دويتشه فيله: حياة ما بعد المستشارية .. ماذا ستفعل أنغيلا ميركل بعد تقاعدها ؟
بعد 16 عاماً من رئاسة أنغيلا ميركل للحكومة الألمانية، وصل مشوارها السياسي إلى محطته الأخيرة للانتقال إلى حياة التقاعد، فماذا ينتظرها هناك، وما هي النشاطات التي تحب ممارستها في وقت الفراغ؟.
وتحب أنغيلا ميركل أن تطهو حساء البطاطا وتخبز كعكة البرقوق بالستروسل (خليط متفكك من الطحين والزبدة والسكر)، وهي أطباق خريفية ألمانية تقليدية لن يكون لديها (ميركل) على الأرجح وقت لتحضيرها بسرعة.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية فعلت ميركل أشياء كثيرة للمرة الأخيرة بوصفها مستشارة: المشاركة للمرة الأخيرة في جلسة للبرلمان الألماني “بوندستاغ”، ورئاسة مجلس الوزراء الألماني للمرة الأخيرة، أو حتى المشاركة في اجتماع الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات الألمانية للتباحث بشأن تدابير مواجهة وباء كورونا في البلاد. وتوديع الجيش الألماني لها بآخر استعراض موسيقي عسكري.
وللمرة الأخيرة، كانت المستشارة أنغيلا ميركل في العديد من عواصم العالم في الأسابيع القليلة الماضية، ولم يبد عليها أي حزن.
وعندما قال رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي، في قمة مجموعة العشرين، إنه يأمل أن يرى ميركل كثيراً في إيطاليا مستقبلاً، “ربما في مناسبات أكثر استرخاءً”، ردت ميركل أنها قريباً ستكون قادرةً على “أن تعيش حبها لإيطاليا بطريقة مختلفة تماماً عندما أنهي فترة ولايتي مستشارة لألمانيا”.
وتبدأ حياة جديدة لأنغيلا ميركل في أول يوم لها كمستشارة سابقة، وحتى الآن، ظلت تفاصيل هذه الحياة بعيدة عن الأضواء.
وفي تموز الماضي، أثناء زيارتها إلى واشنطن، سُئلت ميركل عن تصورها لفترة تقاعدها، وعلى الرغم من أنها كانت تستجيب مراوغة في مناسبات أخرى، إلا أنها كشفت هذه المرة بأنها ستستمتع بأخذ قسط من الراحة ولن تقبل أي دعوات، مضيفةً أنه يجب عليها إدراك أن مهامها السابقة “يقوم بها شخص آخر الآن”، وتابعت: “أعتقد أن هذا سيعجبني كثيراً”.
وفي وقت فراغها المُستكشف حديثاً، أشارت المستشارة إلى أنها تريد التفكير في “ما يثير اهتمامي حقاً”، فقد كان لديها القليل من الوقت للقيام بذلك خلال السنوات الـ16 الماضية.
وبابتسامة ماكرة، قالت المستشارة، التي كانت، في وقت طرح السؤال، قد حصلت للتو على الدكتوراه الفخرية من جامعة “جونز هوبكنز” الأمريكية: “بعذ ذلك، قد أحاول قراءة شيء ما، ثم أغلق عيناي لأنني متعبة، ثم سأنام قليلاً، لنرى بعد ذلك أين سأظهر”.
وسبق لفنان تصويري وآخر كاتب في أدب الجريمة أن يستشرفا مستقبل ميركل، فقد قام أندرياس موهه بتصوير شخصية تمثل المستشارة في الكثير من الهدوء، وفي أوضاع تظهر فيها وحيدة، وحولها إلى معرض، ومن ناحية أخرى، يفترض الكاتب في أدب الجريمة ديفيد زافيير أن ميركل ستصاب بالملل لدرجة الانفجار بسرعة دون جدول أعمالها المزدحم.
وفي روايته المثيرة للضحك “الآنسة ميركل”، يجعل زافيير “المستشارة السابقة” تشكو من الحياة الريفية الهادئة، بعد انتقالها إلى بيتها الحالي المخصص للعطل في براندنبورغ.
“فقط المشي في الغابات والمرتفعات وتحضير الكعك؟ لا!”، وبشكل حر، واستناداً إلى روايات “الآنسة ماربل” البريطانية البوليسية التي كتبتها أغاثا كريستي، يتيح زافيير لميركل التعثر بقضية قتل والتحقيق فيها بحماسة.
وكتاب “الآنسة ميركل” فكاهي، ينطلق من سؤال له ما يبرره، وهو: “هل يمكن لشخص، كان جدوله مخططاً لعقود، من الصباح الباكر حتى وقت متأخر من الليل، وتحمَّلَ مثل هذه المسؤولية الكبيرة، أن يغادر بين ليلة وضحاها؟”.
