دويتشه فيله : لماذا يعتبر دور ألمانيا محورياً في نزع فتيل أزمة أوكرانيا ؟
هناك تطلع أن تلعب ألمانيا دوراً محورياً في الأزمة الأوكرانية لأسباب عديدة، من بينها علاقاتها مع روسيا، لكن ما يزال الجدل محتدماً في برلين حول الموقف والتموضع الصحيح لألمانيا في هذه الأزمة.
وتزداد المخاوف من اندلاع حرب جديدة في أوروبا، خاصةً بعد إعلان بريطانيا والولايات المتحدة سحب بعض موظفي سفارتيها في كييف، “رداً على التهديد المتزايد من روسيا”، بحسب ما أعلنته الخارجية البريطانية.
الوضع خطير، فليست قوات حلف شمال الأطلسي “الناتو” في حالة تأهب فقط كما أعلن أمين عام الحلف ينس ستولتنبرغ، وإنما قرار الحلف تعزيز وجوده في شرق أوروبا، بإرسال المزيد من القطع البحرية والطائرات المقاتلة إلى هناك.
ويرى كريستوف هويزغن، السفير والمستشار الأمني للمستشارة السابقة، أنغيلا ميركل والرئيس القادم لمؤتمر ميونيخ الدولي للأمن، أن خطر غزو روسيا لأوكرانيا قائم.
ويقول هويزغن في حوار مع شبكة “DW” الإعلامية: “ما نريده هذه المرة، هو رد فعل قوي جداً”، ويضيف بأنه يجب أن تعرف موسكو بالضبط ماذا سيحدث في حال غزت أوكرانيا فعلاً، وأكد هويزغن على أهمية وحدة الموقف الغربي في مواجهة “اللهجة العدوانية جدا” لروسيا.
وفي ألمانيا ما يزال الموقف من صراع أوكرانيا موضع نقاش، ولا عجب في ذلك، نظراً للعلاقات التاريخية والعميقة والاقتصادية القوية أيضاً بين روسيا وألمانيا.
ويكفي معرفة أن ألمانيا تستورد من روسيا 40% من حاجتها من النفط و50% من الغاز الطبيعي.
ولذلك، حذر رئيس وزراء ولاية بايرن، ماركوس زودر، في تصريحات لصحيفة “فرانكفورتر ألغماينه زونتاغ تسايتونغ” من أن التهديدات و”دائماً عقوبات أقوى” ضد روسيا “لا يمكن أن تكون وحدها الحل”، فالعقوبات “منذ مدة طويلة غير مجدية” وفرض عقوبات جديدة “سيضرنا نحن أيضاً بنفس القدر”.
وتم نشر عدد من المناشدات والرسائل المفتوحة المتناقضة المحتوى، ففي أوساط شهر كانون الثاني الجاري، طالب 70 خبيراً في شؤون شرق أوروبا والأمن، بإنهاء “المسار الألماني الخاص” تجاه روسيا، داعين إلى عدم وقوف ألمانيا مكتوفة الأيدي تجاه أعمال روسيا العدوانية، حيث يرى هؤلاء أن ألمانيا دولة محورية في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو ولها مسؤولية خاصة فيما يتعلق بالقيم الغربية.
وعلى عكس هؤلاء الخبراء، نشر عدد من الدبلوماسيين والعسكريين السابقين ممن لديهم خبرة في الشأن الروسي، نداء تحت عنوان “الخروج من دوامة التصعيد”، مقدمين أربعة اقتراحات محددة لنزع فتيل الأزمة، مطالبين بنتيجة “رابح-رابح” لتجاوز الاستعصاء الراهن، ومما يتصل بذلك هو “الاعتراف بالمصالح الأمنية للطرفين”.
وأصحاب هذا النداء أيضاً يرون أن لألمانيا دور محوري، ومن الموقعين عليه راينر شفالب، الملحق العسكري السابق بسفارة ألمانيا في موسكو.
ويقول في حواره مع شبكة “DW”: “تلعب ألمانيا دوراً مهماً جداً، لأن برلين بالنسبة لأمريكا شريك في الحوار بين أوروبا وأمريكا”، ويضيف شفالب بأن “الأمر ذاته ينطبق أيضاً على نظرة روسيا لألمانيا”.
ومن خلال محادثاته في موسكو، تكون لدى شفالب انطباع بأنه يُنظر إلى ألمانيا بشكل إيجابي هناك رغم تراجع العلاقات مع روسيا منذ عام 2014، “إذ يتم قبول السياسة الألمانية، وتركيزها على حقوق الإنسان والقيم أيضاً هناك”.
وتبدو ألمانيا وكأنها على كل طاولات الحوار المتعلقة بالأزمة الأوكرانية، وربما هذا هو الوضع الصحيح لمن يلعب دور الوسيط.
ويؤكد الدبلوماسي السابق، كريستوف هويزغن، على ذلك، بقوله شبكة “DW”: “لقد رأينا هذا في المرة السابقة أيضاً حين غزت روسيا أوكرانيا، حيث نجحت المستشارة السابقة أنغيلا ميركل مع الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا أولاند في جمع الرئيس الأوكراني آنذاك بوروشينكو ونظيره الروسي بوتين حول طاولة واحدة”، وهو ما تمخضت عنه ما يعرف بمبادرة “نورماندي”.
وتخطط الحكومة الألمانية الآن، بحسب تصريحات لوزيرة الخارجية أنالينا بيربوك، لاجتماع وساطة جديد يضم ألمانيا وفرنسا وأوكرانيا وروسيا.
وتوجت محادثات عام 2015 باتفاقية “منسك 2″، صحيح أن تطبيق الاتفاقية تعرض لعراقيل، لكن يمكن اليوم البناء عليها وعلى القرارات التي تم اتخاذها لاحقًا، يقول توماس كونتسه، مدير مكتب مؤسسة “كونراد أديناور” الألمانية في موسكو، ويضيف في حوار مع شبكة “DW” بأن “اتفاقية مينسك هي القاسم المشترك الأصغر”، ويشير كونتسه إلى ما تم التوصل إليه في الاتفاقية “من وقف إطلاق النار إلى سحب الأسلحة الثقيلة، مراقبة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، الاتفاق على شكل الحوار والانتخابات البلدية في أوكرانيا، وتبادل الأسرى، والمساعدات الإنسانية، وغيرها، فهناك الكثير ما يمكن للمرء البناء عليه حين يتم وقف التصعيد”.
ويرى كونتسه أن روسيا قد حققت الشيء الأساسي الذي تطالب به “لقد وصلت إلى التفاوض مع أمريكا على نفس المستوى.. إحياء مجلس الناتو- روسيا، وتمكنت من الحديث عن مناطق النفوذ”، لكن كونتسه لا يعتقد أن النظام في أوروبا سيعتمد من جديد على مناطق نفوذ القوى العظمى، ويقول: “على العكس من ذلك، علينا التفكير بالمستقبل، للوصول إلى نظام في أوروبا يوفر مساحة آمنة مشتركة والأمن للجميع”.
ويؤكد الملحق العسكري السابق في سفارة ألمانيا بموسكو، راينر شفالب، على أهمية الاستمرار في بذل الجهود الدبلوماسية، ويستشهد بقول السفير الألماني السابق في موسكو، روديغر فون فريتش، الذي يرى أن الدبلوماسية تعني “تسلق نفس الجدار دائماً، وإذا سقطت عشرين مرة، فعليك المحاولة للمرة الحادية والعشرين”.
وعلى كل حال، لا تفكر ألمانيا حالياً في سحب دبلوماسييها من أوكرانيا، وقد أكدت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، في بروكسل، أنها لا ترى سحب موظفي السفارة الألمانية في كييف مفيد في الوقت الراهن.
ماتياس فون هاين – دويتشه فيله[ads3]