نموذج أولي ” للحنجرة الاصطناعية ” يعيد أصوات الناجين من مرض السرطان إلى طبيعته

رغم تقاعده، ما زال هيروكازو أوغيتسو، المدير التنفيذي السابق لعلامات الموضة التجارية، البالغ من العمر 60 عامًا، يرتدي أزياء تعكس موقفًا، حتى عندما لا يستطيع قوله بصوته.

وقال أوغيتسو: “لقد أصبت بسرطان المريء العنقي، وفقدت صوتي منذ حوالي 10 سنوات، وتعافيت على نحو سلس”، مضيفًا أنّ “المرض عاد إليّ منذ قرابة عامين، وفقدت القدرة على التحدّث من دون جهاز”.

وخضع أوغيتسو لعملية استئصال الحنجرة، التي بموجبها يتم استئصال الحنجرة بالكامل أو جزء منها. وهذا الإجراء يمكن أن يكون جزءًا من علاج سرطانات الحنجرة، التي تؤثر على أكثر من 184 ألف شخص في العالم سنويًا، بحسب منظمة الصحة العالمية.

وحاليًا، يُمضي أوغيتسو وقته متطوعًا مع مجموعة جينريكاي لدعم استئصال الحنجرة في العاصمة اليابانية طوكيو، حيث يساعد الناس على النطق مجددًا من خلال استخدام جهاز للكلام يُطلق عليه اسم الحنجرة الكهربائية.

والحنجرة الكهربائية التقليدية عبارة عن جهاز بحجم الشفرة يتم تثبيته على الرقبة، ويُحدث اهتزازات بموجبها ينتقل الصوت من خلال حركة اللسان والشفتين. ولكن لم يطرأ الكثير من التحسينات على جودة الصوت ووظائفه منذ اختراع هذا الجهاز قبل أكثر من 100 عام.

وبعد الاستماع إلى معاناة أعضاء المجموعة، قرر المهندس الشاب ماساكي تاكوشي ابتكار جهاز جديد وأفضل.

وعام 2019، طوّر تاكوشي مع عدد من طلاب الدراسات العليا في جامعة طوكيو جهاز “Syrinx”، وهو عبارة عن حنجرة كهربائية للتعلم الآلي من دون استخدام اليدين.

وقال تاكوشي لشبكة “سي إن إن”، إنّ “المرضى أعربوا عن رغبتهم بالتحدث في الأماكن العامة من دون أي إزعاج أو إحراج”، مضيفًا: “لذلك تمّ إطلاق هذا المشروع للعمل على جهاز جيّد يحقق ذلك”.

وبالنسبة إلى المرضى الذين فقدوا قدرتهم على التحدث بعد استئصال الحنجرة، تتواجد أمامهم حاليًا ثلاثة خيارات لإعادة تأهيل النطق، بحسب إيفون كناب، اختصاصية أمراض النطق واللغة بكلية الطب بجامعة ويل كورنيل في مدينة نيويورك الأمريكية.

والخيار الأول هو الحنجرة الكهربائية التقليدية، التي يستخدمها أوغيتسو حاليًا، بينما الثاني يتمثل بتقنية الكلام المريئي، والتي يتم من خلالها ابتلاع الهواء إلى داخل المريء ثم دفعه، ما يُحدث اهتزازات في الحلق تتحول إلى كلام بعد ذلك. وأوضحت كناب أنّ هذه هي أقدم خيارات استعادة الصوت وأصعبها، مضيفة أنّ أقل من 40٪ من المرضى يمكنهم النجاح بذلك، و5٪ فقط لديهم إلمام بهذه التقنية.

أما خيار إعادة تأهيل النطق الثالث، والأكثر شيوعًا بحسب كناب، فهو الثقب الرغامي المريئي أو TEP، الذي يتم من خلال تدخل جراحي يُحدث ثقبًا صغيرًا بين القصبة الهوائية والمريء، ما يسمح بإدخال طرف اصطناعي يمر عبره الهواء الآتي من رئتيك، ويهز عضلات الحلق للكلام.

وأوضحت كناب التي عملت مع الأشخاص الذين خضعوا لاستئصال الحنجرة مدة 26 عامًا، إنّ TEP أسهل بكثير من الكلام المريئي، و “أفضل بكثير من جودة الصوت الصادر عن الحنجرة الكهربائية”.

ورغم ذلك، لا يمكن لكل مريض الخضوع لإجراء الثقب المريئي الرغامي، وهؤلاء قد تكون أجهزة الكلام المساعدة مثل الحنجرة الكهربائية خيارًا جيدًا لهم لاستعادة الصوت. لكن الأجهزة تنتج كلامًا طابعه رتيبًا وغير طبيعي، وقد يصعب استخدامها. وأشار أوغيتسو إلى أنه لا يمكنه استخدام يديه بحرية مع الحنجرة الكهربائية التقليدية.

ولفتت كناب إلى أنّ “مشكلة الحنجرة الكهربائية آلية للغاية”، مشيرةً إلى أن الناس “لا يحبونها ويميلون إلى عدم استخدامها مجدّدًا”.
حنجرة كهربائية صوتها مؤنسن أكثر

ويتمثل الاختلاف الرئيسي بين الحنجرة الكهربائية التقليدية و”Syrinx” بالصوت الذي يصدره جهاز تاكوشي.

وقال إنّ “الأجهزة التقليدية تستخدم موجات النبض، التي يمكن أن تنتج صوتًا عاليًا، لا يشبه الصوت البشري، وتُعتبر أكثر آلية وميكانيكية. لذلك، استخدمنا التسجيلات البشرية وعالجناها بهدف إنتاج أصوات شبيهة بالصوت البشري”.

وإلى ذلك، تحتوي الحنجرة الكهربائية التقليدية على محول واحد، وهو عبارة عن هزاز كهروميكانيكي ينتج صوتًا، فيما يحتوي جهاز “Syrinx” على محوّلين، الأمر الذي يولّد نطاقًا أوسع من تردّدات الموجات الصوتية التي في وسع المستخدم تحويلها إلى كلام من خلال مفاصل اللسان والشفتين.

وقال تاشوكي إنّ هذين المكوّنين معًا ينتجان صوتًا أقرب إلى الصوت الطبيعي، لكن الجهاز لا يزال في مرحلة النموذج الأولي، وتخضع التقنية لتطوير دائم.

وأوضح أنّ استخدامهم “للذكاء الاصطناعي اقتصر على الأيام الأولى فقط، لكننا تخلينا عنه حاليًا”، مشيرًا إلى أنهم “في المستقبل القريب نرغب الاستعانة بالذكاء الاصطناعي بغية إنتاج أصوات شبيهة بأصوات البشر”.

وقال تاكوشي إنه يمكن تضمين الجهاز تسجيلات صوتية قديمة للمستخدم، إذا توافرت، لتشبه أكثر صوتهم السابق، ويُعتبر هذا خاصية مهمة للعديد من المرضى.

ولفتت كناب إلى أنّ أصواتنا مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بهويتنا.

كجزء من البحث والتطوير للجهاز، يتم اختبار “Syrinx” باستمرار من قبل أعضاء مجموعة جينريكاي.

واختبر تاكاشي سوجياما، 75 عامًا، الناجي من سرطان المريء العنقي الأجهزة حوالي سبع مرات. وقال إنه ما برح الصوت ميكانيكيًا للغاية، لكن هذا التقدم أنجز بمرور الوقت. أثناء اختباره الأخير، إذ أوضح أن الصوت أكثر وضوحًا ويسهل استخدام الجهاز.

أما أوغيتسو الذي يختبر الجهاز مرة واحدة شهريًا، فيرغب في أن تكون أحزمة “Syrinx” أكثر مرونة لتناسب حلقه بشكل أفضل.

ورغم أنّ كناب لم تر الجهاز قيد الاستخدام شخصيًا، إلا أنها قالت إنه قد يكون أكثر عمقًا قليلاً من الحنجرة الكهربائية التقليدية، ومظهره مختلفًا تمامًا عما نجده في السوق حاليًا.

وقد بدأ الجهاز يكتسب عمليًا اعترافًا في آسيا، مع فوز “Syrinx” بجائزة “2021 Grand Prix” في مسابقة “Japan Healthcare Business Contest” و “Microsoft Imagine Cup Asia Regional” عام 2020. ويرغب تاكوشي بتوزيع منتجه عالميًا واختباره في الولايات المتحدة.

ويأخذ تاكوشي حاليًا تعليقات مجموعة جينريكاي على الجهاز في الاعتبار لتفاديها في نسخ الجهاز المستقبلية.

ويأمل تاكوشي أن يجتاز جهازه معايير الفحص الصارمة المطلوبة للتجارب السريرية وطرح “Syrinx” في السوق في العقد المقبل.[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها