الأسد ينقذنا من خيار رهيب

من السهل الترحيب بقرار المحكمة في «كوبلنز» الألمانية، الذي أدان أنور رسلان، بالمسؤولية عن التعذيب والاغتصاب والقتل في «الفرع 251» في المخابرات السورية في دمشق. عندما كنت سفيراً في دمشق، سمعت من السوريين عن مراكز الاعتقال العديدة، من بينها «الفرع 251». كنا نعرف «نظرياً» عن إساءة معاملة السجناء، لكن بعد اطلاعي على صور «قيصر»، بدأت أدرك مدى الوحشية الهائلة. أدانت محكمة كوبلنز عقيد الاستخبارات العامة السورية المذكور بالتورط في 27 قضية تعذيب واغتصاب وقتل في «الفرع 251». جدير بالذكر أن خبيراً ألمانياً في تحديد الأدلة أبلغ المحكمة أن 110 ضحايا من بين 6786 قتيلاً ضمن صور «قيصر» يبدو أنهم من «الفرع 251» استناداً جزئياً إلى الرقم المكتوب على أجسادهم.

في عام 2022، حتى الموالون للحكومة لا يجادلون في وحشية النظام. ولا يستطيع الموالون الرد إلا بأن المعارضة و«داعش» يسيئون معاملة المعتقلين؛ سواءً بسواء. بيد أن حجم جرائم القتل والإساءة في المراكز الحكومية يتجاوز بكثير الانتهاكات المرتكبة لدى المعارضة أو «داعش».

وإحدى المشكلات التي تكتنف النقاش حول سوريا أنه غالباً ما تعد المعارضة سيئة بالقدر نفسه، ومسؤولة بالمستوى نفسه عن المأساة. وتذكرنا محاكمة «كوبلنز» بأن المأساة في سوريا في واقع الأمر هي بالأساس مسؤولية الحكومة السورية. وأشادت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ميشيل باشيليه، بقرار المحكمة، قائلة إنه خطوة رئيسية نحو الحقيقة والعدالة والتعويض عن الانتهاكات في سوريا. وقال أحد الضحايا خارج دار المحكمة لصحيفة «الإندبندنت» البريطانية، في 13 يناير (كانون الثاني)، إن قرار المحكمة يخبر كل سياسي وضابط أمن في سوريا يرتكب انتهاكات بأنه «لا يمكنك التهرب من العدالة، وستخضع للمساءلة يوماً ما».

لا شك في أن الرئيس الأسد واللواء حسام لوكا، مدير المخابرات العامة (وبالتالي الفرع 251 من بين مراكز أخرى) وضباط أمن سوريين آخرين، قد استمعوا لهذه الرسالة بوضوح. كما لاحظوا وجهين آخرين للقضية؛ أولاً، قررت المحكمة الألمانية أنه حتى لو لم يكن رسلان نفسه يعذب ويغتصب، فإنه لم يمنع ضباط الأمن الآخرين من الإساءة للسجناء، وبالتالي يتحمل المسؤولية. ولقد رأينا هذا المبدأ أيضاً في محاكمات «نورمبيرغ» لمجرمي الحرب النازيين. ويتحمل الأسد ودائرته المسؤولية بموجب هذا المبدأ. كما لاحظت دمشق أن انشقاق رسلان لم يمنع إصدار الحكم عليه بالسجن مدى الحياة.

وسيكون رد الفعل داخل دمشق واضحاً للغاية: لتفادي المساءلة والسجن، سوف ترفض دمشق التنازلات أو المهادنات مثل ما تطالب به عقوبات «قانون قيصر» الأميركي، لأن القادة سيخشون أكثر من العدالة يوماً ما. ويجب أن نكون صرحاء ونقول الحقيقة: يسهل فهم ودعم الإصرار على تحقيق العدالة في الجرائم المرتكبة في سوريا، غير أن هذا الإصرار يجعل التوصل إلى حل سياسي تفاوضي للحرب أمراً مستحيلاً. ولن يستسلم الأسد والمقربون منه، ويقبلون بمحاكمات مثل «كوبلنز». إضافة إلى ذلك، لا يمكنهم تسليم بعض ضباطهم من المستوى الأدنى لمواجهة المحاكمات، لأنهم سيخاطرون بالتمرد داخل قواتهم الأمنية. والخيار الوحيد المتاح أمام الحكومة هو السيطرة الكاملة على بقايا سوريا والتهرب من العدالة. وقد رحب فريق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بقرار «كوبلنز»، ولكن ربما أدرك الفريق السياسي التابع للأمم المتحدة بقيادة غير بيدرسون، أن عملهم أصبح الآن أكثر صعوبة من أي وقت سابق.

لقد أصدر الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، عام 1999، عفواً عن قوات الأمن والجماعات الإسلامية المسلحة، وحتى عن الجماعات الإرهابية التي كانت مسؤولة عن الفظائع التي ارتكبت خلال الحرب الأهلية هناك. وقد وسع قاعدة العفو عام 2005، ومن السهل انتقاد بوتفليقة الآن. لقد مكث طويلاً في مقعد الرئاسة. كما تشكو منظمات حقوق الإنسان الغربية من أن العفو سمح للمسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان في حرب الجزائر بالإفلات من العدالة. وهم محقون في ذلك. ولكن يجب علينا الاعتراف أيضاً بأن العفو ساهم في التخفيف من حدة القتال في الجزائر بعد سنوات من القتل والعنف الشديد. وتجدر الإشارة إلى أن الجيش الجزائري حقق نصراً عسكرياً في الحرب، لكنه طالب بعفو لحماية ضباطه قانونياً بعد ذلك.

بطبيعة الحال، من المستحيل تصور أن الحكومة السورية وقواتها الأمنية قد تثق في أي وقت مضى بعرض الحصانة أو تحترم العفو.

ولن يثق الأسد ومساعدوه أبداً بمصيرهم إزاء وعود الآخرين، ولا حتى من الرئيس الروسي بوتين أو المرشد الأعلى خامنئي. وبدلاً من ذلك، تقوم قوات الأمن باغتيال مقاتلي المعارضة المسلحة الذين وافقوا على المصالحة، لأن قوات الأمن تخشى ثورة أخرى ومواجهة العدالة في نهاية المطاف. أخيراً، فإن عناد الحكومة السورية وخوفها يتيحان لنا الفرصة للإفلات من الخيار الرهيب: بين المطالبة بالعدالة للجميع أو قبول تسوية سياسية تفاوضية لا بد أن تتضمن العفو.

روبرت فورد – الشرق الأوسط[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

One Comment

  1. قد لا يعجب كلامي الكثيرين وقد أتعرض للشتم والحكم المسبق علي أو على اسمي المستعار حتى نعم هناك من يجلس خلف شاشات الهاتف او الكمبيوتر بعيدين عن هموم الناس ونبض الشارع وويتظاهر بالمطالبة بالعدالة والمساواة وهم فقط يريدون زيادة إضطرام النار أو على الاقل منعها أن تخمد و ويذكون أجيج الجمر ووهجه

    لم يبق سوري على وجه البسيطة إلا وقد تأثر بما حصل في سوريا الحبيبة ومازالوا يعانون حتى أن أجيال ولدت خلال هذه الازمة كان لهم نصيب كبير من الالم والحسرة والعذاب ….
    ماذا كان سيحصل لو أن نظام الحكم في سوريا أتخذ إجراءات عادلة ضد عاطف نجيب في 2011 الذي أجج الصراع بجهله وعنجهيته وغروره .وتوفيق ناصر آنذاك .
    ماذا كان سيحصل لو أن مجالس الوجاهات السوريين ورجالات النظام توصلوا لأمر رشد بينهم ووأدوا الفتنة في مهدها …هل كنا سنصل إلى هنا …
    الرأي الآن يرجع للسوريين جميعا هل يريدون العفو العام عن جميع الأطراف وإعادة النسيج الوطني وبناء بلد جديد بعقليات منفتحة تقوده لإستثمار موارده الغنية وتأمين الرفاهية لأجيال ذاقت المر وتعوضها عن المآسي الحالية ….
    هل تعلمون أن رواندا الآن من أفضل دول أفريقيا سياحيا ودخل عالي للفرد وتسامح بين أفراد الشعب
    هل زار أحدكم كوسوفو مؤخرا ؟؟
    هل زرتم ألمانيا وهيروشيما بعد الحرب العالمية الثانية …
    هذا أذا سمحت ذئاب الليل للصلح بأن يتم او للنفوس أن تهدأ …
    بالمناسبة أنا من السوريين الذين خسروا في يوم واحد 37 فردا من عائلتي وأصدقائي وجيراني أضافة الى خسائرفادحة لاحقا في النفس والمال والولد على مر السنوات التي باتت تستمتع باجترار اللحم السوري ..
    اللهم أجرنا في مصيبتنا وأخلفنا خيرا منها ..