في دمشق .. أقدم بائع صحف يواصل عمله منذ 64 عاماً ( فيديو )

رغم بلوغه من العمر عتيًا، يواصل عمله اليومي منذ العام 1958، في محله الصغير الذي لا تتجاوز مساحته الثلاثة أمتار مربعة بالقرب من فندق سميراميس في دمشق.
مع توقف الصحف الورقية عن الصدور منذ مطلع العام 2020، بسبب ارتفاع تكلفة إصدار الصحف وانتشار وباء كورونا، لا يزال الثمانيني مطونيوس جدلي، يأتي في كل صباح بشوق إلى ركنه الحميم في قلب العاصمة السورية الذي يحتفظ فيه بنسخ قديمة من الصحف والمجلات والكتيبات، لا يمل القراءة فيها ويجد في قراءتها أساساً مهماً لتكوين الثقافة والمعرفة وفي بيعها وسيلة جيدة للتواصل مع الناس وتجاذب أطراف الحديث معهم.

في محله الصغير حيث زارته “سبوتنيك”، يؤكد أقدم بائع صحف في دمشق أن ثمة فرق شاسع بين الكلمات التي كان يبيعها للكتاب والصحفيين من جيل الأمس، وبين ما يكتبه جيل اليوم، من حيث امتلاك الثقافة الواسعة وملامسة هموم وحياة الناس، ويجزم بأن الصحافة في الخمسينيات والستينيات كانت أفضل حالاً من صحافة اليوم، فآنذاك كانت هناك حركة بيع نشطة لصحف يومية مستقلة كثيرة تصدر صباحاً ومساء ويتابعها جمهور مثقف من القراء ومتابعي الأخبار.

السيد جدلي تحدث بحنين لـ “سبوتنيك” عن رحلته الطويلة وتجربته الفريدة في محله الصغير الذي أمضى فيه أكثر من ستة عقود من الزمن فقال: “بدأتُ العمل في هذا المحل منذ عام 1958، لقد مضى وقت طويل، كان وضع الصحف مختلفاً والجيل القديم يختلف عن هذا الجيل، حتى مستوى الدراسة آنذاك كان عالياً، وكان الجيل القديم يقرأ يومياً ما لا يقل عن 5 ساعات يومياً، وكانت لديه ملكة القراءة والتفكير الصحيح، والصحفي كان لا يكتب مقالاً فيه أخطاء، وكتّاب الصحف والمجلات كانوا رفيعي المستوى أمثال جان ألكسان الذي عمل مديراً للإذاعة والتلفزيون وكانت له صفحة ثقافية في صحيفة البعث وكان صديقاً حميماً لي”.

وعن بداياته في بيع الصحف والمجلات، قال: “في البداية عملتُ بائعاً أجيراً أبيع الجرائد ثم أخذت هذا المحل وكونت نفسي فيه وبقيتُ فيه حتى اليوم وبدأت ببيع الصحف والمجلات لحسابي الخاص والحمد لله أصبح الوضع أفضل، وكونت ثقافتي من خلال قراءة الصحف والمجلات وبعد الدراسة جئت إلى المحل الذي تبلغ مساحته ثلاثة أمتار، وإلى جانب الصحف والمجلات والكتب كنتُ أبيع المشروبات الغازية والمرطبات وبعض السلع الغذائية لقربي من سينما دمشق التي اشتهرت في الخمسينيات والستينيات، في ذلك الوقت كان ثمة تذكرة الدخول إلى السينما 40 قرش فقط، والأفلام المعروضة كانت ممتازة”.

وعن الأجواء التي كانت سائدة حوله في ذلك الوقت، قال: “في القديم كنت أصحو باكراً كي آتي إلى المحل في الساعة الثامنة صباحاً لأبقى طوال النهار ثم أبقى حتى منتصف الليل، حينها كان الشارع يعج بالناس حتى في وقت متأخر، أما اليوم فحركة الناس تخف باكراً في المساء، لقد تغير كل شيء، والناس يعودون إلى بيوتهم باكراً، في تلك الفترة لم يكن الغلاء موجوداً، فكل السلع والحاجيات كانت رخيصة الثمن، وكان بالإمكان الدخول إلى السينما بليرة واحدة وتشتري فيها الكثير من الأشياء وأعتقد أن قيمتها تعادل اليوم 10 آلاف ليرة، فثمن تذكرة الدخول إلى السينما هذه الأيام تبلغ 5 آلاف ليرة سورية إذا كان الفيلم جيداً، لكن لم يعد وضع السينما كما كان في السابق، وهي تكاد تنقرض لعدم وجود رواد يتابعون الأفلام السينمائية ويتذوقونها، لكن الحالة المادية اليوم لم تعد تساعد الكثيرين لكي يرتادوا السينما”.

