دويتشه فيله : ألمانيا تسعى إلى فك ألغاز ” تنظيم الدولة “
يأمل كريستيان ريتشر، المدعي العام السابق في ألمانيا، وهو يسعى إلى تحقيق العدالة في جرائم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، في إيجاد إجابة على سؤالين مفادهما من استفاد من ظهور داعش؟ وأين هم الآن؟.
ويرأس ريتشر، منذ أيلول الماضي، فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم التي ارتكبها تنظيم داعش، ورغم أن جرائم “داعش” ما تزال محفورة في أذهان، ليس فقط العراقيين والسوريين وإنما العالم بأسره، إلا أن ريتشر يحدوه الأمل في إيجاد إجابة على هذين السؤالين خلال هذا العام.
وخلال ذروة سيطرة تنظيم “داعش” على مناطق في العراق وسوريا منذ 2014، انضم إليه حوالي 40 ألف مقاتل أجنبي خلال إحكام التنظيم قبضته على حوالي 100 ألف كيلومتر مربع من الأراضي السورية والعراقية، ومنذ ذلك الوقت، ارتكب مسلحو “داعش” جرائم عانى منها الجميع، بدايةً من الأقليات مثل الإيزيديين والمسيحيين في العراق وحتى المسلمين، فيما صنفت الأمم المتحدة جرائم التنظيم بحق الإيزيديين “إبادة جماعية”.
وخلال حكم “داعش”، وخلافته المزعومة منذ عام 2014، كانت سمات هذا الحكم الخطف والاغتصاب والتعذيب والاسترقاق والابتزاز والقتل والجرائم المالية، وهي جرائم كانت ترتكب بشكل يومي.
وعلى الرغم من دحر مسلحي “داعش” من معاقلهم في سوريا والعراق عام 2017، إلا أنه ما يزال يمتلك قرابة 10 آلاف مسلح بعد مقتل وسجن العديد من مقاتليه، وهو الأمر الذي يثير التساؤل في الوقت الحالي حيال كيفية محاكمة مسلحي التنظيم الذين ألقي القبض عليهم.
وبدأ فريق فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم التي ارتكبها تنظيم “داعش” (يونيتاد) عمله في آب عام 2018، وبات منوطًا به توثيق الجرائم التي ارتكبها مسلحو “داعش”، وكذلك أرشفة الأدلة والمساعدة في تدريب السلطات العراقية في الجوانب المتعلقة بالطب الشرعي.
وفيما يتعلق بعمل الفريق الأممي على مدار الأشهر الستة الماضية، حيث تمت أرشفة ورقمنة مليوني جزء من الأدلة، بحسب ما أفاد الفريق في آيار 2021، قام “يونيتاد” بتوظيف أكثر من 200 شخص، فيما طلبت 14 دولة المساعدة في قضايا تتعلق بتنظيم “داعش” وجرائمه خارج العراق.
يشار إلى أن ريتشر قد تولى في السابق مسؤولية وحدة التحقيقات الخاصة بجرائم الحرب في ألمانيا، وهي الوحدة التي كان منوطا بها رفع العديد من القضايا البارزة إلى المحاكم الألمانية.
وخلال عمله في ألمانيا، قاد ريتشر فريق التحقيق في قضية تتعلق بـ”داعش” في مدينة فرانكفورت، حيث أُدين أحد عناصره مؤخراً بارتكاب جرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية لتورطه مع زوجته الألمانية في وفاة فتاة إيزيدية تبلغ من العمر خمس سنوات خلال انضمامهما للتنظيم، حيث تركا الفتاة مقيدة بالسلاسل في طقس شديد الحرارة لتلقى حتفها جراء العطش الشديد.
وفي مطلع كانون الأول، أبلغ ريتشر أعضاء مجلس الأمن الدولي أن فريق (يونيتاد) ساعد في التحقيق في هذه القضية.
ويشدد ريتشر على أن الكشف عن ألغاز شبكة التمويل الخاصة بتنظيم الدولة الإسلامية، سيكون في صلب التحقيق الذي سيقوم به الفريق الأممي الذي يرأسه، مؤكداً أن (يونيتاد) تمتلك فريقاً متخصصاً في هذا الشأن.
ولم يفصح ريتشر عن المزيد من التفاصيل حيال مجريات التحقيق، خلال المقابلة مع شبكة “DW” الإعلامية، إذ اكتفى بالقول: “أعتقد أننا سنجد روابط وصلات دولية بهذا الأمر، لأن القضية ليست عراقية فحسب، فداعش كان ينشط خارج العراق على سبيل المثال في أوروبا”.
يشار إلى أنه مع بداية ظهور تنظيم “داعش” كانت أصابع الاتهام في تمويله تشير إلى بعض المانحين الأجانب من الخليج، حيث كان يشتبه في تمويلهم هذا التنظيم الوليد، لكن مع سيطرته على مناطق كبيرة من العراق وسوريا، جنى مسلحو “داعش” معظم الأموال من المناطق التي كانت خاضعة لسيطرتهم.
وخلال ذروة حكم وقوة التنظيم عام 2014، قدر خبراء قيمة أصوله بما يتجاوز ملياري دولار، إذ خلص مركز الأمن والتعاون الدولي في جامعة ستانفورد بولاية كاليفورنيا الأمريكية إلى القول بأن “الأموال التي صادرها التنظيم في المناطق الخاضعة لسيطرته بالإضافة إلى مبيعاته للموارد الطبيعية والأموال التي حصل عليها من فرض الضرائب والأنشطة الإجرامية، جعل منه أغنى منظمة إرهابية في العالم”.
ولم ينته الأمر عقب سقوط “خلافة داعش” المزعومة عام 2017، إذ قدرت الحكومة الأمريكية في أواخر العام الماضي أن تنظيم “داعش” ربما ما يزال يمتلك أصولاً تصل قيمتها إلى نحو 300 مليون دولار.
وفي هذا السياق، قال خبراء في وزارة الخزانة الأمريكية إن مصادر تمويل “داعش” في الوقت الحالي تأتي من الأنشطة الإجرامية بما في ذلك جرائم الخطف وتهريب المخدرات في المنطقة وأيضًا تهريب البشر إلى أوروبا، بالإضافة إلى عمليات تهريب وبيع الآثار العراقية أو السورية المنهوبة.
واللافت أن مصادر تمويله لم تتوقف على هذه الأنشطة الإجرامية، إذ يبدو أنه انخرط في سوق العملات المشفرة من أجل تفادي الملاحقة الدولية وأيضاً لإيجاد مجال جديد لنقل وتبيض الأموال.
ويقول الخبراء إن داعش استحدث نظامًا غير رسمي لتحويل الأموال إلى جهات الاتصال الشخصية مثل منظومة “ويسترن يونيون” الرائدة في إرسال الأموال إلى أي مكان في العالم.
وكانت الولايات المتحدة قد فرضت عقوبات على العديد من الأفراد يشتبه في تورطهم في المساعدة في تحويل أموال التنظيم، فيما أعلنت السلطات العراقية في تشرين الأول الماضي القبض على سامي جاسم الجبوري، القيادي البازر في “داعش”، والذي لُقب بـ “رجل المال”، حيث يشتبه في أنه مسؤول التمويل في التنظيم.
وفي هذا الصدد، يؤكد ريتشر على أهمية التحقيق في قضايا التمويل المرتبطة بـ”داعش”، ويقول في مقابلة مع شبكة “DW”: “التحقيق في تمويل الإرهاب مهم، لأنه يكشف التنظيم من الأعلى إلى الأسفل، فإذا تتبعت مصادر التمويل والمال، فسوف تحدد هيكل التنظيم وفي هذه الحالة، يمكن تحديد المستفيدين في نهاية المطاف”.
ويضيف ريتشر أن “يونيتاد” أنشأت فرق تحقيق خاصة للتحقيق في الجرائم التي ارتكبت ضد النساء وجرائم تجنيد الأطفال، وأيضاً التحقيق في كيفية قيام “داعش” بتطوير أسلحة كيمياوية في مدينة الموصل، شمالي العراق، وقال، لـشبكة “DW”، إن مثل هذه الأمور ستكون في صلب تركيز الفريق الذي يرأسه هذا العام.
وخلال حواره مع شبكة “DW”، سلط ريتشر الضوء على التحديات التي يواجهها الفريق الأممي خاصة ما يتعلق بمحاكمة عناصر التنظيم من الأجانب في بلادهم، بيد أنه يرى أن العراق يعد أفضل مكان لمحاكمة عناصر “داعش” العراقيين.
ويمثل هذا الأمر تحدياً، إذ ينص تقرير الأمم المتحدة على عدم مشاركة أي دليل جنائي في محاكم يمكن أن تصدر أحكاماً بالإعدام، فالمحاكم العراقية التي تنظر في قضايا مرتبطة بـ”داعش” يمكن أن تصدر عقوبة الإعدام، حيث تعرض النظام القضائي العراقي للكثير من الانتقادات بسبب الطريقة التي يعامل بها عناصره.
ومن أجل حل هذه الإشكالية، اقترحت الحكومة العراقية مشروع قانون يمكن أن يغير طريقة التعاون والعمل مع الفريق الأممي، بيد أن حالة الجمود التي أعقبت الانتخابات التشريعية أدت إلى عدم تمرير مثل هذا التشريع.
وفي هذا الصدد، شدد ريتشر على أن عملهم ” يسير في إطار احترام سيادة العراق.. من المهم أن ينعكس عمل يونيتاد في الإجراءات الداخلية في العراق، ونحن واثقون من قدرتنا على تحقيق هذا الأمر”.
وأشار ريتشر إلى أنه بمجرد جمع الأدلة الكافية من قبل فريق “يونيتاد”، فسوف تشهد عملية تحقيق العدالة في جرائم “داعش” نقطة تحول خاصة فيما يتعلق بتقديم مسلحيه إلى العدالة، بيد أنه ريتشر أقر بأن الأمر قد يستغرق سنوات على الرغم من تفهمه لنفاد صبر أهالي ضحايا تنظيم الدولة الإسلامية، مضيفاً أنهم “يرغبون في تحقيق العدالة الآن”.
وأعرب ريتشر عن أمله في أن تحصل “يونيتاد ” على دعم من كافة الأطراف فيما يتعلق بالمعلومات والبيانات الخاصة بعناصر “داعش”، عند الشروع في محاكمة أي “داعشي”، وشدد على أن التحقيق في الجرائم الدولية مثل الجرائم ضد الإنسانية وتقديم الجناة إلى العدالة “هي عملية طويلة دائماً”، مستشهداً في ذلك بمسار التحقيق في جرائم الإبادة التي ارتكبت في رواندا، التي وقعت في تسعينيات القرن الماضي، حيث شهدت البلاد مذابح عرقية أسفرت عن مقتل أكثر من 800 ألف شخص غالبيتهم من عرقية التوتسي.
كاثرين شاير – دويتشه فيله[ads3]