبية تحت إشراف وزير المالية السابق بيرات (براءات) البيرق.

خلال الشهر الماضي، بلغت نسبة الديون الخارجية إلى الناتج الإجمالي المحلي 60%، مقارنة بنسبة 39% المسجلة في عام 2017، وهذا يعني أنه مع تراجع قيمة العملة، يصبح تحمل أعباء الديون مكلفا أكثر بالنسبة لوزارة الخزانة.

ولا تزال نسبة الدَّين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في تركيا منخفضة مقارنة بالأسواق الناشئة الأخرى، حيث لم تتجاوز 40%، لكن المحللين يقولون إن ارتفاع تكلفة سداد الديون يمكن أن يحدّ من النطاق المالي للحكومة في وقت تخطط فيه لزيادة المنح مع اقتراب موعد الانتخابات. (aljazeera)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها