آثار الحرب الروسية تمتد إلى محال البقالة في ألمانيا

تسجل أسعار السلع الغذائية في ألمانيا قفزات قياسية، في ظل ارتفاع تكاليف الطاقة ونقص الواردات من روسيا وأوكرانيا في ظل الحرب المشتعلة، فيما يتوقع خبراء اقتصاد المزيد من الغلاء حال حظر صادرات الطاقة الروسية.

وارتفعت أسعار المستهلكين (التضخم) على أساس سنوي في مارس/آذار الماضي إلى 7.3%، إذ صعدت تكاليف البقالة بشكل لافت، ومنها الدهون وزيت الطعام بنسبة 17.2% والخضروات الطازجة 14.8%، مسجلة أعلى مستوياتها في نحو 40 عاماً، فضلا عن نقص المعروض من بعض السلع في الأسواق.

ومن أولى القطاعات التي تأثرت بارتفاعات الأسعار ونقص المنتجات، محال المخبوزات والحلويات، التي تستهلك كميات الطحين والزيت والبيض والمواد الخام الأخرى. ووصل سعر كعكة الخبز إلى 40 سنتاً، بعد أن كانت تكلفتها 5 سنتات ومبيعها بين 15 و20 سنتاً.

وبالإضافة إلى أسعار الدقيق، تلعب تكاليف الإنتاج الأخرى من أسعار الطاقة المرتفعة دوراً أساسياً في الزيادات لأن معدات التصنيع والثلاجات والآلات الأخرى في المخابز تستهلك الكثير من الطاقة التي زادت تكاليفها بشكل حاد، وسط توقعات بزيادات أكبر في ظل التوجه لرفع أجور العمال والموظفين لمواكبة الغلاء، ما يعني إضافة أعباء هذه الزيادات في الأجور إلى تكاليف المنتجين.

وفي مقابلة مع صحيفة هاندلسبلات، قبل يومين، قال المدير العام لجمعية صناعة الألبان أكهارد هويزر، إن آثار الحرب الروسية في أوكرانيا والعقوبات ضد موسكو انعكست على الصناعة، مشيرا إلى زيادة الأسعار بنسبة 30%، فضلا عن انخفاض المعروض من الحليب والزبدة ومشتقاتها، بينما يقبل المستهلكون على شراء غير اعتيادي من محال التجزئة خوفاً من حدوث زيادات إضافية في الأسعار.

ولفت هويزر، إلى أن أضرار الإمدادات طاولت الأعلاف، مشيرا إلى أن منتجي الحليب يعتمدون على الأعلاف التي تدخل في مكوناتها الذرة، بينما هناك شحنات عالقة في موانئ البحر الأسود، فيما يتوقع أن ينخفض محصول هذا النوع من الحبوب في أوكرانيا بنحو 40% هذا العام، ولهذا السبب فان أسعار العلف والأسمدة قد ارتفعت بالفعل بشكل حاد.

وأضاف أنه في ظل ارتفاع أسعار الطاقة بشكل كبير، باتت التكلفة جد مرتفعة، لأن الحليب يحتاج إلى التسخين في عمليات التصنيع، ومن ثم تبريد المنتجات قبل نقلها لمحلات البيع بالتجزئة، مشيرا إلى أن ما بين 70% و80% من متطلبات الطاقة لصناعة الألبان اختلفت عما كانت عليه خلال العشرين عاماً الماضية، بعد أن استبدلت أنظمة النفط القديمة بآلات تعتمد على الغاز الذي تضاعفت أسعاره خلال الأشهر القليلة الماضية.

وفي السياق، قال فولفغانغ شنيلبيشر، خبير المشتريات والمتخصص في إدارة سلسلة التوريد في مجموعة بوسطن الاستشارية في مدينة شتوتغارت، إن الزيادات في الأسعار تظهر على شكل موجات، ومن المحتمل أن تظهر الموجات التالية في الأسابيع الأربعة المقبلة، وقد يستمر هذا الوضع إلى قرابة العام.

وحذر شنيلبيشر مما وصفها بـ”دوامة الأسعار والأجور”، موضحا أنه “نظراً للتضخم المرتفع يمتلك رواد الأعمال أموالاً أقل ومع ذلك ستكون هناك مطالب بأجور أعلى، وهو أمر واضح تماماً، وهذا الوضع صعب بالنسبة للشركات التي لا تعرف مقدار الأرباح التي ستجنيها، وبالتالي ستواجه صعوبات في زيادة الأجور وفي نفس الوقت يعاني العمال من انخفاض القوة الشرائية”.

وتابع أن “الوضع حالياً أكثر تقلباً وحتى إذا انتهت الحرب قريبا، فسوف يستغرق الأمر عاماً على الأقل حتى تصل التأثيرات إلى المستهلكين”.

وفي سياق متصل، أشارت شبكة “ان تي في” الإخبارية أخيراً إلى أن حرب أوكرانيا تهدد الأمن الغذائي، بعدما منعت الحرب تماما تصدير المنتجات الزراعية الأوكرانية من البحر الأسود وصعوبة محاولات التصدير عن طريق السكك الحديدية، فضلا عن شح الأسمدة اللازمة للزراعة في ألمانيا.

هذا الواقع، لفت إليه عبر الشبكة نفسها خبراء في السوق الزراعية، محذرين من حدوث ندرة الأسمدة عالمياً هذا العام وارتفاع أسعارها ما يساهم في صعود أسعار المواد الغذائية في النهاية.

وأشار سفين هارتمان، رئيس تغذية النباتات في جمعية الصناعات الزراعية في فرانكفورت، إلى ارتفاع أسعار الغاز الذي يشكل ما بين 80% إلى 90% من تكاليف إنتاج الأسمدة النيتروجينية الضرورية لنمو النبات، مضيفا أن أسعار الفوسفات والبوتاس المهمين لتكوين الجذور ونموها، ارتفعا بأكثر من ثلاثة أضعاف ما سينعكس على تكاليف شركات الأغذية.

هذا المنحى شدد عليه أيضاً، شروتي كاشياب، كبير محللي النيتروجين في معهد الأبحاث المتخصصة في أسواق السلع العالمية “أس آر يو” في لندن، مشيرا في تصريح لشبكة “ان تي في” الإخبارية، إلى أن روسيا تلعب دوراً مزدوجا في السوق العالمية كمورد مهم لكل من الغاز الطبيعي والأسمدة النيتروجينية والفوسفات والبوتاس.

والأخطر من ذلك هو إعلان كبرى الشركات المصنعة للأسمدة النمساوية “بورياليس” أخيرا أنها خفضت إنتاجها مؤقتاً، وفقا لمتحدث باسم الشركة في فيينا، لافتا إلى أنه قد يتم النظر في إغلاق المصنع لأسباب اقتصادية مع الارتفاع السريع في أسعار الطاقة.

وتمتد آثار الصدمة في تصنيع الأغذية إلى قطاع الفنادق والمطاعم أيضا الذي أضحى يعاني من زيادة تكاليف المواد الأولية، حيث أشارت تقارير محلية إلى أن الكيانات العاملة في القطاع اضطرت إلى زيادة الأسعار، لكي تتمكن من تغطية تكاليف التشغيل.

وما يعقّد وضع القطاع أن الحكومة تعتزم رفع ضريبة القيمة المضافة لخدمات المطاعم والتموين إلى 19% مجدداً بعد أن كانت خفضتها إلى 7% منذ يونيو/حزيران 2020 بسبب جائحة فيروس كورونا.

وفي ظل المخاوف من تعرض الكيانات العاملة في هذا القطاع لأضرار كبيرة، طالب العاملون في المجال، وزير المالية الاتحادية كريستيان ليندنر، بالإبقاء على تخفيض ضريبة القيمة المضافة إلى أجل غير مسمى، نظراً للصعوبات الحالية.[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها