تخصيص 100 مليار يورو لتطويره .. لماذا تريد ألمانيا تحديث جيشها ؟
أجبرت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، ألمانيا العمل على إعادة هيكلة سياستها الأمنية، حيث سيحصل الجيش الألماني على دعم وتجهيزات وأسلحة بقيمة 100 مليار يورو. ولكن ما هي الأسلحة التي تحتاجها القوات الألمانية بالفعل؟
تحلق في الأفق نقطتان سوداوان يمكن رؤيتهما عبر الأجواء الصافية، ثم يزداد وضوح الرؤية ليتبين للمشاهد أنهما طائرتان مقاتلتان من طراز F-35 تحلقان فوق منطقة أيفل في ولاية راينلاند بفالس.
تهبط الطائرتان في القاعدة الأمريكية الجوية شبانكدالم/ Spangdahlem بعد إتمام دورية المراقبة بالقرب من الحدود الأوكرانية فوق بولندا.
إلى هذه القاعدة قامت الولايات المتحدة الأمريكية بنقل 12 طائرة من هذا النوع إلى هناك، إنهم يراقبون المجال الجوي للناتو فوق أوروبا الشرقية في مواجهة التحركات الروسية.
تعتبر هذه الطائرة والملقبة بـ “الشبح” من أحدث الطائرات المقاتلة متعددة الأدوار في العالم، إنها طائرة طالما حلم الجيش الألماني أن يقتني مثلها.
طائرات أف 35 للجيش الألماني؟
حتى يوم الأحد الماضي، عندما أعلن المستشار الألماني أولاف شولتس بشكل مفاجئ أنه سيقدم دعما ماليا خاصا لمرة واحدة بقيمة 100 مليار يورو للجيش، ما تزال الآمال قائمة على اقتنائها. فلسنوات خلت كانت قيادة الجيش تبحث عن بدائل تحل محل طائرات التورنادو التي عفا عليها الزمن، والتي يعول عليها في حالات الطوارئ في نقل القنابل الذرية الأمريكية المخزنة في ألمانيا إلى الهدف.
المستشار الألماني أكد في خطابه على أهمية اقتناء طائرات اف-35، إذ إنها مخصصة أيضا باعتبارها “طائرات حاملة”.
جيش قوي بتجهيزات عالية
شراء طائرات F-35 الحديثة سوف يكلف ألمانيا مبلغا لا يقل عن خانتين رقميتين من المليارات المرصودة، بيد إن الأموال متوفرة الآن بالرغم من السعر الباهظ. فالعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا قلبت موازين السياسة الأمنية في ألمانيا رأسا على عقب، لذلك حمل خطاب المستشار الألماني الذي أثار اهتمام وذهول البرلمان “البوندستاغ” وحتى أجهزة الدولة المختلفة رسائل واضحة: “نحن بحاجة إلى طائرات حديثة، وسفن مجهزة وجنود مدربين على الوجه الأمثل”.
المفارقة أن حزب شولتس، الاشتراكي الديمقراطي، كان قد عرقل في الحكومة المشتركة مع أنغيلا ميركل حتى العام 2021، مشاريع التسلح الكبيرة التي طرحت.
ومنذ نهاية الحرب الباردة، استمر الجيش الألماني في التقلص وعانى من نقص التجهيزات والمعدات، بيد إن وزير المالية كريستيان ليندنر من الحزب الديمقراطي الحر أكد أن هذا الامر سيتغير بشكل جذري الآن. وأوضح: “هدفنا أنه خلال هذا العقد سيكون لدينا أحد أقوى الجيوش قدرة في أوروبا “. وبحلول منتصف مارس، يريد الوزير إدراج مبلغ 100 مليار يورو لهذا الغرض في ميزانية العام 2022. وبالإضافة الى ذلك، سيتم رفع ميزانية الدفاع الى 2 في المائة من إجمالي الناتج المحلى، حسبما قرر أعضاء الناتو.
مشتريات الأسلحة قيد التخطيط بالفعل
الطائرة المقاتلة المكلفة من طراز F-35 هي واحدة من العديد من مشاريع التسلح الرئيسية التي يمكن للجيش الألماني تمويلها مع زيادة الدعم المالي غير المتوقعة.
في الماضي، توقف شراء أنظمة الأسلحة الكبيرة – الطائرات أو المروحيات أو السفن – مرارا بسبب إعادة رسم ميزانية الدفاع من سنة إلى أخرى.
وتقول كلوديا ميجور، التي ترأس مجموعة أبحاث السياسات الأمنية في معهد برلين للشؤون الدولية والأمنية في مقابلة مع قناة “دي دبليو”.: “أن أبرز مشكلة واجهت الجيش هو عدم القدرة على التخطيط طويل الأمد بسبب تقلص وتغير الميزانية عبر السنوات الماضية”، وتضيف “إن فكرة الصندوق الخاص هي ضمان التمويل طويل الأجل لمشاريع المعدات الاستراتيجية الكبيرة”.
وبالإضافة إلى F-35، يمكن أن تشمل صفقات التسلح في المستقبل طائرات ف سي اي س/ FCAS المقاتلة والتي شاركت ألمانيا بتطويرها جنبا إلى جنب مع فرنسا، كما يحتاج الجيش إلى طائرات هليكوبتر للنقل الثقيل ويريد تحديث نظام صواريخ باتريوت المضادة للطائرات، الذي أصبح قديما. كما أن الطائرات المسلحة بدون طيار وغيرها من السفن الحربية موجودة على قائمة الاحتياجات.
وتوضح الخبيرة كلوديا ميجور: ” شراء الأسلحة ليس مثل التسوق في السوبرماركت، وذلك بأخذ النقود وشراء ما تريد، بل هناك بالفعل العديد من مشاريع التسلح التي خطط لها الجيش، ولكن لم يتم تمويلها بعد. ويمكن دفع ثمنها بهذا المال”.
مواجهة صقيع البلطيق
احتياجات الجيش لا تقف عند الأسلحة فقط، بل هناك نقص في اللوجستيات والتجهيزات العسكرية والملابس بشكل واسع. حتى مع الأحذية القتالية أو الملابس الخاصة هناك دائما نقص. وهو ما بدا وكأنه مزحة سيئة بحسب ما أخبرت إيفا هوغل والتي ذكرت مؤخرا بحكم وظيفتها كمفوضة للدفاع في البوندستاغ عن ظروف نشر الجنود الألمان في ليتوانيا، حيث زارت هوغل الوحدة الألمانية في ليتوانيا، التي تؤمن الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي هناك.
وفي برد الشتاء الليتواني، اشتكى المفوض العسكري بعد ذلك من أن الجنود يفتقرون إلى السترات السميكة والملابس الداخلية التي تحميهم من الرطوبة والبرد. كيف يمكن أن يكون ذلك في واحدة من أغنى البلدان في العالم؟
مهام كثيرة وتحذيرات
لكن المال وحده لا يكفي. وحتى الآن، كان شراء الأسلحة والمواد يتم في كثير من الأحيان بشكل غير منظم وبيروقراطي بشكل مفرط، يضاف إلى ذلك مصالح صناعة الأسلحة الألمانية، التي تأمل الآن في الحصول على طلبات كبيرة. وبالتالي فإن خبير السياسة الخارجية في الاتحاد المسيحي الديمقراطي رودريش كيسفيتر يحذر من الخطوات المتسرعة، إذا يقول: “يجب على الحكومة الاتحادية أن تنظر بعناية على ماذا تنفق المليارات وما هو الأكثر إلحاحا بالنسبة لها”، ويضيف: “أنا قلق من أنه بدون تحديد الأولويات وبدون أساس استراتيجية الأمن القومي التي أعلنتها الحكومة، سننفق الكثير من الأموال دون جدوى”.
وعلى النقيض من بعض زملائه البرلمانيين في البوندستاغ، فإن كيسفيتر يرى بصراحة أنه ضد إعادة التجنيد الإجباري. وقد تم تعليق ذلك في عهد مستشارة الاتحاد المسيحي الديمقراطي أنغيلا ميركل في العام 2011. ولم يعد لدى الجيش القدرة على استيعاب المجندين وسيتعين عليه أولا إعادة بنائها بتكلفة باهظة ويوضح: “100 مليار سوف تختفي بسرعة كبيرة، دون أن يصبح الجيش أكثر قوة. وبالإضافة إلى ذلك، من الصعب دمج المجندين في جيش عالي التقنية. ففي نهاية الأمر، غالبا ما يستغرق التدريب على منظومات الأسلحة المعقدة وقتا أطول من الخدمة العسكرية لبضعة أشهر”.
مطلوب 20 ألف جندي
ولكن الجيش يريد زيادة عناصره. وبدلا من التجنيد، سيعتمد على موظفين أكثر تأهيلا. وبحسب تصريحات المفتش العام في الجيش الألماني، الجنرال ايبرهارد زورن والتي ادلى بها لقناة ZDF فإن الجيش الألماني يطمح لبلوغ رقم 203 آلاف جندي، وهو ما يعني 20 الف جندي أكثر مما هو عليه الحال الآن.وعلى الرغم من الحملات الإعلانية المفصلة، واجه الجيش حتى الآن مشاكل في ملء الشواغر. وبالنظر إلى الوضع الأمني المتوتر، يأمل الجيش الألماني بالحصول على مزيد من المتقدمين.
وبعد نهاية الحرب الباردة، ركز الجيش بشكل متزايد على القيام بمهمات في الخارج، على سبيل المثال في البلقان أو أفغانستان أو مالي. لذلك فإن المليارات الإضافية سوف تسرع الآن عملية إعادة الهيكلة – بالعودة إلى نقطة أن هدف الجيش التركيز على الدفاع عن بلاده وحلفائه.
ويقول زورن: “نحن نتبع هذا الطريق منذ العام 2014، منذ ضم شبه جزيرة القرم. “ومع ذلك، فإن الموارد المالية لم تكن كافية. وهذا أمر نأمل أن يتغير الآن”.
انتقادات من حركة السلام
ووفقا لمسح أجراه معهد بحوث الرأى Civey فان ثلاثة من كل أربعة المان يؤيدون الصندوق الخاص للقوات المسلحة. وتأتي الانتقادات من حزب المعارضة اليساري/ دي لينكه وأيضا من بعض البرلمانيين من الحزبين الحاكمين الاشتراكي والخضر. ويطالب ممثلو حركة السلام بعدم شراء طائرات مقاتلة من طراز اف-35 للجيش، كما يطالبون بسحب جميع القنابل النووية الأمريكية من ألمانيا.
ولا تزال هذه الوحدات النووية، التي يقدر عددها بـ 20 وحدة، مخزنة في بوشل في غرب ألمانيا حتى ولو لم تؤكد الحكومة الألمانية ذلك رسميا. وقد تم تأمين منطقة القاعدة الجوية هناك مع إقامة سياج مزدوج من الأسلاك الشائكة وكاميرات مراقبة. وعندما تقترب من البوابة، يطلب منك حراس الأمن الابتعاد. وفي مكان غير بعيد عن بوابة المدخل، وضع ناشطون لافتات تدعو الناس إلى الصلاة من أجل السلام. وهم يطالبون بنزع السلاح وبألمانيا خالية من الأسلحة النووية. وهو ما يجعل طلبهم قد يبدو غريبا في ظل المليارات الكثيرة القادمة لدعم الجيش.[ads3]