دراسة ألمانية : تلقيح النباتات يدوياً .. هل يجعل من الإنسان بديلاً للنحل ؟

في القرن الثامن عشر جلب مكتشفون إسبان نبات الفانيلا من المكسيك إلى أوروبا، غير أن زراعة زهرة الأوركيد العطرية هذه فشلت، لأن الملقحات الحيوانية التي تنقل حبوب اللقاح الذكرية إلى الأزهار الأنثوية، لم تكن موجودة في نطاق انتشارها الطبيعي.

وفي عام 1841، اكتشف عبد شاب في جزيرة “رينيون” طريقةً بسيطةً نسبياً تساعد على تلقيح النبات يدوياً، باستخدام عصا خشبية صغيرة، وما تزال هذه الطريقة مستخدمة حتى اليوم في تلقيح نبات الفانيلا على سبيل المثال في مدغشقر، التي تعد المصدر الرئيسي لنبات الفانيلا اليوم.

ولا يعد هذا المثال دليلاً نادراً على مثل هذا الشكل الغريب لزراعة النبات، فبحسب دراسة أجراها باحثون في مدينتي غوتينغن وهونهايم الألمانيتين، فإن طريقة التلقيح اليدوي أكثر انتشاراً على نحو كبير مما قد يعتقد المرء.

وكتب هؤلاء العلماء مؤخراً في مجلة “بيزيك آند آبلايد إيكولوجي” العلمية أن 20% من النباتات يتم تخصيبها بالكامل أو جزئياً بشكل يدوي، ومن هذه النباتات أنواع لها أهمية اقتصادية مثل التفاح والكاكاو والطماطم ونخيل الزيت، والتي يتجاوز حجم إنتاجها أربعة ملايين طن سنوياً، وكذلك أيضاً نباتات ذات كميات إنتاج أقل مثل نبات الماراغويا والفستق والفانيلا.

وقالت إنيماري فورتس، المعدة الأولى للدراسة من جامعة غوتينغن: “كنا قد افترضنا ابتداءا أن التلقيح اليدوي مستخدم بشكل أساسي في زراعة النباتات، لكن كان من المدهش بالنسبة لنا أن نجد مثل هذا الكم الكبير من الأمثلة بين النباتات المفيدة”.

لكن ما السبب الذي يجعل الناس يقومون بمهام تؤديها الطبيعة من تلقاء نفسها؟، إن السبب الأكثر شيوعاً في هذا هو نقص الملقحات الطبيعية التي تستحيل الزراعة في العديد من الحالات.

وقد انتهت دراسة للعالمة البيئية ألكسندرا-ماريا كلاين، من جامعة فرايبورغ الألمانية، عام 2007، إلى أن الملقحات الحيوانية من نحل وحشرات أخرى وطيور أو خفافيش تؤمن أو تزيد من نحو 75% من أهم 115 محاصيل غذائية ومفيدة على مستوى العالم.

وأظهر فريق بقيادة كلاين، التي تشغل منصب أستاذ حماية الطبيعة وعلوم البيئة الطبيعية، أن اعتماد إنتاج المواد الغذائية على الملقحات الحيوانية زاد في الفترة بين عامي 1961 و2006، بسبب الزيادة الكبيرة في نسبة مساحة الأراضي المزروعة بمحاصيل تعتمد على الملقحات.

وفي الوقت نفسه، تزايد عدد الدراسات التي تظهر أن عدد وتنوع الحشرات تراجع في العديد من مناطق العالم، وعزا الخبراء هذا التراجع إلى تدمير العديد من الموائل، لأسباب من بينها تكثيف الزراعة “مع تزايد اختفاء المساحات المخصصة للزهور، وقد أدى هذا العامل بالإضافة إلى استخدام المبيدات إلى تراجع الحشرات والملقحات الأخرى”.

هل توجد علاقة بين اختفاء الحشرات من ناحية وتزايد التلقيح اليدوي من ناحية أخرى؟، لا يمكن استخلاص مثل هذه النتيجة بشكل مباشر من الاستعراض الذي قدمه الباحثون، وقالت كلاين: “تنقصنا قاعدة بيانات لهذا”.

