فاينينشال تايمز : ألمانيا تسابق الزمن لتقليص اعتمادها على الغاز الروسي
على ضفاف نهر إلبه شمالي ألمانيا يوجد بستان صغير تغطيه النباتات وتحوم حوله طيور النورس. في هذا البستان يكمن الحل لمستقبل الطاقة في البلاد.
ستتم إزالة البستان القريب من مدينة شتادة قريبا من أجل إفساح المجال لبناء محطة للغاز الطبيعي المسال بتكلفة مليار يورو، وهي واحدة من ثلاث محطات مخطط لبنائها من شأنها أن تساعد ألمانيا على تقليص اعتمادها على الغاز الروسي.
يورغ شميتز، كبير مديري مشروع الغاز الطبيعي المسال في مجموعة المواد الكيميائية، داو جيرماني، وصف الموقع بأنه “مثالي”، مشيرا إلى الامتداد الواسع لنهر إلبه وبحر الشمال غربا وميناء هامبورج إلى الشرق منه، وهو أكبر ميناء في ألمانيا.
إذا تحققت رؤية شميتز، ستصبح مدينة شتادة مركزا عالميا لتجارة الغاز الطبيعي المسال، الذي يتم تبريده إلى 160 درجة مئوية تحت الصفر حتى يصبح من الممكن شحنه حول العالم على متن الناقلات. قال شميتز، “إذا سارت الأمور وفقا للمخطط، سنرى نحو 100 ناقلة ترسو هنا سنويا، حتى بحجم ناقلة كيو-ماكس”، إشارة إلى أكبر ناقلات الغاز الطبيعي المسال في العالم، التي يزيد طول الواحدة منها على ثلاثة ملاعب كرة قدم.
تقف مدينة شتادة في طليعة ثورة الطاقة الألمانية. فبعد أيام قليلة من اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، أعلن المستشار الألماني، أولاف شولتز، خططا للحد من اعتماد بلاده على الطاقة الروسية بشكل جذري. سيكون الغاز الطبيعي المسال مهما في خطة خفض واردات الغاز الطبيعي من روسيا من 55 في المائة إلى 10 في المائة بحلول صيف 2024.
لكن هذا التحول لا يخلو من التحديات. فاندفاع ألمانيا أخيرا تجاه الغاز يمكن أن يتعارض مع التزامها بتحقيق صافي انبعاثات كربونية صفرية بحلول 2045. وقد تواجه أيضا صعوبة في تأمين كل الغاز الطبيعي المسال الذي تحتاج إليه.
قال فرانك هاريس، الخبير في شؤون الوقود في شركة وود ماكينزي لاستشارات الطاقة، “سؤال المليون دولار هو ما إذا كان بإمكانهم العثور على ما يكفي من الغاز الطبيعي المسال. سيكون هناك قليل من المعروض الجديد نسبيا خلال العامين أو الثلاثة المقبلة”.
هذا التحول في السياسة يحدث بسرعة غير معتادة بالنسبة إلى ألمانيا. ففي الأسابيع التي أعقبت خطاب شولز في أواخر شباط (فبراير)، سارعت الحكومة إلى استئجار أربع سفن متخصصة تعرف بالوحدات العائمة للتخزين وإعادة تحويل الغاز المسال إلى غازFSRU – وهي ناقلات مزودة بأجهزة حرارية تستخدم مياه البحر لتحويل الغاز الطبيعي المسال إلى غاز مرة أخرى.
أولى هذه الوحدات ستبدأ العمل في فيليلمسهافن على بحر الشمال هذا العام. وستعمل على سد الفجوة إلى أن يتم تشغيل المحطات الدائمة. حتى الآن تم تحديد ثلاثة مواقع محتملة لتلك الوحدات – في شتادة، بالقرب من برونسبوتل، والموجودة على نهر إلبة، وفيليلمسهافن.
كانت مجموعة داو تعمل على بناء محطة غاز في المنطقة على مدى الأعوام الخمسة الماضية. قال شميتز، “كانت الفكرة هي أن إمدادات الغاز يجب تنويعها وعدم السماح لأنفسنا بالاعتماد بشكل كبير على مصدر واحد”.
لقد كان استئجار أربع وحدات FSRU بهذه السرعة انقلابا بالنسبة إلى ألمانيا – كان عدد السفن المناسبة والمتاحة قليلا جدا. لكن العثور على سفن كان نصف المعركة فقط. قال أندرياس غمبالا، مدير الغاز الطبيعي المسال في شركة يونيبر الألمانية للطاقة، “التحدي الكبير هو ملء هذه السعة بالغاز الطبيعي المسال، وسيكون ذلك صعبا بسبب شح الموارد في السوق”.
من المفارقات أن أكبر مصدر للإمدادات الجديدة المتوقعة خلال العامين أو الثلاثة المقبلة هو روسيا – مشروع القطب الشمالي للغاز الطبيعي المسال 2 في شبه جزيرة غيدان شمالي سيبيريا. قال هاريس إن هذا يبدو “تحديا كبيرا الآن”، ويرجع ذلك بدرجة كبيرة إلى العقوبات التي حدت من قدرة روسيا على الحصول على التمويل والتكنولوجيا اللازمة، في حين أن بعض المشترين الغربيين قد لا يشترون الغاز من هذا المشروع.
يمكن أن تثبت قطر أنها ستصبح مصدرا كبيرا للغاز الطبيعي المسال لألمانيا، ومن المقرر أن يرتفع إنتاجها من هذا الوقود 60 في المائة بحلول منتصف العقد. غير أن 90 إلى 95 في المائة من إنتاجها الحالي قد تم بيعه بالفعل بموجب عقود طويلة الأجل.
يعكس هذا مشكلة أخرى تواجهها برلين – عادة ما تكون عقود الغاز الطبيعي المسال طويلة الأجل. لكن بعد أن تعهدت ألمانيا بأن تصبح خالية من الكربون بحلول 2045، قد يجعل ذلك الحكومة مترددة في الالتزام باستيراد الوقود الأحفوري لمدة 20 عاما أخرى أو أكثر.
قال هاريس، “ألمانيا تقول نريد كل هذا الغاز الطبيعي المسال، لكننا نريد أيضا تسريع تحولنا عن استخدام الوقود الأحفوري، بما في ذلك الغاز”. أضاف، “إنها رسالة مختلطة”.
إضافة إلى ذلك، كثير من الغاز الطبيعي المسال الذي تفكر فيه برلين مرتبط بمؤشرات أسعار النفط، أو إذا كان قادما من الولايات المتحدة، فسيكون ارتباطه بمعيار هنري هب، وهو المعيار الأمريكي للغاز، الذي يمكن أن يكون في بعض الأحيان أعلى من نقطة “تي تي إف” الهولندية الافتراضية، وهي المؤشر الأوروبي. وهذا يعرض المشترين لمخاطر الخسائر المالية. قال غمبالا مثل هذه العقود “لا تتوافق مع طريقة تسعيرنا للغاز في أوروبا”.
لهذا السبب، كما قال هاريس، قد يفضل كبار منتجي الغاز الطبيعي المسال مثل قطر إبرام صفقات مع الدول الآسيوية التي لديها مخاوف أقل بشأن توقيع عقود مدتها 20 عاما، التي تشعر براحة أكبر مع أسعار النفط المرتبطة بالمؤشرات.
روبرت هابيك، وزير الاقتصاد الأخضر، جسد المعضلة التي تواجهها ألمانيا. سافر إلى قطر والإمارات لمناقشة التعاون في مجال الطاقة، والإشراف على بدء إنشاء أول محطة عائمة للغاز الطبيعي المسال في فيليلمسهافن في أوائل أيار (مايو).
لكنه حذر أيضا من مخاطر أن تعلق ألمانيا ببنية تحتية بتكلفة باهظة الثمن يمكن أن تجبرها على الاعتماد على الوقود الأحفوري.
قال في أواخر الشهر الماضي، “على المدى القصير، نجحنا كثيرا في تحويل اعتمادنا على الغاز الروسي، لكن علينا التأكد من أننا لن نبالغ في ذلك”. أضاف، “لا نريد أن نقضي 30 أو 40 عاما في بناء صناعة غاز طبيعي على مستوى عالمي لن نعود بحاجة إليها بعد ذلك”.
لكن تيم كيلر، العضو المنتدب لشركة زوكونفت غاس التجارية، لا يرى مشكلة في التوجهات الوشيكة لبناء البنية التحتية للغاز، سيتم تصميم المحطات الجديدة للتعامل أيضا مع “الهيدروجين الأخضر”، وهو وقود منخفض الكربون أو خال منه تماما. قال، “إنها ستكون جسرا إلى مستقبل لا نستورد فيه الغاز على شكل غاز طبيعي مسال، لكن بدلا من ذلك سنستورد الهيدروجين على شكل أمونيا”.
بالنسبة إلى شميتز، من مجموعة داو، حماس برلين المفاجئ للغاز الطبيعي المسال هو أمر وقائي. قال، “لطالما كانت خطة بناء المحطات منطقية من الناحية التجارية. لكن الآن أصبحت لها أهمية جيوسياسية أيضا”.[ads3]