أزمة الطاقة في ألمانيا تدفع بصانع الزجاج ” هاينز غلاس ” إلى حافة الانهيار

طيلة 400 عام، شهدت شركة “هينز غلاس” Heinz-Glas الألمانية، وهي واحدة من أكبر مصنّعي زجاجات العطور في العالم، عدّة أزمات حادّة، منها الحربيْن العالميتيْن وأزمة الطاقة في سبعينيات القرن الماضي. لكن أزمة الطاقة التي تواجهها برلين حاليًا تهدّد الشركة بالزوال.

وقال نائب المدير التنفيذي لشركة “هينز غلاس” مراد أغاش لوكالة فرانس برس “نواجه وضعًا استثنائيًا”.

وتابع “إذا توقفت إمدادات الغاز، من المرجّح أن يختفي إنتاج الزجاج” في ألمانيا.

وتتطلّب صناعة الزجاج تسخين الرمل حتى 1600 درجة مئوية، وغالبًا ما يُستخدم الغاز في هذه العملية.

وساعد تدفّق الغاز إلى ألمانيا عبر خط أنابيب من روسيا في الحفاظ على انخفاض تكاليف الإنتاج، ما كان يسمح لـ”هينز غلاس”، التي تأسست في العام 1622، بحجز إيرادات سنوية تصل إلى نحو 300 مليون يورو (305 ملايين دولار).

وكان يساهم التصدير في 80% من إجمالي إنتاج الشركة المصنّعة للزجاج التي كانت تقدّم أسعارًا تنافسية جدًا، لكن هذا النموذج الاقتصادي أصبح الآن موضع تساؤل منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا.

وقطعت موسكو إمدادات الغاز عن ألمانيا بنسبة 80 في المئة في ما يعتقد أنها محاولة لإضعاف عزم أكبر اقتصاد في أوروبا على خلفية دعمه لأوكرانيا.

وتسعى برلين للحصول على مصادر طاقة بديلة لتحل محل الغاز الروسي الذي كان يُشكّل نحو 55% من إجمالي وارداتها من الغاز، ما يتسبب حاليًا بارتفاع أسعار الطاقة، أي بـ”زيادة في التكاليف من 10 إلى 20 ضعفًا” مقارنة بالعام 2019 بالنسبة لشركة “هينز غلاس”، حسبما قال أغاش.

-“3000 ملعب كرة قدم من الألواح الشمسية” – وليست “هينز غلاس” وحدها تعاني، فجزء كبير من قطاع الصناعة في ألمانيا يتدهور في ظل أزمة إمدادات الغاز.

وبدأت عدة شركات تضع خطط طوارئ فيما حذّرت الحكومة الألمانية من أن الغاز الروسي قد يتوقف عن التدفق بالكامل، وتقترب الأزمة من بلوغ ذروتها مع اقتراب فصل الشتاء.

تبحث شركة الكيماويات العملاقة BASF في استبدال الغاز بالوقود في ثاني أكبر مصنع ألماني لها، فيما تبحث شركة “هينكل” Henkel المتخصصة في صناعة المواد اللاصقة ومانعات التسرب، في احتمال عمل موظفيها من منازلهم.

لكن تداعيات الوقف الكامل لإمدادات الغاز الروسي قد تشكّل ضربة قاضية للعديد من الشركات.

يُنتج مصنع “هينز غلاس” في كلاينتيتاو، الذي افتُتح في العام 1661، نحو 70 طنًّا يوميًا، من الزجاجات الصغيرة المصبوبة بواسطة حرارة الأفران.

لاحقًا، يتم إرسال الزجاجات المزينة بزخارف معقدة إلى عملاء الشركة، بما في ذلك مجموعة لوريال L’Oreal الفرنسية، الذين يملأونها بالعطور.

وفي كلّ مرحلة من مراحل عملية الإنتاج، من تصنيع الزجاج باستخدام رمال كوارتز حتى النحت النهائي للزجاجة، يبقى استخدام الحرارة أساسيًا.

ولفت أغاش إلى أن انقطاع الغاز عن ثاني أكبر مصنع لـ”هينز غلاس” في منطقة بييساو الجبلية سيعني إلحاق ضرر دائم بأفران تصنيع الزجاج.

لتفادي ذلك على المدى القصير، استثمرت الشركة في شراء الغاز المسال والذي يمكن نقله بواسطة شاحنات. غير أن ذلك يعني زيادة فاتورة الطاقة ثلاث مرات، ولن يكون ذلك كافيًا إذ يحتاج مصنعان ألمانيان إلى ما يعادل “3000 ملعب كرة قدم من الألواح الشمسية” للعمل بشكل طبيعي.

على المدى البعيد، سيُكلّف استبدال نظام الغاز بأكمله ببنى تحتية كهربائية 50 مليون يورو (51 مليون دولار)، بحسب أغاش، وهو مبلغ لا تستطيع الشركة تحمله.

وحتى في المصنع الواقع في كلاينتيتاو حيث تعمل الأفران على الطاقة الكهربائية، ستبقى نحو 40% من العمليات الصناعية بحاجة لاستخدام الغاز.

وقال أغاش “نحتاج إلى دعم الدولة”، محذرًا من أن الشركة قد تضطرّ إلى نقل مصانعها إلى أماكن أخرى مثل الهند والصين، حيث تمتلك الشركة مصنعًا بالأساس، في حال لم تحصل على دعم.

ويبدو المستقبل ضبابيًا بالنسبة لموظفي الشركة في ألمانيا والبالغ عددهم 1500 شخص تقريبًا.

وقالت ميكاييلا تريبيس (61 عامًا) التي تتفقّد حالة مئات القوارير الزجاجية يوميًا “بلغت سنًّا لم يعد فيها الأمر مهمًا بالنسبة لي، لكن لا بدّ أن الأصغر سنًا يخشون خسارة وظائفهم”.

غير أن إدارة “هينز غلاس” لا تزال متفائلة حتى الآن بأن الشركة ستتمكّن من تخطي المحنة.

وقال أغاش إنه منذ تأسيس الشركة في العام 1622، “وقعت العديد من الأزمات (…) في القرن العشرين وحده، من الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية وأزمة الطاقة في السبعينيات وعدة أوضاع مفصلية. نجينا منها جميعها”.

وتابع “سنتمكّن من تخطي هذه الأزمة بطريقة ما”.[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها