وكالة الأنباء الألمانية : أزمة الطاقة .. هل استند شعار ” صنع في ألمانيا ” على أساس هش ؟
انتهى عصر «ألمانيا تعرف الأفضل» في أوروبا. فعلى مدى عشر سنوات، قادت برلين السلطة المالية في الاتحاد الأوروبي، غير أن أزمة الطاقة الراهنة قلبت الموازين المستقرة. وتقول الكاتبة ماريا تاديو في تحليل نشرته وكالة بلومبيرغ للأنباء إن الاعتماد على روسيا كمصدر أساسي للطاقة أظهر عيوب النموذج الاقتصادي لألمانيا، والذي يقوم على أساس التصنيع الكثيف المعتمد على الغاز الطبيعي الرخيص، وقصور نظر نخبتها السياسية بسبب اعتمادها على الكرملين.
وفي حين ما زالت ألمانيا تعاني من صدمة إمدادات الطاقة، تزايدت النزعة الاستقلالية والحسم لدى دول جنوب أوروبا. هذا الأمر ليس انتقاماً من سنوات التقشف التي قادتها ألمانيا في الاتحاد الأوروبي، لكنه إعادة لحسابات القُوى قد تؤدي في النهاية لوجود اتحاد أوروبي أفضل.
جاء التمرد على السلطة الأبوية الاقتصادية لألمانيا في الاتحاد الأوروبي، من جانب إسبانيا التي كشفت تريزا ريبيرا وزيرة التحول الأخضر الإسبانية عن عدم ارتياحها في مواجهة ألمانيا، عندما ردت على اقتراح المفوضية الأوروبية لدعوة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بخفض استهلاكها من الطاقة بنسبة 15% خلال الشتاء الحالي.
وقالت الوزيرة إن بلادها قامت بما يتوجب عليها، فهي لم تتوسع في الاعتماد على إمدادات الغاز الطبيعي الروسي، واستثمرت بكثافة في مشروعات الطاقة المتجددة، والأكثر أهمية هو أن بلادها «تعيش في حدود إمكانياتها». هذه الصفعة، تعيد التذكير باللغة التي استخدمتها ألمانيا في ذروة الأزمة المالية الأوروبية، عندما قدمت برلين أكبر دعم مالي لدول الاتحاد مقابل التزام هذه الدول بإصلاحات هيكلية عمّقت الركود الاقتصادي في جنوب أوروبا.
كانت اللغة التي استخدمتها الوزيرة الإسبانية استعراض قوة غير معتاد من جانب إسبانيا التي تحصل على دعم من الاتحاد الأوروبي يفوق ما تساهم به في ميزانيته. وانقسمت ردود الأفعال على تصريحات الوزيرة بين هؤلاء الذين قالوا إن الوقت حان للخروج من عباءة ألمانيا، وهؤلاء الذين يخشون من أن تؤدي مثل هذه اللغة إلى إثارة التوترات القديمة.
وتقول ماريا ماديو إن تصريحات ريبيرا هي مزيج من الموقفين، ويعكس سخطاً من استمرار تردد ألمانيا في الاعتراف بفشل سياستها تجاه روسيا. وفي حين يبدو أن الجميع أدرك أن شعار «صنع في ألمانيا» استند إلى أساس هش، وأن ألمانيا الآن باتت قريبة من السعي لطلب المساعدة من الآخرين.
كانت إسبانيا من بين الأصوات الأوائل التي حذّرت من أزمة الطاقة بمجرد اتجاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تقليل الإمدادات، في حين بدأت سوق الطاقة تظهر مؤشرات على معاناتها من الضغوط، في أواخر العام الماضي. وفي خريف العام الماضي اقترح رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز الذي يواجه ضغوطاً قوية لخفض معدل التضخم وقيمة أسعار الطاقة في السوق المحلية، ضرورة التحرك الأوروبي الجماعي لمواجهة ارتفاع أسعار الطاقة.
وتؤكد مدريد كما تفعل منذ مدة ضرورة تحسين ربط شبكات الطاقة بين دول أوروبا، في حين أن تقليص خفض استهلاك الطاقة على مستوى كل دولة، لن يفيد ألمانيا إذا لم تستطع مدريد تصدير فائض الطاقة لديها. لكن دعوات إسبانيا وجدت آذاناً صماء، وتم التعامل معها كما لو كانت دولة جنوبية تطلب مساعدة جديدة. وقد أصبح ملف الطاقة مشكلة أوروبية عندما أصبحت المخاطر التي تواجه ألمانيا عصيّة على المواجهة. ويعكس هذا الموقف مشكلة صناعة السياسة في أوروبا، ويشير إلى طريق للحل.
تقول تاديو في تحليلها إن الوقت حان للتعامل بجدية أكبر من المقترحات التي تقدمها دول جنوب أوروبا الأضعف اقتصادياً. وأي إعادة للتوازن، خاصة إذا أدى إلى تحسين عملية صناعة القرار، يجب أن تكون محل ترحيب في المفوضية الأوروبية التي يتحدث فيها القادة إلى جمهورين، أحدهما محلي والآخر أوروبي في نفس الوقت. وحسناً فعل قادة دول الجنوب عندما وافقوا بسرعة قياسية على اتفاق قدمته ألمانيا بشأن ملف الطاقة الأسبوع الجاري، وتجاوزوا المعارضة الكلامية التقليدية وتجنبوا توجيه الانتقادات.
وإذا فشل الاتحاد الأوروبي في إعادة صياغة آليات صناعة القرار سيكون الأمر بمثابة حماقة وقصر نظر، وقبل كل ذلك انتصاراً كبيراً لروسيا. فالكرملين فوجئ بالوحدة الأوروبية ضد روسيا بعد الحرب الأوكرانية، في حين أن تأليب الأوروبيين على بعضهم البعض، من شأنه التراجع عن الوحدة الأوروبية.
ولخصت الوزيرة الإسبانية الموقف جيداً عندما قالت بعد الموافقة على خطة خفض استهلاك الطاقة في الاتحاد الأوروبي «في أوروبا عندما تطلب دولة جارة المساعدة عليك تقديم المساعدة لها». هذه هي الروح التي مكّنت أوروبا من تجاوز جائحة فيروس كورونا المستجد، وجعلت ألمانيا تتجاوز خطها الأحمر بشأن إصدار سندات أوروبية مشتركة.
وأخيراً فإن أي صدام بين الشمال والجنوب سيُعيد أوروبا 10 سنوات إلى الخلف. لكن في ضوء حجم إخفاق ألمانيا والتحديات التي يفرضها هذا الإخفاق على أوروبا ككل، على برلين ألّا تتفاجأ عندما تجد دول جنوب أوروبا تطالب بدور أكبر في صناعة القرار الأوروبي. (DPA)[ads3]