مهمة القوات الألمانية في هذه المنطقة تزداد خطورة

 

بعد حوالي خمسة أشهر من فشل المهمة الدولية في أفغانستان، تتجه المهمة العسكرية في مالي أيضا إلى وضع صعب للغاية: ففرنسا الشريكة في الاتحاد الأوروبي أصبحت مكروهة في البلاد، ووصلت الحكومة الحالية في مالي إلى السلطة بانقلاب، بينما أصبح المرتزقة الروس شركاء جدد للجيش المالي وناجحون بالفعل في محاربة الإرهاب.

في غضون أسابيع سيتعين على الحكومة الألمانية أن تقرر ما إذا كان ينبغي للجيش الألماني أن يغادر مالي، أو أن يبحث عن نهج مختلف مع الحلفاء لتحقيق الاستقرار، أو حتى اتخاذ موقف أكثر قوة، مع الوضع في الاعتبار أن ترك الساحة في مالي قد يمنح مجالا أكبر للجماعات الإرهابية الإسلامية أو قد يدفع بروسيا أكثر إلى المشهد، ذلك إلى جانب مخاوف من تدفقات كبيرة من اللاجئين إلى أوروبا.

ودعا هينينج أوته، خبير الشؤون الدفاعية في الحزب المسيحي الديمقراطي، إلى عدم الانسحاب، لا سيما من مهمة الأمم المتحدة “مينوسما”. وطالب أوته، الذي يشغل منصب نائب رئيس لجنة الدفاع في البرلمان الألماني (بوندستاج)، بنشر مروحيات مقاتلة من طراز “تايجر” ومعدات استطلاع إضافية لحماية الجنود الألمان في مالي. وكانت المروحيات المقاتلة مستخدمة بالفعل في مالي حتى عام 2018. وقبل ذلك بعام وقع حادث تحطم مميت لمروحية منها.

يشارك الجيش الألماني في مهمتين بمالي بأكثر من 1300 جندي، وينتهي تفويضهما البرلماني بحلول 31 أيار/مايو المقبل. ويشارك الجيش الألماني في مهمة الاتحاد الأوروبي لتدريب القوات المسلحة المالية (EUTM) بغرض تمكين القوات المالية من ضمان الأمن بنفسها، بينما تهدف مهمة الأمم المتحدة الأكبر (مينوسما)، التي يشارك فيها أيضا، إلى تحقيق الاستقرار في البلاد، التي سقط شمالها مؤقتا في أيدي الإسلاميين وغيرهم من الجماعات المتمردة في عام 2012.

في ذلك الحين تدخلت فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، على نحو سريع في مالي، لكن مهمتيهما لمكافحة الإرهاب “برخان” و “تاكوبا” لم تمنع تصاعد العنف. أحد الاتهامات الموجهة من مالي هو أن تصرفات فرنسا أججت الصراعات، ذلك إلى جانب تجاهل باريس لسيادة الدولة، على سبيل المثال، من خلال إشراك قوات خاصة دنماركية في الحرب ضد الإرهاب دون أن يكون لها اتفاق تمركز مع الحكومة المالية. وتم مؤخرا طرد السفير الفرنسي والدنماركيين. وأعلنت فرنسا عزمها اتخاذ قرار أساسي بشأن انتشارها في مالي خلال الأيام المقبلة.

مهد فشل الحكومة المالية الفاسدة غير الراغبة في الإصلاح الطريق لانقلاب العام الماضي من تنفيذ العقيد عاصمي جويتا، الرئيس المؤقت لمالي حاليا. ورغم أنه لا يحظى بأي شرعية ديمقراطية، ستكون لديه فرصة جيدة للحصول على هذه الشرعية حال تم إجراء انتخابات سريعا. كما ينظر المجتمع المدني في مالي إلى جويتا على أنه محط أمل لإعادة الوضع الأمني ​​المتدهور بشكل متزايد إلى مساره الصحيح.

أقام جويتا في ألمانيا خلال عامي 2008 و 2016 لتلقي تدريبات كضابط، إلا أنه لم يكن هناك أي اتصالات وثيقة بينه وبين السلطات في ألمانيا. وقد أدى دخول مرتزقة روس إلى مالي تحت قيادته إلى إثارة انتقادات حادة من الغرب. ومع ذلك، يمكن للقوات الغربية الآن أن تلاحظ كيف يقاتل الجنود الروس والماليون الإرهابيين الإسلاميين جنبا إلى جنب، بينما يعتمد الاتحاد الأوروبي على استراتيجية التدريب والمساعدة بالمعدات بهدف تمكين القوات المالية من القتال بشكل مستقل.

ويبدو مفهوم هذه الاستراتيجية متماسكا على الورق، إلا أنه قد فشل بالفعل مرتين في تنسيقات أخرى على نطاق واسع. في عام 2014 على سبيل المثال ألقى الجيش العراقي، المدجج بالسلاح من قبل الولايات المتحدة، سلاحه أمام إرهابيي داعش ولاذ بالفرار. وفي العام الماضي استسلم الجيش الأفغاني بشكل غير متوقع وبسرعة وبدون قتال لحركة طالبان الإسلامية المتشددة.

وعلى مدار الثمانية عشر شهرا الماضية وقعت انقلابات عسكرية ومحاولات انقلاب في غرب أفريقيا ومنطقة الساحل واحدة تلو الأخرى. في البداية كانت مالي، ثم تشاد، ثم مالي مرة أخرى، ثم غينيا وبوركينا فاسو وغينيا-بيساو. وأصبحت الجيوش هي الحاكمة في كثير من بلدان المنطقة.

يقول محللون سياسيون إن مالي ألهمت الكثيرين في المنطقة عبر انقلابين ناجحين في غضون تسعة أشهر. في آب/أغسطس 2020 أطاح جنود ماليون بالرئيس إبراهيم بوبكر كيتا، الصديق المقرب لفرنسا. وفي أيار/مايو الماضي، عزل الجيش الرئيس المدني المؤقت.

يريد الحكام العسكريون في مالي بقيادة جويتا على وجه الخصوص السيطرة على الوضع الأمني ​​المتدهور باستمرار في شمال ووسط البلاد. فالعديد من الميليشيات هناك، والتي بايع بعضها تنظيم داعش أو تنظيم القاعدة الإرهابي، تشن بانتظام هجمات وتعمل على بناء دولة موازية. ويستغل الجهاديون في ذلك الفقر والجفاف وضعف الدولة المتهمة بالفساد المتجذر والعجز.

تم تأجيل موعد الانتخابات الذي كان مقررا في الأصل في أواخر شباط/فبراير الجاري لمدة خمس سنوات. واحتجت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) على ذلك بفرض حظر تجاري وتجميد أصول مالي في البنك المركزي لدول غرب أفريقيا. كما فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات. لكن المجلس العسكري يبدو عنيدا حتى الآن.

يقول ماتيو بيليرين، المحلل في معهد أبحاث مجموعة الأزمات الدولية، إن المجتمع الدولي ممزق بين المبادئ والبراجماتية، موضحا أنه يتعين من ناحية الدفع باتجاه العودة إلى النظام الدستوري، مشيرا إلى أنه من الضروري من ناحية أخرى إجراء حوار بناء من أجل عدم تعريض استراتيجية الأمن في مالي للخطر.

وبدلا من معارضة المجلس العسكري، نما التأييد بين المواطنين، الذين يعانون أكثر من غيرهم من العقوبات. تقول أورنيلا موديران، الخبيرة في شؤون منطقة الساحل لدى المعهد الأفريقي للدراسات الأمنية :”أثارت العقوبات غضب العديد من الماليين وأيقظت روحا وطنية تصب في صالح الحكومة المؤقتة”، مضيفة أنه يجب على المجتمع الدولي أن يبحث عن الحوار بصورة أكبر من إصراره على تحديد موعد للانتخابات.

ويُنظر إلى فرنسا على وجه الخصوص في مالي الآن على أنها “الشرير”. في المقابل، تتمتع ألمانيا بسمعة طيبة، كما يقول أولف ليسينج، رئيس برنامج الساحل في مؤسسة “كونراد أديناور” الألمانية. ولذلك لا يستبعد ليسينج أن تدخل ألمانيا في دائرة الانتقادات والاستياء بصفتها حليف لفرنسا، مشيرا إلى أنه خلال الاحتجاجات في الشوارع ضد العقوبات، كانت هناك بالفعل ملصقات كتب عليها “الموت لفرنسا وحلفائها”، وهي ليست علامة جيدة، بحسب تعبيره، وقال: “إذا جرت الانتخابات الآن، فإن الجيش ستكون لديه فرصة جيدة في انتخابه”، مؤكدا أهمية أن تطور ألمانيا لنفسها استراتيجية واضحة خاصة بمنطقة الساحل، بما في ذلك سيناريو الخروج. (DPA)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها