عدل المنشور 25 مرة .. بي بي سي : رسم لفنان الكاريكاتير السوري الشهير علي فرزات يثير موجة غضب و اتهامه بالإساءة للمرأة
أثار رسام الكاريكاتير السوري الشهير علي فرزات الغضب بسبب رسمه جسد امرأة عارية علق عليه واصفا جزءا من جسمها بأنه “مدعاة الفخر الوحيدة للائتلاف السوري المعارض”، اعتبرت التدوينة إساءة لنائبة رئيس الائتلاف وللمرأة عموما، بينما تمسك فرزات بإنكار أي إساءة في ما رسم.
وعدّل علي فرزات التدوينة 25 مرة على فيبسوك. نشر بداية صورة واحدة وجملة تقول ما معناه أن “جسد ربى أكثر ما يمكن للائتلاف الافتخار به”.
وانتشرت التدوينة ومعها سيل من التعليقات الغاضبة المهاجمة لفرزات والمتضامنة مع نائبة رئيس الائتلاف السوري المعارض ربا حبّوش التي اعتُبر أنها المقصودة من منشور فرزات.
ثم توالت التعديلات التي أجراها فرزات على ما نشر إلى أن استقر على تدوينة فيها ثلاث صور قال إنها من عام 2002 إحداها الصورة التي نشرها بداية وكتب في آخر تعديل بالإضافة إلى إضافة حرف “س” بعد اسم ربى: “لم أذكر اسم وكنية أحد بعينه ولو كنت أقصد ذلك لفعلت وإذا إحداهن أو أحدهم ارتأى أو ارتأت أن تكون هي أو يكون هو فذلك شأنها أو شأنه..”.
وكان فرزات في أحد التعديلات قد أضاف “سلامة” بعد اسم ربى ثم محاها واكتفى بحرف السين.
ربا حبوش، التي فهم من تدوينة فرزات أنها المقصودة علقت بالقول: “شكرا أستاذ علي هذا من حسن تحضرك واحترامك للمرأة”.
فرد فرزات على تعليقها قائلا إنه “لم يقصدها هي من التدوينة” واستنكر الهجوم عليه.
ويصر فرزات على أن ما قاله في التدوينة مدح وليس قدحا، وأنه لا يسيء للمرأة ويعتبر أن “إعجابه” بجزء من جسم المرأة، وجعله في مرتبة أعلى من أي إنجاز للفصيل السياسي الذي يهاجمه، أمر إيجابي لا يستحق الهجوم عليه بل “على العكس”، كما قال، ربما أن فرزات توقع شكرا من المرأة على إعطائه “هذه القيمة” لجسدها.
أما عن الهجوم الذي تعرض له فيعتبره فرزات حملة من جيوش إلكترونية كما قال في أحدث تصريح مصور له، فهو لا يرى أيا من أسباب الهجوم عليه منطقيا.
وأثارت تدوينة فرزات وتمسكه بها غضبا واسعا اختلف التعبير عنه بين المتفاعلين من اللوم على “الفنان” والتعبير عن الصدمة من “مستوى الخطاب” إلى الهجوم الحاد عليه.
ووجهت الفنانة و ,المستشارة الثقافية السورية آلما سالم “رسالة” لعلي فرزات عبر صفحتها في فيسبوك تقول فيها: “تقتل السوريات وتضربن كل يوم جسديًا أو معنوياً، وخصوصاً السياسيات والفاعلات منهن في الشأن العام فأولئك يتم فرك وكسر أصابعهن دونما خجل.. وفي الوقت نفسه يمدح جمال مؤخراتهن أو يسفح كما لو كانت قيمة وجودهن توازي قيمتها أو قيمة موقعّهن في السرير”.
أما اللوبي النسوي السوري فقد نشر بيانا يندد فيه “بالإساءة للنساء العاملات في الشأن العام، وللنساء عمومًا، سواء لفظيًا أو من خلال الفن عبر استخدام أجسادهن للإساءة والإهانة”.
وقال البيان إن الإساءة للنساء “باتت سمة في كثير من أعماله (علي فرزات)، عبر استخدامه جسد المرأة كأداة للتحقير من خلال كلامه ورسومه”.
وعبر اللوبي عن تضامنه مع ربا حبوش. وانتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي وسم #متضامن_مع_ربا_حبوش عبر من خلاله المغردون عن رفضهم وإدانتهم لما اعتبروه إساءة واضحة لنائبة رئيس الائتلاف السوري المعارض وللنساء جميعا.
وعلي فرزات ليس معارضا عاديا ولا رساما هاويا. هو فنان ذو شهرة عالمية اقترن رسمه للكاريكاتير منذ سنوات بمعارضة النظام السوري وانتشر اسمه أكثر عندما كسر ضباط النظام أصابعه التي يرسم بها عام 2011.
بهذا وذاك اكتسب فرزات مكانة كبيرة لدى الكثيرين المعجبين بفنه والمتبنين لموقفه السياسي.
وباعتبار مكانته هذه يُتوقع من فرزات أسلوب مدروس وحذر جدا في التعبير عن آرائه ومواقفه، وهذا التوقع كان سببا لصدمة كثيرين من رسمته الأخيرة التي أثارت الغضب ضده.
لكن من جهة أخرى يبدو أن هذه المكانة التي وصلها فرزات منحته نوعا من الحصانة لدى بعض من اعتمد دفاعهم عنه على كونه “الفنان الكبير علي فرزات”.
وعبر صفحته على فيسبوك سيل من تدوينات وتعليقات ورسائل التضامن والدعم له، وأغلبها يقوم على “القيمة الفنية” لعلي فرزات أو قيمته كمعارض.
ويبدو من التعليقات أن البعض يرى أن معارضة فرزات لفصيل أو شق يعارضونه يكفي للاصطفاف معه في هذه المعركة.
ومنهم من يرى أن سوابق فرزات في “الصراحة” وحدة الهجوم على من يعارضهم تمنحه الحق في التعبير عن هذه المعارضة بأي شكل يريد خاصة وهو يعتمد فنه في التعبير عن رأيه.
من المدافعين عن فرزات أيضا من لم ير في الرسم إساءة لأي شخص ولا للنساء باعتبار أنه ينتقد كيانا سياسيا عاملا في الفضاء العام، حتى وإن كان هذا “النقد” معتمدا على استخدام جسد المرأة والإشارة إليه كمكسب ومدعاة لفخر فصيل سياسي تنتمي له.
النقاش الأساسي في الواقع ليس له علاقة بالفصيل السياسي الذي تنتمي له ربا حبوش أو غيرها من النساء.
الجدل الأساسي هو التعامل السائد مع النساء في المجال العام عموما، وفي السياسة خصوصا في هذه الحالة.
لم يكن اقتحام النساء المجال السياسي، الذي كان لزمن ناديا للرجال فقط، أمرا سهلا. ولن يصبح أمرا عاديا ما لم نخاطب أو نحاسب المرأة في المجال السياسي على أساس دورها الفعلي وليس على أساس نوعها الاجتماعي.
النساء موجودات الآن وحاضرات في المجال السياسي لكن حضورهن محصور في أدوار ثانوية وفي صفوف متأخرة في غالب الأحيان.
وهو في أحيان كثيرة مجرد استيفاء لـ”كوتا” تفرضها القوانين أو الشروط وفي أحيان أخرى عنصر أساسي في صورة تريد القيادة السياسية الفعلية رسمها إيحاء بالتقدم في مجال تمكين المرأة.
يرافق كل هذه المحاذير والعقبات في وجود النساء في المجال العام والسياسي خصوصا تراكمات من التنميط للمرأة على أساس نوعها الاجتماعي.
من الشائع مثلا أن يوصف الرجل السياسي “بالفاشل” أو “الفاسد” أو “غير الكفىء” وغيرها من مرادفات الفشل في إنجاز المهمة المطلوبة. لكن من الشائع أيضا في مجتمعنا أن يقال عن المرأة التي تفشل في أداء مهمتها السياسية كما يجب، “مكانك المطبخ” أو “مكانك بيت زوجك”.
ومن الشائع أنه إذا غضب الناس من امرأة لفشلها في عملها يكيلون لها من السباب ما يمس من “شرفها” (بالمفهوم الجنسي للشرف) أو ما يعيب على مظهرها الجسدي. كما من الشائع أن تكال الشتائم للرجال باستخدام أمهاتهم وزوجاتهم وأخواتهم وبناتهم وباستحضار الأعضاء التناسلية لهؤلاء النساء كأقصى أنواع الإهانة لـ”شرف الرجل”.
تحارب النساء الفاعلات في المجال العام من أجل إجهاض هذه الممارسات ومن أجل فرض تغيير في الوعي الجمعي يجعل التعامل مع المرأة قائما على أسس ذات علاقة بعملها أو دورها الخاضع للتقييم والمحاسبة لا على اعتبار الجندر أو باستحضار الصورة النمطية التي إن أُخفيت لم تختف وقد تظهر في أي وقت. (BBC)
[ads3]