نيويورك تايمز : الضربات الجوية الأمريكية في الشرق الأوسط مليئة بالشوائب الاستخباراتية و أوقعت آلاف القتلى المدنيين
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تحقيقا عن فشل البنتاغون في التحقيق في الضحايا المدنيين نتيجة الغارات المدنية، وقالت إن “ملفات البنتاغون”، تكشف عن مظاهر فشل في الغارات بالطائرات المسيرة. وقالت إن شن حرب بالطائرات المسيرة أو الدرون والقنابل الدقيقة قائم على معلومات استخباراتية غير دقيقة وعدم دقة في التهديف وسنوات من الوفيات بين المدنيين مع غياب المحاسبة إلا في حالات نادرة.
وأعدت التحقيق عظمت خان، حيث تناول حوادث تم فيها استهداف أهداف خاطئة، ففي 19 تموز /يوليو 2016 استهدفت واشنطن ما اعتقد أنها 3 أهداف لتنظيم “الدولة الاسلامية”(داعش) في بلدة توخار السورية وقالت إنها قتلت 85 مقاتلا، وفي الحقيقة فإن الضربة استهدفت بيوتا بعيدة عن خطوط القتال وقتلت أكثر من 120 مدنيا.
وفي 2017 استهدفت طائرة أمريكية عربة بيضاء على تقاطع في وادي حجر بالموصل، كانت تحمل ماجد محمود أحمد وزوجته وولديهما، وكانوا هاربين من القتال بمنطقة قريبة. وقتلوا مع 3 مدنيين آخرين. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2015 عندما لاحظ الأمريكيون هدفا ثقيلا في مواقع دفاعات تنظيم الدولة بالرمادي، ضربوا بناية، وقتلوا طفلا.
وجاءت هذه الأمثلة من الأرشيف الخفي للحرب الجوية الأمريكية في الشرق الأوسط منذ عام 2014، ولم يتم التحقيق فيها وغيرها. وحصلت نيويورك تايمز على هذه الوثائق و1300 تقريرا عن الوفيات بين المدنيين، تظهر فشل الحرب وعدم الدقة ومقتل آلاف المدنيين، معظمهم من الأطفال، على تناقض مع الصورة التي قدمتها أمريكا على أنها تشن حربا بمسيرات تضرب الهدف بدقة.
وتظهر الوثائق أن التعهد بالشفافية والكشف عما جرى انتهى بتعزيز حس الإفلات من العقاب فقط، حيث لا تشمل الوثائق أي تقرير عن عقاب للمسؤولين، بينما تم دفع بعض التعويضات القليلة وفي عدد من الحالات مع أن الضربات خلفت ضحايا بعجز يحتاج إلى علاج صحي دائم ومكلف.
وتمثل الحرب الجوية تحولا مهما في الحروب وجاءت ردا على الغضب العام من الحروب الدائمة، وقتل فيها أكثر من 6.000 أمريكي، وردت إدارة باراك أوباما بالحملات المسيرة التي يقوم بها جنود على أجهزة الكمبيوتر بالتحكم بالطائرات وضربها على بعد آلاف الأميال فيما وصفها أوباما بأنها ” أكثر حملة جوية دقة في التاريخ”. ووعدت هذه الحرب بقتل الأشخاص المطلوبين ومحاولة تجنب المدنيين. وكانت هذه الحرب مهمة في إنهاك خلافة تنظيم الدولة الإسلامية وانهيارها، ولعبت دورا مهما في حرب أفغانستان، ومع انتهاء الحربين اختفى الضحايا المدنيون وويلات الحرب من أذهان الأمريكيين.
وكشف التحقيق أن الغارة الجوية قرب مطار كابول لم تستهدف أفرادا من تنظيم “الدولة” بل عائلة كانت تحمل المياه في السيارة. كما وكشفت عن قتلى مدنيين في الحملة الأمريكية على معقل التنظيم في شرق سوريا عام 2019 وكيف أنها استهدفت مدنيين. وأمرت بالغارات خلية سرية تجاهلت التعليمات التي تقضي بحماية المدنيين. ونادرا ما يعترف البنتاغون بالأخطاء حيث يصف العمليات الخاطئة بأنها مؤسفة. وقال العقيد بيل إربان الناطق باسم القيادة المركزية “تحدث أخطاء مع أفضل التكنولوجيا في العالم، سواء قامت على معلومات غير كاملة أو إساءة تفسير المعلومات المتوفرة، ونحاول التعلم من هذه الأخطاء”. ووصف محاولات تقليل مخاطر إصابة المدنيين بأنها “ضرورة استراتيجية كما هي واجب قانوني وأخلاقي”، إلا أن الوثائق تظهر أن المدنيين تحولوا إلى أضرار جانبية في حرب ضلت طريقها.
وقامت نيويورك تايمز بتحليل وتقييم الضحايا المدنيين بناء على التقارير وزارت أكثر من 100 موقع تضرر بالضربات وقابلت مسؤولين سابقين وحاليين.واعترفت البنتاغون بمقتل 1417 مدنيا في الغارات الجوية على تنظيم الدولة الإسلامية، ومنذ عام 2018 قتلت الغارات الجوية الأمريكية 188 مدنيا في أفغانستان. لكن تحقيق “نيويورك تايمز” وجد أن الكثير من تقارير عن الضحايا المدنيين استبعدت، مما أدى إلى عدم شمل أعداد هم في أرقام الجيش عن الغارات. ومع أن الحرب الجوية لم تستبعد قتلى مدنيين لكن الجيش وضع بروتوكولا يجب العمل به قبل اتخاذ قرار توجيه الضربة بطريقة يكون فيها أي ضحية مدنية متناسب مع المكسب الذي يرغب الجيش بتحقيقه.
والمشكلة هي أن الأخطاء التي حدثت في الحرب تجاه المدنيين تكررت المرة بعد الأخرى. وتكشف الوثائق عن ظاهرة نفسية “التحيز المؤكد” والذي يفترض أن أي مجموعة من الناس تخرج من مناطق تنظيم الدولة هم مقاتلين وليسوا مدنيين هاربين، رجال على درجات نارية هم أهداف متحركة، وعادة ما يضيع المدنيون وسط الفجوة بين الجنود الأمريكيين والسكان المحليين “لا يوجد هناك وجود مدني”، مع أن الضحايا كانوا مدنيين نائمين أثناء رمضان هربا من حر الشمس أو تجمعوا في بيت واحد للإفطار. وفي معظم الحالات كان وجود المدنيين واضحا في الضرب، لكن وجودهم تم تجاهله من قبل المراقبين او لم يتم التعامل معه في المعلومات الموجهة للضرب.
ويتحدث المسؤولون الأمريكيون عن قدراتهم “فوق الأفق”، لكن التحليل يظهر عيوبا في اللقطات ونوعيتها التي تقوم بإرشاد المعلومات الأمنية. وفي بعض الأحيان تلتقط لقطات فيديو لا تستغرق ثوان قبل الهجوم، وليست كافية لتقييم وجود مدني في المكان. واللقطات التي تلتقط من الجو لا تظهر الناس داخل بيوتهم أو الناس المختبئين تحت الصفيح أو الأغطية التي تحمي الأسواق والسيارات من الشمس. وفي بعض الحالات وللتستر في الوثائق فإن الهدف المقصود لا يضرب. ففي نيسان/إبريل 2016 أعلن الجيش عن قتل الأسترالي نيل بركاش في غارة على بيت شرق الموصل، وبعد أشهر ظهر حيا يرزق، واعتقل وهو يحاول العبور من سوريا إلى تركيا وقتل أربعة مدنيين في الغارة. ومع تزايد ضحايا المدنيين لم يقم الجيش بفحص أو تقييم أو التعلم من الخطأ.
وقابل المسؤولون الناجون من الهجوم في مرتين فقط. وتم استبعاد الضحايا المدنيين في معظم الحالات بسبب عدم وجود جثث بين الأنقاض. وكان لدى المسؤولين الأمريكيين فرصة لمعرفة جذور المشكلة واكتشاف الأخطاء عندما قامت هيئة الأركان المشتركة مع جامعة الدفاع الوطني في عام 2018 بدراسة للقتلى بين المدنيين. وقال باحث شارك في الدراسة إن معظم نتائجه حذفت منها، ولم يتم نشر دراسة على مستوى عال ولا نتائجها. وما يظهر من 5.400 صحفة من السجلات هو القبول بين العسكريين بحتمية وقوع ضحايا بين المدنيين. وفي منطق الجيش الأمريكي فالقتلى بين المدنيين أمر مقبول طالما تم اتخاذ الحيطة واتبعت الإجراءات.
وفي عام 2009 زادت واشنطن قواتها في أفغانستان في محاولة لدعم القوات الافغانية التي تقاتل طالبان، لكن أوباما قرر عام 2014 أن دور القوات البرية قد انتهى وأن الولايات المتحدة ستتحول للدعم الجوي بدلا من ذلك. وفي نفس الفترة اجتاح تنظيم الدولة مناطق العراق وسوريا، وأمر اوباما بغارات جوية لدعم القوات العراقية وحلفاء أمريكا في سوريا. ولم يكن استخدام المسيرات أمرا جديدا في الحروب الأخيرة، فقد تم استخدامها وفحصها في عام 1991 أثناء حرب الخليج وفي حرب البلقان التي خاضها الناتو وكذا في اليمن والصومال. وأصبحت أم كيو9- ريبر المزودة بصواريخ موجهة بالليزر السلاح المفضل.
وفي الفترة ما بين نهاية فترة أوباما ونهاية فترة دونالد ترامب شنت الولايات المتحدة 50.000 غارة على العراق وسوريا وأفغانستان.
وتم الحصول على تقرير الحرب الخفية بناء على قانون حرية المعلومات وطلبات بدأت عام 2017 في دعاوى قضائية ضد وزارة الدفاع والقيادة المركزية. وحصلت نيويورك تايمز، حتى هذا الوقت على 1311 تقريرا من بين 2866 تقريرا وتضم غارات على العراق وسوريا في الفترة ما بين أيلول/سبتمبر 2014 وكانون الثاني/يناير 2018. ولا تزال التقارير المتعلقة بأفغانستان موضوع دعوى قضائية أخرى. وكل تقرير هو نتاج التحقيق في مزاعم قتلى مدنيين إما عبر منظمات غير حكومية او تقارير إعلامية.[ads3]