ويضيف السيد مطونيوس: “الكتّاب والصحفيين سابقاً كانوا متعلمين يعد التخرج من الجامعة كانوا يكملون تعليمهم في أوروبا، ومن الصحف الصادرة في ذلك الوقت أذكر صحف (النصر) و(الأيام) و(الكفاح) و(الشرق) و(ألف باء) وكلها صحف مستقلة، وكان هناك قراء للصحف وكلهم مثقفون منهم محامون وأطباء وطلاب جامعات، حالياً الظروف لا تساعد على إصدار الصحف والمجلات فالورق غالي الثمن وتكلفة الطباعة مرتفعة، والصحفيين المخضرمين أصبحوا قلة وليس كالسابق”.

وأردف: “كان الصحفي الراحل وليد معماري يكتب عموداً في جريدة تشرين اسمه (قوس قزح) وكذلك غيره الكثير من الصحفيين كانوا يكتبون أيضاً الأعمدة الصحفية التي تطبع يومياً ولها قراؤها، فهؤلاء الكتّاب الكبار كانوا مجدّين ويكتبون بطريقة تجنبهم انتقاد الآخرين أو انتقادهم لبعضهم البعض في نفس الصحيفة، وكان المرحوم نصوح الدوجي يصدر صحيفة (دمشق المساء) بعد الظهر والتي كانت تباع بخمسة قروش حينها، وكان هناك جرائد تصدر صباحاً ومساء مثل (القبس) و(العلم)، وكل الصحف كانت مباعة في ذلك الوقت، فكانت تحتوي أخباراً متنوعة عن مشكلات البلاد وحياة الناس، ولم تكن تترك شيئاً إلا وتتحدث عنه، فالقراء يتابعون الأخبار بشكل يومي كوسيلة للثقافة، وفي ذلك الحين كان للكلمة قيمة أما اليوم فالوضع مختلف؛ فليس كل من كتب في صحيفة يستطيع أن يقول أنه كاتب”.

وعن الغاية من عرض الصحف والمجلات والكتيبات القديمة على واجهة المحل قال السيد مطونيوس: “هذه الصحف تركتها على هذا الشكل للذكرى فقط، وحتى إذا مر أحد المختصين من هنا يستطيع أن يرى حال الصحف اليوم كيف تغير لونها بسبب أشعة الشمس بعد مرور سنوات عدة على عرضها هنا؛ فليس هناك شيء جديد يحل محلها حتى اليوم”.

وتجدر الإشارة إلى أن هناك أمثلة حية كثيرة شبيهة بالسيد مطونيوس جدلي ما زالت تتشبث بمهنها وعملها رغم تغير أشكال وظروف الحياة ليس في دمشق وحسب؛ بل في عموم المدن والمناطق السورية.

* العنوان والنص لوكالة سبوتنيك الروسية

[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

2 Comments

  1. حين نسرح في بحر الذكريات يخطر على بالنا تلك الايام الجميلة المتجسدة في الصدق. والهدوء ،والطمأنينة ، وراحة البال، وبساطة الناس،ونقاء القلوب، وصفاء النفوس ، واحترام الكبير ، والالتزام بالقول والفعل ، عدا عن المحبة الخالصة ، والصداقة الطاهرة ، والاخلاق النبيلة ، والمعاملة الحسنة ،وليس كأيامنا هذه ، التي طغت فيها المادة ، وساد الكذب في كل شيء، وانتشر الخداع وتلاشت الصداقات الحقيقية ، وانقرضت القيم الاخلاقية والانسانية. فرحم اللـه ايام زمان حين كنا صغاراً في جيل الصبا والشباب نجتمع في فصل الشتاء بكل حب وغبطة وسرور ، ملتفين حول موقد النار ،ونشوي ونأكل ، ونستمتع بالقصص والخراريف والحكايات الشعبية

  2. ايه يازمن، كنت اشتري من عنده دائما وانا ذاهب للجامعه… ايام الزمن الجميل الله لايبارك يلي كان سبب دمار البلد الجميل وناسه الطيبين من قرود الجبل وجر