وقالت ميركل مؤخراً في برلين: “ما يفتقده المرء عادةً، لا يلاحظه غالباً إلا عندما يفقده”.
وبلغت ميركل 67 عاماً من العمر في 17 تموز 2021، لكن لا داعي للقلق من الناحية المالية، فبصفتها مستشارة اتحادية، تكسب حالياً 25000 يورو شهرياً، وبالإضافة إلى ذلك، يحق لها الحصول على ما يزيد قليلاً عن 10000 يورو كعضو في البرلمان الاتحادي “بوندستاغ”، الذي ماتزال عضواً فيه منذ أكثر من 30 عاماً.
وعندما تترك ميركل وظيفتها، ستستمر في البداية في تلقي راتبها لمدة ثلاثة أشهر، ثم نصفه لمدة أقصاها 21 شهراً كراتب انتقالي.
وبالنسبة للمعاش التقاعدي اللاحق، سيتم حساب استحقاقات التقاعد المختلفة من عملها كمستشارة ووزيرة وبرلمانية في الـ”بوندستاغ” مع بعضها البعض.
وتستفيد ميركل من أنها ظلت في الخدمة لفترة طويلة جداً، ويمكن العثور على قواعد الحساب، بدقة تصل إلى خمسة منازل عشرية، في ما يسمى بـ”القانون الوزاري الاتحادي” لعام 1953، فبعد أربع سنوات على الأقل في المنصب، يحق للمستشارين الاتحاديين الحصول على 27.74% من رواتبهم السابقة، ومع كل سنة إضافية في المنصب، يزيد الاستحقاق بنسبة 2.39167% إلى أن يصل إلى حد أقصى يبلغ 71.75%.
ونتيجة لذلك، يمكن أن تعتمد ميركل على معاش تقاعدي يبلغ حوالي 15000 يورو شهرياً، كما يحق لها الحصول على حماية شخصية وسيارة مع سائق حتى نهاية حياتها، ويضاف إلى ذلك، مكتب في مبنى الـ”بوندستاغ” في برلين وبه إدارة مكتب، يضم وكيلين مساعدين وكاتب.
والموظفون الحكوميون السابقون ملزمون بموجب القانون بالحفاظ على السرية، لكن حتى لو لم يُسمح لهم بالمحادثة وتبادل أطراف الحديث كما يحلو لهم، فإنهم يتمتعون بشعبية في قطاع الاقتصاد، كمستشارين بسبب علاقاتهم السياسية المتشعبة.
وبعض أسلاف ميركل في المنصب انتقلوا إلى الاقتصاد، فقد أصبح هيلموت شميدت رئيس تحرير صحيفة “دي تسايت” الأسبوعية عام 1982، وكان متحدثاً شهيراً، وفي مقابلة عام 2012، قال: “لقد وضعت لنفسي قاعدةً بعدم إلقاء محاضرة بأقل من 15000 دولار”، لكن المستشارين السابقين هيلموت كول وغيرهارد شرودر، فهما أفضل بكثير من شميدت في كيفية تحويل ماضيهما السياسي وشهرتهما إلى نقود، فقد أسس كول شركةً للاستشارات السياسية والاستراتيجية، وحصل من خلالها على مكاسب جيدة كعضو جماعة ضغط ومستشار.
وأثار غيرهارد شرودر غضباً واسعاً عندما قام في عام 2005، وبعد بضعة أشهر فقط من مغادرته المستشارية، بالعمل في شركة خط أنابيب “نورد ستريم”، وهي شركة تابعة لشركة “غازبروم” الروسية، وكان شرودر قد دعم بناء خط أنابيب الغاز الروسي عندما كان المستشار الاتحادي.
وفي غضون ذلك، يلزم القانون الأعضاء السابقين في الحكومة قبل الانتقال إلى الاقتصاد الاستفسار من المستشارية فيما إذا كانت وظيفتهم (الجديدة) “تؤثر سلباً على المصلحة العامة”، وتنصح لجنة أخلاقيات الحكومة بأن تفرض، في حالة الشك، فترة انتظار تصل إلى 18 شهراً.
هل تبحث ميركل حالياً عن وظيفة جديدة أو عمل تطوعي؟، حتى الآن لم تقل كلمة واحدة حول هذا الموضوع، لكن من المحتمل أنها ستبقى في برلين في الوقت الحالي على الأقل، فزوجها الكيميائي يواخيم زاور (72 عاماً) لا يفكر في ترك برلين، وعلى الرغم من تقاعده من العمل كأستاذ في جامعة “هومبولت” في برلين، فقد مدد عقده كباحث أول حتى عام 2022.
زابينه كينكارتس – دويتشه فيله[ads3]