تقرير : ألمانيا تخوض معركة شاقة لمواجهة أزمة طاقة خطيرة

“الغاز في ألمانيا أصبح سلعة نادرة”؛ يختصر هذا التصريح لوزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك، واقع قطاع الطاقة في بلاده، وسط تقليص إمدادات الغاز الروسي لها عبر خط نورد ستريم 1.

هابيك وصف مؤخرا أزمة الطاقة الحالية في بلاده بأنها “خطيرة”، حيث تستعد برلين لإجراءات جديدة لتعويض إمدادات الغاز الروسي، عبر إعادة تشغيل محطات الفحم، وتوفير التمويل اللازم لتأمين الغاز للشتاء المقبل.

وصرح الوزير لشبكة ZDF التلفزيونية الألمانية، خلال وقت سابق من الأسبوع الماضي، أن “تأمين الإمدادات من الغاز مضمون حاليا، لكن الوضع خطير”.

وعادت ألمانيا إلى تشغيل إحدى المحطات الضخمة العاملة بالفحم، وسط هجرة عكسية إلى عصر الفحم من جانب دول أوروبية مثل النمسا وفرنسا.

وأضاف هابيك: “إعادة استخدام الفحم أمر مرير لكنه ضروري.. يجب أن نفعل، وسنفعل كل ما في وسعنا لتخزين أكبر قدر ممكن من الغاز في الصيف والخريف”.

و أعرب توماس دبليو أودونيل، خبير الطاقة البارز المقيم في برلين، عن شكوكه الجدية بشأن ما إذا كان لدى ألمانيا ما يكفي من الغاز للشتاء المقبل.

وقال أودونيل للأناضول: “يبدو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مستعد لقطع الغاز، حيث قطع إلى الآن 60 بالمئة من الغاز القادم عبر خط الأنابيب نورد ستريم 1”.

وأضاف أنه إذا انقطع الغاز تماما، أو استمر عند المستوى الحالي، فإن هناك “تساؤلات جادة” حول توفر ما يكفي من الغاز لهذا الشتاء.

وأضاف أودونيل، الذي يعمل محاضرا في جامعة “برلين الحرة”: “ليس لدى ألمانيا أو أوروبا بشكل عام طريقة لاستبدال الغاز الطبيعي بسرعة”.

وتابع: “لا يستخدم الغاز الطبيعي في ألمانيا كثيرا لإنتاج الكهرباء، الذي يستهلك حوالي 15 بالمئة فقط من الغاز في البلاد، لكن الاستخدام الرئيسي يتركز في الصناعة وتدفئة المنازل”.

وأردف: “يتعين عليهم (الحكومة الألمانية) الاختيار، ومن الواضح أنهم سيختارون قطع الغاز عن مجال الصناعة الذي يوفر الوظائف”.

أما كلوديا كيمفرت، الباحثة في المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية (DIW) في برلين، قالت لشبكة الإذاعة والتلفزيون السويسرية (SFR) إنه “يجب أن نقول بوضوح إننا في وسط أزمة طاقة في أوروبا كلها، فما زلنا نعتمد بشدة على الغاز الروسي”.

وأضافت: “في الأسابيع القليلة الماضية، تمكنت بعض الدول من الحصول على الغاز من بلدان أخرى، وأصبحت المخازن نصف ممتلئة”.

وتابعت القول: “يتعين علينا الآن ملء الخزانات بشكل أكبر (استعدادا) لفصل الشتاء، والقيام بالمزيد لتوفير الطاقة.. الوضع خطير للغاية”.

تعمل ألمانيا على خفض اعتمادها على روسيا في مجال الطاقة، منذ بدء تدخل الأخيرة عسكريا في أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط الماضي.

ووفقا لوزارة الاقتصاد الألمانية، فإن هناك تقدم كبير في “تنويع المصادر” خلال الأسابيع الأخيرة، خاصة في مجال النفط والفحم.

كما انخفض الاعتماد الألماني على النفط الروسي من حوالي 35 بالمئة العام الماضي إلى 12 بالمئة مؤخرا، وانخفضت حصة استيراد الغاز الروسي من 55 بالمئة إلى 35 بالمئة.

وبالنسبة للفحم، انخفض معدل استيراده من 50 بالمئة إلى حوالي 8 بالمئة فقط منذ بداية العام الجاري.

ومؤخرا، أصدر الاتحاد الأوروبي حظرا على استيراد الفحم الروسي، مع منح فترة انتقالية للتخلف من الفحم الروسي نهائيا.

وقال هابيك: “كل هذه الخطوات التي نتخذها تتطلب جهدا مشتركا هائلا من قبل جميع المعنيين، كما أنها تضيف تكاليف على الاقتصاد والمستهلكين”.

بينما تعتمد الحكومة الألمانية على الطاقات المتجددة، لتصبح مستقلة عن روسيا والوقود الأحفوري، يناقش بعض السياسيون وسائل توسيع الاعتماد على الطاقة النووية.

وتعمل في ألمانيا حاليا 3 محطات فقط للطاقة النووية، ومن المقرر إخراجها من شبكة الطاقة بحلول 31 ديسمبر/ كانون الأول من هذا العام، على أبعد تقدير.

ويؤيد رئيس وزراء ولاية بافاريا الألمانية، ماركوس زودر، التمديد المؤقت لاستخدام محطات الطاقة النووية.

وقال زودر لصحيفة “بيلد” الألمانية، إنه يجب تشغيل محطات الطاقة النووية المتبقية “على الأقل حتى بداية عام 2024”.

من ناحية أخرى، أعرب كل من هابيك ووزير البيئة في الحكومة الألمانية الاتحادية شتيفي ليمكه، عن معارضتهما لتمديد عمل المصانع الثلاثة.

من جانبه، أعرب المستشار الألماني أولاف شولتز عن شكوكه بشأن اعتبارات تمديد العمر التشغيلي لمحطات الطاقة النووية التي لا تزال مستخدمة في ألمانيا إلى ما بعد نهاية العام الجاري.

وشدد على الحاجة إلى “توسع أسرع” للطاقات المتجددة، وسط انخفاض إمدادات الغاز الروسي.

وقال شولتز في تصريحات صحفية: “هذا هو عام القرار الذي نضمن فيه، خلال أقصر وقت ممكن، أن ألمانيا لم تعد بحاجة لواردات الطاقة الأحفورية”.

وأكد أن ألمانيا “لن تشتري الفحم من روسيا اعتبارا من الخريف (المقبل)، ولن تشتري المزيد من النفط اعتبارا من نهاية العام 2022”.

وفي حين أن مسألة إنعاش الطاقة النووية ليس على جدول أعمال الحكومة حتى الآن، قررت ألمانيا زيادة الإنتاج في محطات توليد الطاقة التي تعمل بالفحم، بعد أن خفضت شركة “غازبروم” الروسية شحناتها إلى ألمانيا عبر خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 1”.

وانتقدت الحكومة الألمانية الإجراء الروسي ووصفته بأنه تحرك “سياسي”.​​​​​​​

وعلى الرغم من كل المعطيات الجديدة، ما تزال ألمانيا مصرة على خططها لإغلاق محطات توليد الطاقة التي تعمل بالفحم بحلول عام 2030. (Anadolu)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها