ألمانيا تفضح الصين بوثائق “ رحلة عبر أرض الخداع ”
وصلت المفوضة السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة ميشيل باشيليت إلى الصين، الثلاثاء الماضي، للتحقيق في التهم التي تلاحق نظامها، بممارسة التطهير العرقي والإبادة الجماعية ضد المسلمين الإيغور والقازاق، وانتهاك حقوق الناشطين والجماعات العرقية في التبت ومنغوليا الداخلية.
عارضت 18 دولة و40 منظمة دولية مهمة باشيليت، خوفا من توظيف الحكومة الصينية براعتها، في تجهيز مسرح الزيارة، ودفع موالين لها إلى مقابلة المسؤولة واستغلال ذلك في تبرئة بيجين من ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وشاءت الأقدار أن تظهر الحقيقة، فضيحة مدوية من حيث لا يتوقع الجميع.
انفردت مجلة (دير شبيجل) الألمانية بأخطر تقرير مصور وموثق من سجلات السلطات الصينية ذاتها، عن أعمال القمع الوحشي الذي تمارسه ضد الإيغور، في يوم الزيارة ذاته. تدعي بيجين أن كل شيء على ما يرام، أو كما قال الرئيس الصيني، يوم الأربعاء الماضي، للمسؤولة الدولية “نرفض النقد الخارجي، ونعتبره تدخلا في شؤوننا الداخلية، فتحسين حياة الناس وانتشالهم من الفقر، أهم حق من حقوق الإنسان، فلا توجد يوتوبيا مثالية، ولسنا بحاجة إلى سادة يملون رؤيتهم علينا”.
ملفات تعذيب الإيغور
تكلم شي جين بينغ بعنجهيته المعهودة، حول القمع الصيني، مع باشيليت، في الوقت الذي كانت “ملفات بوليس شينجيانغ” تتدفق على شبكات الإنترنت، تضم 2884 صورة و300 ألف سجل لأطفال وشيوخ ونساء وقاصرات، و23 ألف وثيقة وفيديوهات التعذيب التي صورتها الشرطة الصينية، داخل 10 معسكرات اعتقال، احتجز فيها نحو مليوني مسلم، خلال عامي 2017 و2018، بضواحي مدينة كاشجر عاصمة شينجيانغ (تركستان الشرقية). تبين الوثائق التي نشرت بالمجلة الألمانية بعنوان “رحلة عبر أرض الخداع” أنها بيانات بيومترية لكل معتقل، تحتوي على صورهم ورقم الهوية وصحيفة البيانات الشخصية، لأعداد يمثلون 12.1% من جميع البالغين بالإقليم.
يكشف التقرير الذي كتبه مدير مكتب المجلة في بيجين (جورج فاهريون) أن الوثائق خضعت لإجراءات مشددة للتحقق من صحتها، من فريق بحثي بقيادة عالم الأنثربولوجي الدكتور أدريان زينز، الذي تولى تصنيفها وترقيمها قبل إتاحتها على موقع “ملفات بوليس شينيجيانغ” www.xinjiangpolicefiles.org.
تدحض الوثائق -التي حللتها دير شبيجل وبايريشر روندفونك مع 12 مؤسسة إعلامية دولية- رواية الحكومة الصينية، بأن المعسكرات التي أقيمت بمناطق الإيغور، مراكز للتدريب المهني، ينزل بها الناس طواعية. يشير خطاب باللغة الصينية، لأمين الحزب الشيوعي في شينيجانغ، طلبه عام 2017 “إطلاق النار على أي سجين يحاول الهرب ولو على بعد خطوات قليلة من المعسكر”. تتضمن الصور وضع أقنعة سوداء على رؤوس المعتقلين، وهراوات خشبية خلف أعناقهم، واحتجاز آخرين بالعنف.
الموت على “كرسي النمر”
تبيّن الصور لوحات التعليمات الأمنية المفصلة للمعسكر، ووحدات الشرطة الخاصة، التي تحمل أسلحة هجومية عسكرية، وتبيّن الحراس وهم يقيدون أيدي المحتجزين بالقيود الحديدية، ويصفعونهم أثناء التدريبات الأمنية في المعسكرات. وتظهر آلاف الصور لمعتقلين، وكأنهم مجرمون، التقطها السلطات أو تحت إشرافها، لدقتها العالية، وتسجيلات حُفظت من قِبل المسؤولين، للاستخدام الداخلي في المعسكرات، لما يحدث خلف الجدران، لسجناء مصابين وأخرى لرجل يجلس على كرسي تعذيب يُعرف باسم جهاز “كرسي النمر” يُربط الشخص فوقه، من يديه ورجليه، ويظل تحت الضوء الساطع لأيام، ويُضرب وفوق رأسه قناع، لإيهامه بالموت، حتى تحصل الشرطة على اعترافات منه، تحت القمع والتزوير.
حصل عالم الأنثروبولجيا الألماني أدريان زينز، على معلومات تتعلق بالاعتقال الجماعي للإيغور من قبل، ينشرها ضمن دراسات وموقع “مؤسسة ضحايا الشيوعية التذكارية” في واشنطن، ولكن هذه المرة جاءته الملفات من متسلل، اخترق أنظمة الكمبيوتر لسلطات الأمن الصينية. لذلك تحاول الصين تعطيل جميع المواقع التي تنشر هذه الملفات، وهو ما عانيت منه أثناء ترجمة أجزاء منها نهاية الأسبوع الماضي. ووضعت المؤسسة المستندات القنبلة على موقعها، باعتبارها أهم تسريب لوثائق داخلية تدين قادة الحزب الشيوعي وشرطة شينجيانغ مباشرة، لاحتوائها على تفاصيل جرائم واسعة النطاق داخل نظام المعتقلات، التي كانت تنفي الصين وجودها تماما، ثم تراجعت عام 2020، واعترفت بأنها معسكرات للتأهيل تنتصر لـ”حركة تحرير الفكر التي تطهر شينجيانغ من المتطرفين الدينيين المارقين، وتلقي بهم في مقبرة التاريخ، وإنقاذ الأطفال من كآبة التلقين الديني في المدارس القرآنية”.
أوامر الرئيس بالقمع
هكذا يفخر الحزب الشيوعي بدوره في اقتلاع الإسلام من الصين وقلوب المسلمين الإيغور، ويعتبرهم جميعا متطرفين، ويدفعهم إلى العيش في ظل أجواء الخوف والترهيب، بما يمنعهم من ممارسة شعائرهم، ويزيل حروفهم العربية، ويحرّم عليهم استخدام لغتهم الأم. أصبحت باحات المساجد حانات للخمور والعربدة يديرها “الهان” ويطلق عليها “حلم كاشجر” التي كانت تنتشر حولها 20 ألف مسجد، فأصبحت الحياة بداخلها “الحلم الكابوس”.
تحتوي الملفات على خطابات صريحة بالقمع، من أمين الحزب الشيوعي (تشن كوانغ فو) الذي أدار المنطقة منذ عام 2016 إلى عام 2021، بعد أن نجح في قمع منطقة التبت، بمطالبته الشرطة أن تعامل جميع الإيغور بأنهم “مجرمون خطرون”، لضمان عدم هروبهم من معسكرات الاعتقال أو الاقتراب منها، ويتحقيق الاستقرار. ونص خطاب سري ألقاه وزير الأمن العام الصيني، بمسؤولية الرئيس شي جين بينغ مباشرة، عن “صدور أوامر بتزويد مرافق الاحتجاز المكتظة في شيجنيانغ بمزيد من الحراس والمال، وتوسيع نظام السجون والاحتجاز”.
العرب وإرهاب الدولة
تؤكد الملفات ما ذكره كثير من الباحثين والصحفيين الذين تسللوا إلى المنطقة، خلال السنوات الماضية، بأن الصين تزيل المساجد، وتكتفي بقليل منها، لا يدخلها المرء من دون تصريح وكشف أمني، يفحص الهوية وقاع العين، تمارس إرهاب الدولة مع المسلمين، وتتهم أي ملتزم بدينه بأنه يمارس الإرهاب.
جاء الغوث للمسلمين الإيغور من ألمانيا الصديقة الحميمة لها في أوربا، فقررت حكومة برلين رسميا، إعادة النظر في علاقاتها بالصين من جديد، بينما المسلمون والعرب يتقربون إليها بالمزيد من الولاء السياسي وتقوية العلاقات متجاهلين دماء الأبرياء! (aljazeera)[ads3]