مسؤول أممي: لا عودة وشيكة للاجئين السوريين إلى بلدهم

اعتبر دومينيك بارتش، ممثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (التابعة للأمم المتحدة) لدى الأردن، أن برنامج “إعادة توطين” السوريين هو تقاسم للمسؤولية مع دول اللجوء،

وأعرب عن قلقه من عدم عودة وشيكة للاجئين إلى بلادهم، وبأنه سيتعين عليهم “الاستمرار في الانتظار حتى تصبح الظروف مواتية”.

حديث بارتش، جاء خلال مقابلة خاصة أجرتها معه “الأناضول”، في مكتبه بالعاصمة عمان، تناولت مختلف الأمور المتعلقة باللاجئين السوريين بالمملكة.

وقال: “اندلع الصراع السوري قبل أكثر من 10 سنوات، وأنتج عددا هائلا من اللاجئين الذين وجدوا مأوى في البلدان المجاورة، وأيضا عددا كبيرا جدا من النازحين الداخليين”.

وأضاف: “بعد سنوات عدة من تحركات اللاجئين هذه، لاحظنا الإيجابيات والسلبيات، أما الجانب الإيجابي فهو أن اللاجئين تمكنوا من إحراز تقدم جيد في أن يكونوا قادرين على الوقوف بمفردهم، وقادرين على العمل في بعض القطاعات غير الرسمية؛ لدعم أنفسهم”.

وعن الجانب السلبي، أشار المسؤول الأممي إلى أنه “لسوء الحظ، لا يبدو ممكنا عودة هؤلاء إلى وطنهم في المستقبل القريب”.

واستدرك قائلاً: “هذا يضعنا في موقف صعب للغاية؛ لأن الكثيرين منهم لا يزالون يأملون في العودة إلى سوريا مستقبلا. وفي الوقت ذاته، بالطبع، يحتاجون الآن إلى معرفة ما إذا كانوا قادرين على ذلك”.

وأردف: “هم يريدون التأكد من أن الأطفال يمكنهم الاستمرار في الذهاب إلى المدرسة، ويريدون التأكد من أنه ربما بمؤهلاتهم الحالية، يمكنهم الوصول إلى سوق العمل، وما إلى ذلك”.

وتابع: “نحن نعتمد على الدعم الكبير والقوي جدا من حكومات البلدان المضيفة، كالأردن، والذي أوجد بشكل إيجابي بيئة يستطيع اللاجئون فيها السعي إلى تحقيق هذا الأمر (الانخراط بسوق العمل)”.

وأوضح قائلا: “نحن قلقون بعض الشيء من عدم وجود احتمال وشيك للعودة إلى سوريا، وسيتعيّن على اللاجئين الاستمرار في الانتظار حتى تصبح الظروف مواتية”.

وعن أعداد اللاجئين السوريين بالأردن، بيّن بارتش أنه وفقاً لسجلات المفوضية، يبلغ عددهم “660 ألفا، وهم أولئك الذين دخلوا بعد بدء النزاع في سوريا، ومروا بعملية تسجيل، وكانوا بحاجة إلى حماية”.

لكنه أكد أن “العدد أكبر من هذا”، مُعتبرا أن “الاختلاف يتعلق بحقيقة أنه لم يتقدم جميع السوريين للتسجيل لدى المفوضية، وثمة (سوريون) آخرون موجودون في المملكة في مراحل مختلفة، لكنه ما زال يشار إليهم باللاجئين”.

وهنا، اعتبر المسؤول الأممي أن من وصلوا قبل الصراع “ليس بالضرورة أن يكونوا مسجّلين، لكن بعضهم يواجه، طبعا، التحديات ذاتها، ولن يتمكنوا اليوم من العودة إلى سوريا”.

ويتحدث الأردن عن وجود نحو 1.3 مليون سوري على أراضيه؛ مُضيفا من دخلوا البلاد قبل بدء الثورة عام 2011، بحكم النسب والمصاهرة والمتاجرة، إلى قائمة المدرجين في سجلات مفوضية الأمم المتحدة.

وحول ما يُعرف بـ “إعادة التوطين”، شدّد بارتش على أن الأمر “يُعد جزءا مهما جدا من الحلول لمشكلة اللاجئين، فهناك الكثير من البلدان التي تقدم هذا الخيار، لنقلهم إلى بلد ثالث”.

ولم يعتبر أن هذا البرنامج مستحدث أو يرتبط بالسوريين فقط، لكنه “متاح منذ السابق، ويعمل في جميع البلدان”.

أما أبرز الدول لذلك الخيار، فهي بحسب بارتش الولايات المتحدة وكندا، بالإضافة إلى عدد من الدول الأوروبية.

ولا يقتصر الأمر على تلك الدول، لكنه أضاف إليها ما سمّاها بالبلدان “ذات الدخل المتوسط، وبشكل متزايد، فهي مستعدة لقبول اللاجئين؛ كمحاولة لتقاسم العبء”.

وعلى الرغم من نجاح برنامج “إعادة التوطين”، فإن أعدادهم لا ترقى إلى مستوى طموحات المنظمة الأممية؛ إذ بلغ عددهم من الأردن في العام الماضي 4 آلاف، وبنسبة لا تزيد على 1 بالمئة من إجمالي عدد اللاجئين من سوريا، وفق بارتش.

وتابع: “على الرغم من كونه جزءا مهما من الحلول، فإنه لا يمنحنا الأرقام التي نأمل ونتمنى، فنحن نستخدم إعادة التوطين لظروف محددة للغاية”.

وبسؤاله عن ضآلة تلك الأرقام، مقارنة بأعداد اللاجئين الكبيرة، على الدول المضيفة، كالأردن وتركيا، وانعدام الأثر في التخفيف من الضغط، قال بارتش: “إذا حلّلنا الأرقام بدقة، سنجد أنهم يشكّلون أقل من 1 بالمئة”.

واستطرد: “لكن إذا نظرت إلى أنواع الحالات (التي يتم إعادة توطينها)، فهي من حالات الحماية الصعبة حقا”.

ومن زاوية أخرى، أضاف بارتش أهمية أخرى لإعادة التوطين، وهي أنه من “حيث المبدأ، فإن الحكومات الكبرى في الشمال الصناعي تقول إنها لا تريد تقديم الدعم المالي فحسب، ولكنها أيضا مستعدة لاستقبال بعض اللاجئين، بشكل محدود، مع الإبقاء على البرنامج مفتوحا”.

ورأى أن ذلك هو “جزء من تقاسم المسؤولية، وطريقة لإرسال الإشارة إلى بلدان اللجوء الكبرى بأنها لم تُترك وشأنها، وأن هناك تضامنا مستمرا من المجتمع الدولي”.

وعن أشكال المساعدة المقدمة للاجئين في الوقت الحالي، قال بارتش إن “أكبر برنامج هو المساعدة النقدية، وهي طريقة فعالة للغاية لمساعدة اللاجئين لتوفير حاجاتهم الأساسية، وهي الآن غير متاحة لجميع اللاجئين، ونحن نعطي الأولوية للأكثر ضعفا”.

ويلي البرنامج النقدي الرعاية الطبية المتخصصة، وفي إشارة إلى دورهم في محاولة التخفيف عن الأردن في هذا المجال، تطرق المسؤول الأممي إلى ما وصفه بـ “كرم المملكة في حصول اللاجئين على الرعاية الصحية الأولية، (…) وبرنامجنا هو المساعدة في الإحالات إلى الرعاية المتقدمة، وهو مكمل مهم لتقديم استجابة طبية جيدة”.

وحول ما يتم إنفاقه على لاجئي سوريا في الأردن، أوضح بارتش أنها “بلغت عام 2021 حوالي 220 مليون دولار أمريكي، وهذا هو إجمالي ما نحتاجه سنويا، فنحن أكبر وكالة تابعة للأمم المتحدة، ولكن من الواضح أننا لن نكون قادرين على تقديم دعم شامل من دون جميع إخوتنا وأخواتنا في أسرة الأمم المتحدة”.

واعتبر أن “المساهمة المهمة للغاية، إذ تأتي من برنامج الغذاء العالمي الذي يوفر المساعدة الغذائية لكل من اللاجئين في المخيمات وأولئك الذين يعيشون في المناطق الحضرية. ومن بين الشركاء الآخرين أيضا، اليونيسف ومنظمة الصحة العالمية والكثير من الكيانات المختلفة في منظومة الأمم المتحدة التي تقدم مساهمة يومية للاجئين”.

وعن أثر فتح المعبر الحدودي بين الأردن وسوريا في عودة اللاجئين، قال بارتش: “لم نلاحظ زيادة كبيرة منذ إعادة فتح الحدود بين البلدين قبل بضعة أشهر، والحالة الوبائية المتعلقة بفيروس كورونا تؤدي إلى تردد الدول بعض الشيء في ما يتعلق بالتنقل”.

وعزا عدم زيادة أعداد العائدين من اللاجئين إلى الأوضاع في الجنوب السوري، معتبراً أن “العودة قد لا تكون خيارا للاجئين، إذ يتأخر الكثيرون منهم وينتظرون ليروا كيف ستتطور الأوضاع في بلادهم”.

وفي 29 سبتمبر/ أيلول الماضي، أعاد الأردن فتح “معبر جابر” الحدودي مع سوريا، بعد إغلاق استمر 60 يوما إثر تطورات أمنية على الجانب السوري.

ويرتبط الأردن وسوريا بمعبرين حدوديين رئيسيين، هما “الرمثا” و”جابر”، اللذان يقابلهما “الجمرك القديم” و”نصيب” على الترتيب من الجانب السوري.

وقبل اندلاع الأزمة السورية عام 2011، كانت تنشط عبرهما الحركة التجارية وسفر الأفراد، لكن معبر “الرمثا” مغلق منذ عام 2015، بعد أن دُمرت بنيته التحتية جراء الحرب.

وعن موانع العودة وفق دراسات المفوضية، قال بارتش: “نقوم بانتظام بإجراء استطلاعات رأي؛ لأننا نريد معرفة كيف ينظر اللاجئون إلى الوضع في وطنهم”.

وأردف: “ما يثير الاهتمام هو أن غالبية هؤلاء يؤكدون منذ سنوات عدة أنهم يريدون العودة، ولكن عند سؤالهم هل تفكرون بذلك في الأشهر القليلة المقبلة، تقول الغالبية العظمى “لا، مع ما يحدث حاليا”، مع تأكيد اهتمامهم بالعودة إلى المنزل، ولكنهم يقولون إن ينتظرون الظروف الملائمة لذلك”.

وعما إذا كان للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين أي نشاطات داخل سوريا، قال: “زملاؤنا هناك لديهم عمل كبير، وكجزء من استجابة أسرة الأمم المتحدة نحن ندعم بشكل خاص السكان النازحين داخليا”.

أما التحدي الذي يواجه المفوضية في الداخل السوري، فيتمثل بحسب بارتش في عدم إمكانية الوصول إلى جميع أنحاء البلاد، “إذ ثمة مناطق لم يتم فيها تسليم المساعدات لبعض الوقت”.

أما خططهم للعام الحالي 2022، أعرب ممثل مفوض اللاجئين لدى الأردن عن أمله “في توفير فرص للاجئين للمساهمة في الاقتصاد الأردني”.

وزاد: “اكتسب الكثير من اللاجئين على مدى السنوات القليلة الماضية مؤهلات ومهارات وشهادات جامعية، وهم على استعداد للانضمام إلى القوى العاملة، والكثير منهم لديه مهارات متخصصة، والتي لن تضعهم في منافسة”.

وأضاف: “نريد استكشاف تلك الفرص، وإيجاد مسارات مستمرة للاجئين وإدراجهم للعمل في القطاع الرسمي (…) الأمر لا يتعلق بطلب اعتبارات خاصة للاجئين بعد الآن، وإنما بإظهار رسالة مساهمة اللاجئين في التقديم للاقتصاد وللمجتمع الأردني”. (ANADOLU)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها