كيف أثر الغز والروسي لأوكرانيا في ارتفاع أسعار المواد الغذائية في أوروبا؟
مع بلوغ عملية الاستجابة لحالة الطوارئ في أوكرانيا حالة التأهب القصوى، أعرب برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في بداية الشهر الجاري، عن قلقه البالغ بشأن “ضعف قدرة الأسر في المناطق المحاصرة على العثور على الأغذية وحذر كذلك من أن الأزمة قد يكون لها عواقب تمتد لأبعد من حدود أوكرانيا”.
لكن كيف أثر الغز والروسي لأوكرانيا في ارتفاع أسعار المواد الغذائية في أوروبا؟
عندما شن الجيش الروسي حربه على أوكرانيا في 24 شباط/فبراير، كانت أسعار المواد الغذائية في جميع أنحاء العالم بالفعل عند مستويات قياسية بسبب ظروف وباء كوفيد-19.
سجلت أسعار المواد الغذائية العالمية مستوى قياسيًا في شباط/فبراير 2022 ، حيث قفزت بنسبة 24٪ عما كانت عليه في الفترة نفسها من العام السابق بقياس نسبة الارتفاع على أساس سنوى، وفى مقدمتها الزيوت النباتية ومنتجات الألبان، حسبما ذكر تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة في بداية الشهر الجاري والذي أكد أن الارتفاع في الأسعار بلغ نسبة 4٪ على أساس شهري.
ارتفاع الأسعار في منطقة اليورو
لم تسلم منطقة اليورو من ارتفاع أسعار المواد الغذائية حيث ارتفعت بنسبة 4.1٪ على أساس شهري في شباط/فبراير، بعد زيادة بنسبة 3.5٪ في يناير/كانون الثاني، حسب تقرير لمكتب الإحصاء التابع للاتحاد الأوربي “يوروستات”.
تُعزى هذه الزيادات الحادة إلى مجموعة متنوعة من العوامل، ومنها في المقام الأول ارتفاع أسعار الطاقة والشحن ببسبب زيادة الطلب على الغاز الطبيعي والشحن بسبب تداعيات الأزمة الصحية العاملية.
ندرة الإمدادات
بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، ارتفعت أسعار القمح والذرة إلى أعلى مستوياتها في أوروبا، وكذلك أسعار فول الصويا وزيت النخيل. وتعد روسيا وأوكرانيا أول ورابع أكبر مصدرين للقمح في العالم على التوالي، وسادس ورابع مصدرين للذرة. كما أن وروسيا هي المورد الرئيسي للغاز إلى الاتحاد الأوروبي وثاني أكبر مصدر للنفط في العالم، لكنها أيضًا قوة زراعية كبرى مثل أوكرانيا.
30 بالمئة من صادرات القمح العالمية
تساهم روسيا وأوكرانيا بـ 30 بالمئة من صادرات القمح العالمية، التي ارتفعت أسعارها منذ الحرب. كما تعطلت الشحنات عبر البحر الأسود بسبب تداعيات الحرب. بعد مرور أسبوعين من اندلاع النزاع في أوكرانيا، حظرت الحكومة الأوكرانية تصدير القمح والشوفان والسكر وغيرها من المواد الغذائية الأساسية لضمان قدرتها على توفير الطعام للمواطنين خلال الحرب مع روسيا. ومن المرجح أن يؤدي حظر الصادرات إلى خفض الإمدادات الغذائية العالمية حيث وصلت الأسعار إلى أعلى مستوى لها منذ عام 2011.
روسيا تعلق صادراتها من القمح والشعير
كما أعلنت وزارة الاقتصاد الروسية، أن روسيا سوف تعلق صادراتها من القمح والشعيروالذرة، إلى دول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، التي تضم إضافة إلى روسيا، أرمينيا، وبيلاروس وكازاخستان، وقيرغيزستان، حتى 31 أغسطس/ آب المقبل، وذلك في خطوة لتأمين سوقها المحلية بما يكفي من الغذاء.
كيف تتأثر دول الاتحاد الأوروبي؟
في تصريح ليورونيو، قال أستاذ الاقتصاد الزراعي ومدير مركز أبحاث التنمية في جامعة بون ماتين قايم، “لا أعتقد أننا سنرى مخازن تجارية خالية من المنتجات الغذائية، في أوروبا والسبب، بسبب أننا لا نستورد القمح من أوكرانيا أو روسيا، أو نستورده بكميات قليلة للغاية” مضيفاً” “نحن نستورد الذرة من أوكرانيا وهي تستخدم بشكل أساسي كعلف للحيوانات”.
كما لفت إلى أن “رغيف الخبز الذي يتم تصنيعه قد نشتريه من السوبرماركت، وفي هذه الحال تكون حصة القمح في رغيف الخبر أقل من 10٪” مضيفاً “هذا يعني أنه إذا ارتفع سعر القمح، سترى أن رغيف الخبز يرتفع سعره ببضعة سنتات من اليورو” وتابع ” لكن هذا لن يحمي الأوروبيين من تداعيات ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل عام” حسب قوله.
العوامل التي تؤثر على الأسعار
يعتبر الأكاديمي أن العديد من العوامل قد تؤثر على ارتفاع أسعار المواد الغذائية، منها تكاليف الطاقة و رواتب العمالة وتشغيل الآلات فضلاً عن مصاريف النقل ومستحقات العلامة التجارية إلى جانب تغليف المنتجات “هذا يعني أنه عندما يتضاعف سعر القمح، وهو الآن ضعف المستوى الذي كان عليه قبل عامين فهذا لا يعني أن سعر الخبز سيتضاعف بالضرورة “.
مدة استمرار الحرب تحدّد مستويات ارتفاع المواد الغذائية
كما أوضح أن تحديد أسعار المواد الغذائية يتم على المستوى الدولي لكن “مع قيام كل من أوكرانيا وروسيا بسحب صادراتهما في الوقت الحالي، سيستمر هذا الإجراء في التأثير، بحسب المدة الزمنية التي تستغرقها الحرب وحالة البنية التحتية في البلاد” حسب قوله.
اتهام روسيا باستهداف المعدات الزراعية
اتهمت السلطات الأوكرانية قوات روسيا باستهداف المعدات الزراعية عمدا لتقويض الأمن الغذائي في أوكرانيا والعالم. كما تضررت موانئ البحر الأسود، التي تعتبر الشريان الرئيسي لحركة السلع عند مفترق طرق أوروبا وآسيا، وبات اليوم موضع انتباه العالم مع استمرار الصراع في أوكرانيا. كما أن موانئ أوكرانيا الجنوبية الغربية مثل أوديسا وبيفديني وميكولايف وتشورنومورسك تتعامل مع ما يقرب من 80% من صادراتها من الحبوب. لكن الشحنات تعرف تدهورا الآن، مع إغلاق الموانئ الأوكرانية.
ارتفاع أسعار الرغيف في روسيا قد تتسبب في اضطرابات
هناك أيضًا حالة من عدم يقين استوطنت بشأن ما ستصدره روسيا، فهل العقوبات التجارية التي تفرضها الدول الغربية ستمنع بالضرورة الصادرات الرئيسية؟
وفي هذا الصدد يقول أستاذ الاقتصاد الزراعي ومدير مركز أبحاث التنمية في جامعة بون ماتين قايم، “أسعار المواد الغذائية مرتفعة للغاية، فمما لا شك فيه ان القمح والخبز المصنوع من القمح يعدان الغذاء الرئيسي لسكان روسيا، الناس في روسيا فقراء للغاية وإذا ارتفعت أسعار الخبز بالفعل، فقد تكون هناك اضطرابات، وهذا ما يريد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تجنبه”.
البنك المركزي الأوروبي يحذّر
وفي سياق متصل، قال البنك المركزي الأوروبي إنه بسبب الأحداث في أوكرانيا سيكون التضخم في منطقة اليورو مرتفعا لفترة طويلة من الزمن، وأوضحت رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، أن” توقعات التضخم الجديدة قد تم تعديلها بشكل كبير إلى 5.1% في عام 2022 و2.1% في عام 2023 و1.9% في عام 2024، ويرجع هذا بشكل رئيسي إلى ارتفاع أسعار الطاقة”.
وأشارت لاغارد إلى أنه من المتوقع أن تظل أسعار المواد الغذائية مرتفعة كما أن المعادن والطاقة “قد تتأثر بشدة أيضاً بالصراع نظراً لدور روسيا وأوكرانيا في الإمدادات العالمية لهذه السلع” حسب قولها. مضيفة أن الارتفاع يرجع أيضاً إلى “ارتفاع أسعار السلع الأساسية والزيادات غير العادية في أسعار الغاز والكهرباء، والتي تمثل نحو 90٪ من إجمالي تكاليف الطاقة في صناعة المواد الغذائية المصنعة وتشكل عاملا مهما في الإنتاج” حسب لاغارد.
الهيئات المعنية بالإنتاج الزراعي في فرنسا تدق ناقوس الخطر
دقت بعض الهيئات المعنية بالإنتاج الزراعي ناقوس الخطر، بسبب ارتفاع أسعار الطاقة حيث طالبت الرابطة الوطنية الفرنسية للمنتجات الغذائية (ANIA) الحكومة الفرنسية في وقت سابق من هذا الشهر بأن تقدم الدعم للقطاع الزراعي للتخفيف من تأثير الحرب الروسية على أوكرانيا على الأسعار والإمدادات.
واعترف متحدث باسم الاتحاد الأوروبي ليورونيوز أن “الأشهر المقبلة من المرجح أن تثير تحديات لنظامنا الغذائي الزراعي”. موضحا “في هذه المرحلة، لا يوجد تهديد مباشر للأمن الغذائي في الاتحاد الأوروبي حيث إن التكتل منتج كبير ومصدر أيضا للحبوب” مضيفا “يكمن التأثير المباشر في زيادة التكاليف في جميع أنحاء سلسلة الإمداد الغذائي” وتابع “على المدى القصير، يأتي التحدي بسبب زيادة أسعار تكاليف الطاقة والأسمدة والأعلاف وتأثير زيادة أسعار المواد الغذائية على المواطنين وعلى المدى المتوسط ، نحتاج إلى زراعة مستدامة ومنتجة ومرنة لمواجهة التحديات القادمة” وفق قوله.
تعمل المفوضية الأوروبية حاليًا على تحديد التدابيرالمستقبلية التي يمكن تنفيذها لبناء استرتيجية صلبة وواضحة المعالم لمواجهة تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا على الأمن الغذائي. سوف يتم الكشف عن الاستراتيجية الأوروبية الخاصة بالأمن الغذائي غدا الأربعاء الـ23 من آذار/مارس 2022. (EURONEWS)
[ads3]