عوائق قانونية تعيق مراقبة ألمانيا لأبناء المتشددين
تجد السلطات الأمنية الألمانية صعوبة إجرائية وقانونية في مراقبة المتشددين، وخاصة بالنسبة إلى أبنائهم الذين غالبا ما يتأثرون بأفكار آبائهم وأمهاتهم، ويحاولون مبكرا أن يحولوا تلك الأفكار إلى أفعال عنيفة.
ومن تربى وهو طفل على كره “الكفار” المزعومين، لا يمكنه التخلص بسهولة من الأيديولوجية الجهادية لاحقا. فقد سلط القبض على شاب 20 (عاما) مشتبه في صلته بالإرهاب في مدينة هامبورغ الألمانية الضوء على مشكلة تشغل بال السلطات الأمنية والخبراء في مكافحة التطرف، وتتعلق بأطفال النساء العائدات من المناطق التي سيطر عليها في السابق تنظيم داعش.
وتشتبه السلطات الألمانية في أن هذا الشاب، وهو ابن لإسلامي متطرف معروف، قد أعد لشن هجوم في ألمانيا، وأنه حاول شراء مسدس وذخيرة وقنبلة يدوية. وأثناء تفتيش منزل لأحد أقاربه كان يستخدمه، وجد المحققون مواد كيميائية تستخدم في صنع عبوة ناسفة.
وكان المواطن الألماني من أصل مغربي، الذي اعتقل في أغسطس الماضي، على تواصل – كما تبين للسلطات – مع أوساط سلفية تميل للعنف منذ سن مبكرة. وكان الأب على معرفة جيدة بمنير المتصدق، وهو عضو فيما يعرف باسم “خلية هامبورغ” التي كان من بينها الطيار الانتحاري محمد عطا، الذي قاد إحدى الطائرات التي اصطدمت بمركز التجارة العالمي في نيويورك عام 2001.
وكانت المحكمة الإقليمية العليا في هامبورغ قد حكمت على المتصدق بالسجن 15 عاما بتهمة المساعدة في القتل في 246 حالة على الأقل والانتماء إلى تنظيم إرهابي.
وبالنسبة إلى صفية. س التي طعنت شرطيا في محطة القطارات الرئيسية بمدينة هانوفر بسكين مطبخ في بداية عام 2016 – وكانت في ذلك الوقت تبلغ من العمر 15 عاما – من المعروف أنه كان يتم إرسالها عندما كانت طفلة إلى مسجد يهيمن عليه سلفيون لتلقي دروس إسلامية.
وحكمت المحكمة الإقليمية العليا في مدينة تسيله الألمانية على الفتاة بالسجن ست سنوات بتهمة الشروع في القتل مع التسبب في إصابات جسدية خطيرة ودعم تنظيم إرهابي أجنبي. ورفضت المحكمة الاتحادية استئنافا ضد القرار في 2018.
ولا يتضح دائما إلى أي مدى كان للوالدين دور في التطرف الإسلامي لأبنائهم. وتقول مصادر أمنية إن “هذا الأمر معروف في حالات فردية”.
ومن المحتمل أن يلقي الخبراء، الذين يتعاملون بشكل مكثف مع السير الذاتية للمشتبه في صلتهم بالإرهاب، نظرة فاحصة على حياة الشاب المحتجز الآن. وعلى أيّ حال، من المعروف أن المعتقل عاد في خريف 2020 بغرض الدراسة في ألمانيا على الأرجح، إلا أنه لم يجتز الدورة التحضيرية.
ورغم ذلك لا يُستبعد مطلقا أن يبتعد أبناء سلفيين متطرفين عن أيديولوجية آبائهم، ويتضح ذلك على سبيل المثال في الحالة غير العادية لألماني كان والده الفلسطيني عضوا في مجلس إدارة “دائرة هيلدسهايم الإسلامية الناطقة بالألمانية”، والتي تم حظرها في عام 2017. وقدم ابن الفلسطيني لجهاز المخابرات الأردني معلومات عن المسجد الذي يرتاده أنصار داعش، كما تبين لدى المحكمة الإقليمية العليا في ولاية تورينجن لاحقا. وفي عام 2019 حُكم على الابن، الذي كان يبلغ في ذلك الحين 34 عاما، بالسجن مع وقف التنفيذ بتهمة ممارسة أنشطة استخباراتية.
ولا توجد في ألمانيا مراقبة منهجية لأطفال الإسلاميين المتطرفين الذين تصنفهم السلطات على سبيل المثال على أنهم خطرون أمنيا. ولا يراقب مكتب حماية الدستور (الاستخبارات الداخلية) أنشطة أبناء هؤلاء السلفيين إلا إذا لفتوا هم أنفسهم نظر السلطات كإسلاميين.
وحتى في هذه الحالة، فإن قدرة جهاز الاستخبارات الداخلية على تخزين المعلومات محدودة للغاية، حال كانت هذه المعلومات تخص قاصرين. ويُشترط للقيام بذلك وجود “أدلة فعلية” على أن الشخص القاصر خطط لجريمة خطرة للغاية، مثل تعريض الدولة الدستورية الديمقراطية للخطر. بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن العثور على المعلومات المتعلقة بالمتطرفين المشتبه بهم من هذه الفئة العمرية خلال إجراء استعلام عادي لقاعدة البيانات. وهذا يعني أنه يجب على موظفي الاستخبارات الداخلية أن يعرفوا بالفعل ما هي هذه المعلومات وأين تم تخزينها. وبالنسبة إلى الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و17 عاما، تُطبق أيضا مهلات خاصة لحذف البيانات عند تخزينها.
وفي عام 2016 خفضت الحكومة الألمانية الحد الأقصى لعمر الأفراد المسموح بتخزين بياناتهم من 16 إلى 14 عاما. وعقب ثلاث سنوات، أراد وزير الداخلية الألماني آنذاك المنتمي للتحالف المسيحي هورست زيهوفر إلغاء الحد الأقصى بالكامل، إلا أن الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الشريك الأصغر في الائتلاف الحاكم في ذلك الحين، عارض الأمر.
ويقول معارضو خفض الحد الأدنى للسن: إن أيّ شخص يصبح محط أنظار مكتب حماية الدستور بسبب تلقينه عقيدة والديه أو انحرافاته في طفولته، لا ينبغي أن يتعرض إلى أيّ مساوئ لاحقا، على سبيل المثال أمام السلطات المعنية بشؤون الأجانب، أو عند التقدم لوظيفة تتطلب مراجعة أمنية.
ومع ذلك ترى السلطات أن محاولة إلغاء الحد الأقصى للعمر المسموح به عند تخزين البيانات كانت مبررة وضرورية، وذلك في ضوء العودة المتوقعة في ذلك الحين للأطفال الذين انضم “آباؤهم الجهاديون” إلى داعش في العراق أو سوريا. وقد شهد بعضهم أعمالا وحشية بأنفسهم. وتعرض بعضهم للتلقين العقائدي السلفي في مخيمات اللاجئين حتى بعد طرد الإرهابيين.
وبحسب بيانات الحكومة الألمانية، تم إحضار 12 أما و 42 طفلا – من بينهم بعض الأيتام – إلى ألمانيا من مخيمات في شمال شرق سوريا خلال الفترة من أغسطس 2019 حتى أكتوبر 2021. وعاد أنصار سابقون آخرون لداعش إلى ألمانيا مع أطفالهم بطرق أخرى.[ads3]