وكثيراً ما يجري الاستشهاد في هذا السياق بمثال “النحل البشري” في الصين، حيث كان إقليم شيوان قد توسع في زراعة التفاح بشكل كبير في ثمانينيات القرن الماضي، وعلى إثر ذلك، زاد استخدام المبيدات الحشرية في المزارع، وهو ما أدى بدوره إلى تراجع قوي للحشرات الملقحة، كما فصل الباحثون في مقالتهم.

وأضاف الخبراء أن النحالين صاروا يرفضون إقامة خلايا النحل الخاصة بهم بالقرب من المزارع بسبب التلوث بالمبيدات.

وانخفضت المحاصيل، وأدى هذا في النهاية إلى تسلق البشر للأشجار من أجل التلقيح، وهو الأمر الذي انطوى على جهد كبير، ما جعل المزارعين يتحولون سريعاً إلى محاصيل أخرى يمكنها أن تقوم بالتلقيح ذاتيا.

ولا يعد النقص في الحشرات والملقحات الحيوانية نتيجة حتمية لنقص الأنواع، فبعض النباتات المفيدة يتم زراعتها خارج بيئة انتشارها الذاتية، كما حدث في مثال نبات الفانيلا.

ويمكن فهم مثل هذه التطورات الخاصة بالتلقيح اليدوي من خلال ارتفاع الطلب على أنواع كثيرة من الثمار التي يفضل الناس توافرها على مدار العام، ورأت كلاين أن هذا يزيد من المتطلبات التي يجب توافرها في النباتات المزروعة، “فالنباتات يجب أن تكون مقاومةً للآفات، ويجب تكييفها مع تغير المناخ مع إنتاج أكبر كمية ممكنة من المحصول، الأمر الذي يصل بعملية زراعة النباتات إلى أقصى حدود طاقتها”.

ورأى الباحثون أن التغير المناخي يمكن أن يزيد من أهمية التلقيح اليدوي على نحو واسع في المستقبل، وهناك مزارعون يرون اليوم بالفعل أن الظروف المناخية السيئة هي السبب في استخدام مثل هذه الطرق، فالعواصف في وقت الإزهار يمكنها أن تؤدي إلى منع الحشرات من الطيران، وقد ينجم عن هذا الأمر فقدان كامل للمحصول في حال كانت فترة الإزهار قصيرة للغاية.

وأضاف الباحثون أن التزايد المتوقع لأحوال الطقس المتطرفة يمكن أن يهيئ الظروف لمثل هذه المواقف، كما أن من الممكن للتغيرات المناخية أن تؤدي إلى تباعد السبل بين النباتات والملقحات الحيوانية ما يصعب من عملية التلقيح الطبيعي.

وأعرب فريق البحث بقيادة فورتس عن اعتقادهم بأن التوسع العام في التلقيح اليدوي للنباتات هو الطريق الخطأ، وقالت فورتس: “في أي مكان يكون فيه التلقيح الطبيعي متاحاً أو يمكن استعادته، يجب أن يكون لهذا النوع الأولوية، لأنه يمثل خيار التلقيح الأكثر كفاءة والأنسب كلفة والأكثر مناسبة للتنوع البيولوجي”.

وأضافت: “يمكن فهم طريقة التلقيح اليدوي على أنها من قبيل الإسعافات الأولية التي يمكن توافرها في حال تعذر التلقيح الطبيعي لأي سبب”.

واستبعدت كلاين أن يتم استخدام التلقيح اليدوي على نطاق واسع مستقبلاً، مشيرةً إلى أن هذه الطريقة يمكن أن تنطوي على تأثيرات سلبية، “فقد يؤدي هذا إلى الإفراط في تلقيح الأزهار (يدوياً) ما يؤثر سلباً على جودة الثمار، وهذا أمر معقد على نحو لا يمكن تصديقه، كما أنه باهظ التكلفة في نهاية الأمر”. (DPA)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها