واشنطن بوست تكشف التفاصيل : غارات إسرائيلية على سوريا استهدفت هذه المناطق بعد محاولة الأسد إعادة إنتاج غازاته المميتة !
في الثامن من يونيو الماضي استهدفت غارات جوية ثلاثة مواقع عسكرية تابعة للنظام السوري، قرب دمشق وحمص، وفقا لما نقلته وسائل إعلام محلية.
هذه الغارات تسببت بمقتل سبعة جنود، من بينهم قيادي بارز في قوات النظام السوري يعمل مهندسا في مختبر شديد السرية، ونسب الهجوم لإسرائيل.
ورغم أن إسرائيل رفضت التعليق بشأن ضلوعها في ذلك الاستهداف، تقول صحيفة “واشنطن بوست” إن محللين في الاستخبارات الغربية لاحظوا وجود اختلاف واضح فيما يتعلق بالغارات الأخيرة.
ويرى المحللون أن الغارات الإسرائيلية السابقة استهدفت دوما مواقع تابعة للمليشيات الإيرانية ومخازن أسلحتها، إلا أن القصف في 8 يونيو استهدف مرافق عسكرية تابعة للنظام السوري نفسه، “كلها ارتبطت ببرنامج الأسلحة الكيماوية التابع للدولة”.
ونقلت الصحيفة الأميركية، عن مصادر أمنية واستخباراتية مطلعين على الملف، إن الغارة التي نفذت في الثامن من يونيو “كانت جزءا من حملة لمنع ما يعتقد مسؤولون إسرائيليون أنها بداية محاولة من النظام السوري لإعادة إنتاج غازات الأعصاب المميتة”.
ونقلت “واشنطن بوست” عن أربعة مسؤولين حاليين وسابقين، ومسؤولين استخباراتيين في دول غربية اطلعوا على معلومات حساسة تزامنت مع الهجوم، أن إسرائيل أمرت بتنفيذ الغارة، وأخرى تشبهها قبل عام، بناء على معلومات استخباراتية تفيد بأن النظام السوري كان يحصل على لوازم ومواد كيماوية لإعادة إطلاق برنامجه الكيماوي، الذي أجبر على التخلي عنه قبل ثماني سنوات.
وذكر المسؤولون، الذين اشترطوا عدم الكشف عن هوياتهم لمناقشتهم معلومات سرية واطلاعهم على النقاشات الإسرائيلية، أن الغارات عكست القلق الكبير الذي نشأ لدى الوكالات الاستخباراتية الإسرائيلية قبل نحو عامين، بعد أن نجحت القوات التابعة للنظام السوري باستيراد عنصر كيماوي أساسي مستخدم لإنتاج غاز “السارين” القاتل.
وازداد قلق المسؤولين الإسرائيليين بعد أن لاحظت العناصر الاستخباراتية وجود نشاطات في مرافق عدة، أشارت إلى نية النظام لإعادة بناء برنامجه الكيماوي، وفقا لما نقلته “واشنطن بوست” عن المصادر.
ولم يؤكد المسؤولون الإسرائيليون صحة المعلومات ولم ينفوها، عند طلب “واشنطن بوست” التعليق، كما أنهم لم يفسروا سبب امتناعهم عن التعليق.
ومن جهته، اتهم النظام السوري إسرائيل بشن الهجمات، في حين نفى مسؤولون تابعون لنظام بشار الأسد مرارا استخدام أو إنتاج الأسلحة الكيماوية منذ عام 2013.
“مؤشرات” على إعادة بناء البرنامج الكيماوي
وتعتبر إسرائيل أن إعادة النظام السوري بناء ترسانته الكيماوية يعد تهديدا مباشرا لأمنها القومي. ورغم أن الأدلة أكدت، مرارا، استخدام الأسد الأسلحة الكيماوية على شعبه منذ اندلاع الحرب الأهلية عام 2011، إلا أن البرنامج الكيماوي السوري صمم في الأصل لاستخدامه في أي حرب مستقبلية مع إسرائيل.
ويقول مسؤول استخباراتي لـ “واشنطن بوست”: “إنه سلاح استراتيجي بالنسبة للنظام”، ملخصا توافق الوكالات الاستخباراتية التي تراقب عن كثب الجهود السورية لمحاولة إطلاق البرنامج الكيماوي من جديد.
وتنقل الصحيفة عن المسؤولين قولهم إن الغارة الإسرائيلية الأولى شنت، في 5 مارس عام 2020، واستهدفت فيلا ومجمعا في ضواحٍ تقع جنوب شرقي مدينة حمص، التي تعد ثالث أكبر مدينة في سوريا.
وقال مسؤولان في الاستخبارات الغربية للصحيفة إن الفيلا المستهدفة بتلك الغارة كانت مرتبطة بشكل مباشر بحصول النظام السوري، العام الماضي، على كميات كبيرة من مادة “فوسفات ثلاثي الكالسيوم” (TCP اختصارا).
ورغم أن هذه المادة مرتبطة أيضا بأغراض غير عسكرية، إذ يمكن استخدامها كإضافة صناعية على المواد الغذائية، إلا أنه يمكن، وبسهولة، تحويلها إلى “ثلاثي كلوريد الفوسفور”، وهو عنصر كيماوي يخضع لتشريعات مكثفة ويحظر دخوله إلى سوريا، لأن نظام الأسد معروف باستخدامه لصنع “السارين” وغازات الأعصاب الأخرى.
وأكد المسؤولان أن المستلم النهائي لمادة “TCP” كان “الفرع 450” العسكري، وهو القسم الأكثر سرية في المختبر التابع للنظام السوري، أي “مركز الدراسات والبحوث العلمية”، الذي أشرف على إنتاج الأسلحة الكيماوية في سوريا منذ الثمانينيات وحتى عام 2014 على الأقل، عندما تم تفكيك البرنامج وفقا لاتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا.
وقال المسؤولان إن المعلومات الاستخباراتية التي تلت الغارة في مارس، أفضت إلى اكتشاف مواقع إضافية، في خطوة اعتبرتها إسرائيل محاولة لإعادة إطلاق برنامج الأسلحة الكيماوية السوري.
وأضاف أحد المسؤولَين: “كانت هناك دلالات إضافية على أنهم يعودون مجددا إلى الإنتاج”.
أما غارة الثامن من يونيو الماضي، فاستهدفت مخزنا عسكريا قرب الناصرية، وهي قرية صحراوية تقع شمال دمشق، بالإضافة إلى موقعين قرب حمص، أحدهما وصف بأنه مرفق مساعد لمختبر “مركز الدراسات والبحوث العلمية” العسكري، الواقع في مصياف القريبة من مدينة حمص.
ومن بين القتلى السبعة في غارة يونيو الماضي، كان العميد التابع لقوات النظام، أيهم إسماعيل، الذي أشارت الصحيفة إلى أنه مهندس عسكري كان يعمل في مجمع شديد السرية في مصياف.
ورغم أنه لم يتضح إن كانت الغارات قد أنهت بنجاح أي خطة لنظام الأسد بإعادة إطلاق البرنامج الكيماوي، إلا أن المسؤولين في الاستخارات الغربية أكدوا للصحيفة أن الهدف منها تمثل في تدمير أي قدرات لإنتاج أسلحة فعلية قبل إنهائها، مشيرين إلى أن أي محاولة لتدمير أسلحة كيماوية بعد صنعها كان سيتسبب في انفجارها وإطلاق الغازات السامة في الأجواء، وتهديد حياة المدنيين في المدن والقرى المجاورة.
الموقف الأميركي
وبعد شن الغارات الإسرائيلية، أشارت مصادر “واشنطن بوست” إلى أن المسؤولين رفيعي المستوى في إدارتي الرئيسين دونالد ترامب، وجو بايدن، أصبحوا على علم بالمعلومات الاستخباراتية.
وكانت الشكوك راودت مسؤولي الاستخبارات الأميركية، منذ فترة، بأن نظام الأسد يحاول استرجاع بعض العناصر الأساسية في قدراته الكيماوية.
وفي عام 2019، اتهمت وزارة الخارجية الأميركية، بصورة مباشرة وعلنية، نظام الأسد بمحاولة مواصلة برنامجه الكيماوي سرا، واستدلت بذلك على هجوم بغاز الكلورين استهدف مواقع لمقاتلي المعارضة في العام ذاته.
وتعمل إدارة بايدن على إنهاء مراجعة شاملة للسياسة السورية، التي يتوقع من خلالها أن تدعو إلى محاسبة الأسد على الخروق الحالية والسابقة لمعاهدة حظر الأسلحة الكيماوية.
وقال جيمس جيفري، المبعوث الأميركي، الذي أشرف على الشؤون الدبلوماسية مع سوريا خلال رئاسة ترامب، إن “الإدارة صرّحت بأنها ستحاسب نظام الأسد على أفعاله”.
وأضاف “هذا يجب أن يتضمن أيضا أدلة قدمها (وزير الخارجية حينها مايك) بومبيو وغيره.. أن الأسد يحاول إعادة بناء ترسانته من الأسلحة الكيماوية”. (alhurra)
[ads3]