لماذا يميل الإنسان دائماً للحفاظ على ذكرياته ؟

لماذا يميل الإنسان دائماً للحفاظ على ذكرياته؟ هل هو مجرد حنين للماضي؟ هل عندما يفتح رسائله وصوره القديمة تنشط خلايا الحياة فتعود له مشاعره، أم هي مجرد تنهيدات عابرة تُعبّر عن حزنه وخوفه، وتُذكّره بأيامه التي رحلت؟

الإنسان مجموعة من المراحل، سواء كانت مراحل سنِّية، أو تجارب حياتيه، في الغالب نحن نحتفظ فقط بالجانب المضيء، الأشياء التي تهز إحساسنا بالحياة، مثلاً: هل يمكن أن تحتفظ بصور تمثل لك المعاناة في العمل، أو حتى بأشخاص أضروك كثيراً في مشوار حياتك؟

هناك حكمة سائدة على صفحات مواقع التواصل “دائماً اترك مسافة بينك وبين غيرك في الصور، حتى تستطيع قص الجزء الخاص بك عند الاختلاف”.

إذن الإنسان بطبعه يميل للاحتفاظ بكل ما يشع في داخله بالحياة، ويطمس دائماً ذكرياته السيئة، حتى وإن كانت أحداثاً مهمة في حياته، لذلك نجد عندنا حنيناً دائماً للماضي: “فين أيام زمان”، “صديق الزمن الجميل” وغيره من العبارات، رغم أن هذه الفترات من عمره يمكن أن تكون قاسية ومؤلمه، لكنه يحن فيها إلى أحداث ومناسبات ولحظات كانت دافئة بشكل كبير، لكنها محددة.

بحسب موقع “عربي بوست”، نجحت شركة أمريكية في إنقاذ مجموعة من الخطابات يعود تاريخها لزمن الحرب العالمية الثانية (1939ـ1945) داخل مخزن حطام سفينة بريطانية غارقة، كانت في طريقها لأحد الموانئ بالولايات المتحدة الأمريكية لتسليم الخطابات إلى أصحابها، حيث تم نسف السفينة قبالة سواحل أيرلندا بواسطة زورق ألماني في 16 فبراير/شباط 1941.

اكتشفتُ حين تابعت الخبر المنشور أنها تحمل في داخلها سطوراً تتحدث عن الحب والتشجيع الأبوي للأبناء، بالإضافة إلى رسائل غرامية، والمدهش أن الخطابات موجودة الآن في متحف البريد بلندن، واعتبرتها إنجلترا معلماً تاريخياً يجب الحفاظ عليه.

الخطابات من أكثر الأشياء التي تقوّي المناعة، وترفع قدرتك في زمنها للحياة، لأنك في سطورها كنت تضع مناخك النفسي، خوفك، قلقك، مستقبلك، تفاصيلك، حلمك، تشجيعك، عملك، وطنك.

الناس خارج عالمنا العربي اهتموا برسائل قديمه لجنود ومسافرين أثناء الحرب العالمية، واعتبروها تاريخاً يستحق أن يُعامل باهتمام، ويتم وضعه في متحف للاطّلاع على مشاعر وأحلام الناس في حقبة زمنية معينة.

بالتأكيد كانت ترصد واقعاً تاريخياً مؤلماً؛ لأن الخطابات تحمل مناخاً نفسياً شديد القسوة، لفراق أبناء وحبيبة، لأحزان ومخاوف من عدم العودة للوطن، لكنها في النهاية مشاعر حقيقية تمت كتابتها على الورق، ربما لتعيش وتصل، وربما تضيع كما ضاع العديد من الجنود داخل ويلات الحروب المختلفة.

الناس في الخارج اهتموا بالإنسان، واعتبروا الرسائل تاريخاً لا بد من الاحتفاظ به داخل المتاحف، ورغم أنها خطابات قاسية فإنها تمثل جزءاً مهماً من الذاكرة والتذكر والتاريخ.

هنا تتضح قيمة الإنسان، ومدى الاهتمام بذكرياته، هم ليسوا شعوباً باردة في الطقس والمشاعر كما نراهم دائماً من نافذة رؤيتنا كعرب، هم شعوب لها مشاعر دافئة، يعرفون قيمة الإنسان حتى ولو تبقى منه بعض من السطور على ورق.[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها