ما هي أبرز التحولات في مواقف برلين تجاه موسكو قبيل الغزو الروسي لأوكرانيا وبعده ؟
واجهت ألمانيا انتقادات خلال فترة إعداد روسيا للغزو، لرفضها تسليم أسلحة فتاكة إلى منطقة الأزمة، وإرسال خمسة آلاف خوذة بدلا من ذلك إلى أوكرانيا.
كما قدمت ألمانيا لأوكرانيا أكثر من ملياري يورو من الدعم المالي على مدى السنوات الثماني الماضية. وفي كانون الثاني/يناير استقال قائد البحرية الألمانية كاي-أخيم شوينباخ بعد ملاحظة أدلى بها في مؤسسة أبحاث هندية بأنه “يجب احترام” الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وعزز الماضي المظلم لألمانيا جنوحها بشكل تقليدي وقوي إلى السلم، ما عرّضها غالبا لانتقادات من شركائها لعدم وضعها ثقلها في معالجة أزمات ساخنة.
ما هي أبرز التحولات في مواقف برلين والتي تشكلت ملامحها قبيل الغزو الروسي لأوكرانيا وبعده؟
الاستثمار الدفاعي الألماني.. نقطة تحول
في ظل احتدام الغزو الروسي لأوكرانيا ، طرأ تحول “بيّن” في موقف برلين حيث تعهدت الحكومة الألمانية تعزيز الإنفاق العسكري للمساعدة في صد الغزو الروسي لأوكرانيا بعد أن كشف قادتها عن الموارد “المحدودة للغاية” لأكبر اقتصاد في أوروبا. وأكد وزير المال كريستيان ليندنر أن الوقت حان لإحداث “نقطة تحول” في الاستثمار الدفاعي الألماني الذي طالما كان هدفا لانتقادات الحلفاء الغربيين. وقال “أخشى أننا أهملنا القوات المسلحة كثيرا في الماضي لدرجة أنها لم تعد قادرة على أداء واجباتها كما ينبغي”، مضيفا “تراجع الإنفاق الدفاعي لم يعد يتناسب مع زماننا”.
يأتي التحول في ألمانيا في الوقت الذي يحشد فيه العديد من الحلفاء الغربيين لإرسال المزيد من الأسلحة والذخيرة وحتى أنظمة الدفاع المضادة للطائرات إلى أوكرانيا بينما تهاجم القوات الروسية المدن الأوكرانية الكبرى.
أما المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل التي واجهت سياساتها حيال موسكو انتقادات في بلادها اعتبرت الغزو الروسي لأوكرانيا، “نقطة تحول عميقة” في أوروبا خلال حقبة ما بعد نهاية الحرب الباردة. وأبقت ميركل خلال عهدها على علاقات سياسية واقتصادية وثيقة مع روسيا برئاسة فلاديمير بوتين، على رغم تعدد المسائل الخلافية بين البلدين.
“فشل تاريخي لبرلين في تعزيز نفسها عسكريا”
وكانت أنغريت كرامب-كارينباور وزيرة الدفاع السابقة في عهد أنغيلا ميركل قد اعترفت في وقت سابق بفشل تاريخي لبرلين في تعزيز نفسها عسكريا. وقالت: “أنا غاضبة جدا من أنفسنا لفشلنا التاريخي. بعد جورجيا وشبه جزيرة القرم ودونباس، لم نُعِدّ أي شيء من شأنه أن يردع بوتين حقا”، في إشارة إلى الاجتياحات التي نفذتها روسيا خلال وجود ميركل في السلطة. وطوال السنوات الماضية دق المسؤولون العسكريون الألمان ناقوس الخطر بشأن مشاكل وأعطال تعاني منها طائرات الجيش ودباباته وسفنه. وفي نهاية عام 2017، كانت جميع الغواصات الألمانية تخضع للتصليح، بينما في العام التالي لم تكن أي من طائرات “آي 400 أم” المخصصة للنقل والتابعة لسلاح الجو صالحة للطيران.
التحول نحو “الدفاع المحلي”.
أدى الغزو الروسي إلى إحداث تغييرات في الأولويات، حيث قالت مفوضة القوات المسلحة الألمانية في البوندستاغ، إيفا هوغل، إن الجيش قد يضطر إلى التحول من التركيز على المهمات الخارجية إلى “الدفاع المحلي”. واعترفت أيضا بأن “قدرة القوات المسلحة على التقدم ليست كما ينبغي”. منذ نهاية الحرب الباردة، قلّصت ألمانيا حجم جيشها بشكل كبير، من نحو 500 ألف شخص عندما اتّحدت البلاد في العام 1990 إلى 200 ألف فقط حاليًا. وتعتزم الحكومة الألمانية، اعتبارًا من هذا العام، تخصيص مبلغ “استثنائي” بقيمة 100 مليار يورو للمساعدة في الاستثمارات التي يحتاجها الجيش الألماني بشدة.
تغيير في سياسة عدم إرسال أسلحة إلى مناطق النزاع
تراجعت ألمانيا يوم السبت عن انتهاج سياسة تاريخية تقضي بعدم إرسال أسلحة إلى مناطق الصراع، قائلة إن الغزو الروسي لأوكرانيا كان لحظة تاريخية عرّض النظام بأكمله للخطر في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.
كان القرار تغييرًا مفاجئًا في المسار، بعد أن تمسكت برلين بموقفها الأولي لأسابيع على الرغم من التهديد الروسي المتزايد والضغط من الحلفاء في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. فقد كان كبار المسؤولين الأوكرانيين يشكون بمرارة لأسابيع من رفض ألمانيا السماح لشحنات الأسلحة لتعزيز الدفاعات الأوكرانية على الرغم من تمركز نحو 550 جنديا ألمانيا في ليتوانيا في إطار مهمة حلف الناتو مع تعهد بإرسال 350 آخرين للدعم.فقد أشارت وزيرة الدفاع الألمانية كريستين لامبرخت الى أنه يمكن زيادة هذه الأعداد مضيفة أن “حلفاء ألمانيا يمكنهم الاعتماد علينا بنسبة مائة في المائة”. كما أجازت الحكومة الألمانية تسليم أوكرانيا 400 قاذفة صواريخ مضادة للدبابات عن طريق هولندا.
إمداد كييف بألف قاذفة صواريخ مضادة للدبابات
أعلنت الحكومة الألمانية السبت أنها ستزود أوكرانيا “في أسرع وقت” ألف قاذفة صواريخ و500 صاروخ أرض-جو من طراز ستينغر لمساعدتها في مواجهة هجوم الجيش الروسي. كما سترسل الحكومة الألمانية 1000 سلاح مضاد للدبابات إلى أوكرانيا. وقال المستشار الألماني أولاف شولتز في بيان “الغزو الروسي لأوكرانيا يمثل نقطة تحول” مضيفا أن الغزو الروسي “يهدد النظام الذي نشأ منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، من واجبنا أن نبذل قصارى جهدنا لدعم أوكرانيا في الدفاع عن نفسها ضد جيش فلاديمير بوتين الغازي” لافتا إلى أن “ألمانيا تصطف إلى جانب أوكرانيا “.
رفض إصدار تصاريح لتصدير أسلحة ألمانية.. معضلة قانونية
وفي يناير/كانون الاول، منعت ألمانيا إستونيا، وهي دولة حليفة لها في منظمة حلف شمال الأطلسي (ناتو)، من تقديم دعم عسكري لأوكرانيا، عبر رفض إصدار تصاريح لتصدير أسلحة ألمانية المنشأ إلى كييف، التي كانت حينها تستعد لغزو روسي محتمل. وعلى غرار منع إستونيا، كانت برلين ترفض أيضا السماح لدولة أخرى بإرسال مدافع إلى أوكرانيا، لأن الأسلحة صنعت في ألمانيا، وفقا لمسؤولين إستونيين وألمان حيث إن أجزاء كبيرة من الأسلحة والذخيرة في القارة الأوروبية يتم تصنيعها جزئيًا على الأقل في ألمانيا ، مما يمنح برلين “تخويلا قانونيا” يحدد عمليات نقلها وشحنها. لكن موقف برلين المتغير لا يعني بالضرورة الموافقة على جميع طلبات شحنات الأسلحة ، حيث يتم البت في كل حالة على حدة. وجدير أن إستونيا اشترت الأسلحة من فنلندا، التي أعطت موافقتها ، لكن يتعين على ألمانيا أيضًا الموافقة على نقل تلك الأسلحة لأنها باعت مدافع الهاوتزر في الأصل إلى فنلندا. لكن إستونيا أعلنت أنها سترسل مساعدات عسكرية إضافية إلى أوكرانيا في شكل صواريخ جافلين المضادة للدبابات وذخائر مضادة للطائرات بالإضافة إلى المعدات الطبية والمعدات الشخصية و الأغذية.
استبعاد بنوك روسية من نظام سويفت المصرفي
دفع عنف التدخل الروسي القوى الغربية السبت إلى تبني مجموعة جديدة من العقوبات القاسية. فقد قررت خصوصا استبعاد عدد من المصارف الروسية من نظام “سويفت” الأداة الأساسية في التمويل العالمي، حسبما أعلنت الحكومة الألمانية التي تترأس مجموعة الدول السبع. وخففت ألمانيا التي تملك أكبر تدفقات تجارية من الاتحاد الأوروبي مع روسيا موقفها وأشارت إلى أنها تحاول تقليل الأضرار الجانبية بعد إخراج بنوك روسية من شبكة سويفت.
وجدير أن الرئيس فولوديمير زيلينسكي دعا في مقطع فيديو على فيسبوك السبت، ألمانيا والمجر إلى “التحلي بالشجاعة” ودعم استبعاد روسيا من نظام “سويفت” المصرفي لمعاقبة موسكو على غزو بلاده.
وقال المتحدث باسم الحكومة الألمانية التي تترأس حاليا منتدى مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، إن العقوبات تشمل “كل البنوك الروسية التي سبق أن عاقبها المجتمع الدولي، وبنوكا أخرى إذا لزم الأمر”. وأقرت هذه العقوبات الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وكندا وإيطاليا والمفوضية الأوروبية.
واجهت ألمانيا أيضًا انتقادات من بعض الحلفاء لمعارضتها استبعاد روسيا من نظام سويفت المصرفي ، الذي تستخدمه الدول الأوروبية بشكل خاص لشراء الطاقة من روسيا. وفي وقت سابق، قال متحدث باسم الحكومة الألمانية إن من الصعب فنيا الإعداد لخطوة عزل روسيا عن نظام سويفت للمدفوعات الدولية بين البنوك وإن ذلك سيؤثر بشكل كبير على المعاملات التجارية بالنسبة لألمانيا والشركات الألمانية في روسيا. وأضاف المتحدث ستيفن هيبيستريت أن ألمانيا لم تكن الدولة الوحيدة التي لديها تحفظات على عزل روسيا عن نظام سويفت، قائلا إن كلا من إيطاليا وفرنسا كانت لديهما بعض التحفظات أيضا.
ألمانيا تعلّق المصادقة على خط الغاز “نورد ستريم 2”
في بداية شباط/فبراير، قام المستشار الألماني، أولاف شولتس بزيارة إلى واشنطن، حيث خيمت الأزمة الأوكرانية على الزيارة الأولى للمستشار، بعد ان كشفت عن تباين في الرؤى بين واشنطن وبرلين، حول مسائل عديدة ومنها خط الغاز “نورد ستريم 2″، فعلى مدى سنوات، سبب المشروع خلافات بين الولايات المتحدة وألمانيا، المروج الرئيسي للمشروع، وكذلك بين الأوروبيين، وأيضا بين روسيا وأوكرانيا. لكن المستشار، أولاف شولتس لم يفصل في قضية وقف المشروع من أساسه أثناء زيارته واشنطن. لكن ردا على اعتراف موسكو بالمنطقتين الانفصاليتين في شرق أوكرانيا، أعلن المستشار الألماني، أولاف شولتس، تعليق المصادقة على تشغيل خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2” مع روسيا، فيما حذّر من عقوبات إضافية محتملة. وأفاد شولتس أنه طلب من الهيئة الألمانية الناظمة المسؤولة عن المشروع، تعليق عملية مراجعته. وقال إن هذه المسألة “تبدو تقنية، لكنها خطوة إدارية ضرورية تمنع أي مصادقة على خط الأنابيب. ومن دون هذه المصادقة، لا يمكن بدء تشغيل نورد ستريم 2”.
بوتين ولافروف على قائمة العقوبات الأوروبية
أعلن الاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي، أن بوتين ولافروف موجودان في قائمة الأشخاص الروس الذين قرر الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات عليهم على خلفية اجتياح أوكرانيا. وطُرح الإجراء خلال قمة أوربية استثنائية الخميس في بروكسل وأضيفت الجمعة إلى حزمة عقوبات سيفعَلها وزراء الخارجية على ما أوضحت المصادر نفسها. وأبدت ألمانيا وإيطاليا تحفظات الجمعة خلال القمة على هذا الاقتراح الذي دعمه عدد كبير من القادة الأوروبيين. لكن في نهاية الأمر، اصطفت برلين إلى جانب الإجماع الأوروبي بشأن فرض عقوبات على الرئيس الروسي فلادمير بوتين كما وافقت أيضا مساء الخميس على قرار إلغاء إمكانية السفر بدون تأشيرات دخول لحاملي جواز السفر الروسي . (EURONEWS)[ads3]