دويتشه فيله : ما أسباب تعاطف كثيرين في شرق ألمانيا مع روسيا ؟

حاول فولفغانغ فيسكوف، رئيس فرع الحزب المسيحي الديمقراطي في مدينة إيرفورت عاصمة ولاية تورينغين شرق ألمانيا، جاهدا إرسال رسالة مفادها: “ضرورة دعم أوكرانيا بكافة السبل”، وذلك خلال لقاء عقد مؤخرا مع أعضاء الحزب حيث شدد على أن العالم “بات على عتبة اندلاع حرب عالمية ثالثة”. ورغم الغموض حيال ما كان يعنيه، إلا أن هذا لم يكن محور الاجتماع الذي عُقد قرب ساحة الكاتدرائية في مدينة إيرفورت العريقة التي يعود تاريخها للقرون الوسطى.

ويبدو من حديث فيسكوف أنه كان يحاول أن ينأى بنفسه، لأن كافة الحضور كانوا يتطلعون لما سيصدر عن مارتن كومر، رئيس جمعية الصداقة الألمانية الروسية في تورينغن، وهو الرجل الذي كان موضع انتقادات حيث وصفه البعض بأنه يعطي بوتين المبررات.

وكان عنوان الاجتماع “غزو روسيا لأوكرانيا… ماذا الذي يجب علينا الاستعداد له”، فيما كان محور الحديث أهمية الحفاظ على روابط مع المجتمع المدني الروسي أثناء الحرب.

وانتقد كومر – البالغ من العمر 68 عاما وينتمي إلى الحزب المسيحي الديمقراطي وظل عمدة مدينة زول لأكثر من 16 عاما- الحرب، لكنه عارض إنهاء الشراكات مع البلدات الروسية.

ورغم توافقه مع نهج المستشار الألماني أولاف شولتس المتمثل في فرض عقوبات على روسيا وتسليح أوكرانيا، إلا أنه شعر بخيبة أمل عندما صرحت وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك بأن واردات الطاقة إلى ألمانيا من روسيا سوف تنتهي “إلى الأبد”.

ويبدو أن كان هناك هدف رئيسي لاستضافة فيسكوف في مثل هذا الحدث في ظل مساعيه لعدم إثارة أي جدل.

وفي مقابلة مع DW، قال “قد أكون ساذجا، لكن روسيا بالنسبة لي تعد جزءً من أوروبا كما الحال مع أوكرانيا. أعتقد أنه من الممكن إحلال سلام دائم”. ومن اللافت أن فيسكوف ينتمي إلى أحد الأحزاب الرئيسية في ألمانيا المؤيدة لتسليح أوكرانيا وسط تساؤلات حيال دعوة شخصية مثل كومر لحضور الاجتماع.

لكن يتعين الإشارة في ذلك إلى أن الحزب المسيحي الديمقراطي في شرق ألمانيا أو ما كان يُعرف بـ “المانيا الشرقية” قبل الوحدة، يجد نفسه مضطرا للانخراط في تحالفات مزعجة على خلاف الأحزاب الأخرى.

ففي ولاية تورينغين يدعم الحزب المسيحي الديمقراطي حكومة أقلية بقيادة حزب اليسار ذلك لأن البديل يتمثل في الانخراط في تحالف مع حزب “البديل من أجل ألمانيا” الشعبوي بقيادة بورن هوكه.

وفي مقاربة مماثلة، فعلى الرغم من أن كومر يعد صديقا قديما للحزب المسيحي الديمقراطي، إلا أن فيسكوف يدرك أن بعض الشخصيات القريبة من كومر لديها ولاءات تاريخية مختلفة. وفي ذلك، قال “بالطبع، كانت جمعية الصداقة الألمانية الروسية في الماضي الجمعية الألمانية السوفيتية وكان أعضاؤها من قدامى الشيوعيين. لكننا قمنا بدعوة كومر فقط وليس الجمعية”.

وتبدو جذور ارتباط الجمعية بروسيا جلية على موقعها الإلكتروني حيث يُمكن مطالعة مفردات تستخدمها وسائل الإعلام الروسية مثل وصف ثورة 2014 في أوكرانيا بأنها كانت محاولة انقلاب بل وتوجيه اتهامات ضد وسائل الإعلام الألمانية بالتحريض ضد روسيا.

وتجلى ذلك في الاحتفال بعيد النصر في التاسع من مايو / أيار الماضي حيث نشرت الجمعية الخطاب الذي ألقاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هذه المناسبة بشكل كامل دون أي تعليق أو انتقاد.

وفي رده على ذلك، قال كومر “أؤيد نشر الخطابات بشكل كامل حيث لا أوافق على عرض مقتطفات أو التعليق على الخطب. نشر خطاب لا يدخل في إطار الدعاية”.

لكن لم تنشر خطاب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في هذه المناسبة بالكامل كما كان الحال مع بوتين.

وفي رده، قال كومر “كان يمكننا نشر الخطاب اتفهم ذلك، لكننا لسنا وكالة أنباء نحن منظمة تطوعية ولا نزعم أننا نقدم الحقيقة كاملة.”

ويتذكر كومر الأوقات عندما كان يُنظر في ألمانيا الشرقية السابقة إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) والغرب باعتباره العدو، مضيفا “لم يكن لدي أي معرفة بأي مواطن روسي، لكني أيضا لم يكن لدي أي اتصال على الإطلاق مع أمريكيين أو بريطانيين أو فرنسيين”.

ويبدو أن شكوك سكان شرق ألمانيا تجاه الغرب والتعاطف مع روسيا كانت جلية في نتائج استطلاعات الرأي قبل الغزو الروسي لأوكرانيا حيث كشفت استطلاع للرأي في يونيو / حزيران العام الماضي عن أن 50٪ من سكان شرق ألمانيا كانوا يؤيدون إقامة علاقات وثيقة بين ألمانيا وروسيا مقارنة بنسبة بلغت 25 بالمائة في غرب ألمانيا.

وكشف الاستطلاع عن أن نسبة تأييد فرض عقوبات على روسيا بلغت في شرق ألمانيا 34 بالمائة فيما بلغت 68 بالمائة في غرب ألمانيا فيما تقاربت الآراء عند طرح التساؤل هل بوتين يعد زعيما ديكتاتوريا؟.

فقد كشف الاستطلاع عن أن 60 بالمائة من سكان شرق ألمانيا وافقوا على هذا الوصف فيما بلغت النسبة 70 بالمائة بين سكان غرب ألمانيا.

بيد أن ستيفان جارسزتيكي، أستاذ العلوم السياسة في جامعة كيمنتس بشرق ألمانيا، يشير إلى أن الأسابيع الأخيرة حملت تغييرات كثيرة. وفي مقابلة مع DW، قال “لم تعد نسمع هذا منذ بداية الحرب، فقبل اندلاع الحرب كنا نسمع كثيرين يقولون إن روسيا محقة والناتو يتقرب أكثر وأكثر من الحدود الروسية.”

ويرى مراقبون في الشأن الألماني أن هناك أسبابا تاريخية وراء أن الألمان في شرق البلاد ممن أعمارهم تفوق الخمسين عاما لديهم نوعا من التعاطف مع روسيا إذ أنهم عاشوا في كنف دولة شيوعية فرضت الصداقة من أكبر دولة داخل الاتحاد السوفيتي فيما كانت المدارس تعلم اللغة الروسية وكانت الثقافة الروسية جلية كما كان الحال مع الثقافة الأمريكية في ألمانيا الغربية إبان تلك الفترة.

وفي ذلك، قال جارسزتيكي إن الألمان كبار السن في شرق البلاد “يتحدثون عن تجارب تاريخية مشتركة وعن السوفييت الذين ألتقوا بهم وهو الأمر الذي كان من الصعب حدوثه في ألمانيا الغربية وقد تناقلت الأجيال ذلك”.

ويعتقد أستاذ السياسة أن هذا الإحساس استمر حتى تسعينيات القرن الماضي، عندما كان يتعين على روسيا وشرق ألمانيا التعاطي مع الحريات التي حصلوا عليها بعد انهيار الشيوعية.

وقال إن هذا التحول اتسم “بالفوضوية في روسيا حيث شعر الأفراد بغياب القوانين وقد عاصر الكثير في شرق ألمانيا تجربة مماثلة. لا يرغب أي شخص في شرق ألمانيا بعودة جمهورية ألمانيا الشرقية وفقا لما تظهره استطلاعات الرأي، لكن هناك كان إحساس بشكل من الفرضية من قبل ألمانيا الغربية حيال الخطاب ونمط الحياة في شرق ألمانيا خاصة بين كبار السن”. وقال كان هناك إحساس في روسيا أيضا بالمظلومية وعدم المعاملة على قدم المساواة من قبل القوى الغربية في تسعينيات القرن الماضي.

وفي مساعي الكشف عن الأسباب وراء تعاطف شكان شرق ألمانيا مع روسيا، يتعين التطرق إلى الروابط الاقتصادية التي تربط بين روسيا وشرق ألمانيا.

فبعد مرور ثلاثين عاما على الوحدة بين شطري ألمانيا، لا يوجد شركة ألمانية مقرها شرق البلاد مدرجة في بورصة مؤشر “داكس” الرئيسي للأسهم في ألمانيا، لكن هناك عمليات اقتصادية كبيرة تعتمد على التبادل التجاري مع روسيا مثل خط أنابيب “نورد ستريم” لنقل الغاز الروسي وأيضا مصفاة “بي سي كيه” لتكرير النفط في شفيديت قرب الحدود البولندية.

وعلى وقع العقوبات الغربية المفروضة على روسيا ردا على غزوها العسكري لجارتها أوكرانيا وفي حالة فرض حظر الوقود الأحفوري الروسي، فإن هذه المناطق سوف تتأثر بشدة ما قد يثير مشاعر استياء في شرق ألمانيا.

وفي هذا السياق، قال ستيفان جارسزتيكي، أستاذ العلوم السياسة في جامعة كيمنتس بشرق ألمانيا، إن هناك شعورا بين سكان شرق ألمانيا “بأنهم تحملوا كثيرا ضريبة التحول الاقتصادي في تسعينيات القرن الماضي والآن سوف يعانون أيضا”.

وفي ذلك، يتذكر كومر فترة التسعينيات عندما تولى رئاسة جمعية الصداقة الألمانية – الروسية حيث تزامن هذا مع رغبة الشيوعيين من كبار السن في السيطرة على الجمعيات المدنية، مضيفا “لقد غادر كثيرون الجمعية عندما توليت رئاستها فلم يكن يرغبون في أي شيء من شخص ينتمي إلى الحزب المسيحي الديمقراطي”. (DW)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها