ألمانيا : أسعار الطاقة تدفع الصناعات إلى النزوح و المفوضية توافق على حزمة دعم
تواجه ألمانيا، أكبر اقتصاد صناعي في أوروبا، خطر انسحاب العديد من الشركات الصناعية منها؛ بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، إذ تكافح شركات تصنيع قطع السيارات والكيماويات والصلب لامتصاص الزيادات المستمرة في أسعار الطاقة التي وصلت إلى مستويات قياسية.
فيما أعطت المفوضية الأوروبية، الجمعة، الضوء الأخضر لألمانيا للمضي قدماً في خططها نحو تقديم دعم للشركات عالية الاستهلاك للطاقة يقدر بنحو 5ر27 مليار يورو، وذلك مع ارتفاع تكاليف الطاقة نتيجة لنظام تداول الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي، وفي خطوة متصلة قال وزير المال الألماني كريستيان ليندنر إن ألمانيا تستطيع تمويل حزمة جديدة من المساعدات بمليارات اليوروهات في مواجهة التضخم دون التخلي عن «كبح المديونية».
قالت وكالة بلومبيرغ للأنباء في تقريرها: إن أسعار الطاقة والغاز الطبيعي في ألمانيا ارتفعت إلى الضعف خلال أقل من شهرَين، في الوقت الذي وصل فيه سعر العقود الآجلة للكهرباء تسليم العام المقبل إلى 540 يورو (545 دولاراً) لكل ميجاوات/ساعة، مقابل 40 يورو لكل ميجاوات/ساعة خلال هذه الفترة من العام الماضي.
وقال رالف شتوفيلس الرئيس التنفيذي لشركة صناعة مكونات السيلكون للسيارات بي.آي.دبليو آيسوليرستوف إن «تضخم أسعار الطاقة هناك أعلى منه في أي مكان آخر، أخشى أن يؤدي ذلك إلى تراجع الطابع الصناعي للاقتصاد الألماني».
وقال رولاند هارينجس الرئيس التنفيذي لشركة أوروبيس الألمانية أكبر منتج للنحاس في أوروبا إن الشركة تستهدف تقليل استخدام الغاز الطبيعي، وتمرير الزيادة في أسعار الكهرباء إلى العملاء، كما تستعد بي.إم.دبليو لصناعة السيارات لمواجهة النقص المحتمل في إمدادات الطاقة، حيث تقوم الشركة بتشغيل 37 منشأة تعمل بالغاز الطبيعي لتوفير التدفئة والكهرباء لمصانعها في ألمانيا والنمسا.
من ناحيته أعلن مكتب الإحصاء الاتحادي في مدينة فيسبادن الألمانية اليوم أن أسعار المنتجين الألمان ارتفعت بنسبة 2ر37% في يوليو على أساس سنوي، وهي زيادة غير مسبوقة، وعزا المكتب السبب الرئيس لذلك إلى ارتفاع سعر الغاز الطبيعي بنسبة 164% على أساس سنوي.
وفي صباح يوم الجمعة بلغ سعر الغاز حوالي 237 يورو لكل ميجاوات/ساعة، وقبل عام كان يتم تداول الغاز مقابل حوالي 50 يورو لكل ميجاوات/ساعة.
وبعد أن ظلت الأسعار مستقرة عند حوالي 200 يورو لكل ميجاوات/ساعة في الأسبوعين الأولين من آب/أغسطس الجاري، وضعت الزيادة الأخيرة الأسعار عند مستوى تم تجاوزه لفترة وجيزة فقط في أوائل مارس، عندما بلغت الأسعار ذروتها عند أكثر من 300 يورو لكل ميجاوات/ساعة بعد وقت قصير من بداية الغزو الروسي لأوكرانيا.
وتبحث ألمانيا -ودول أخرى تعتمد على الغاز الرخيص من روسيا- عن بدائل بشكل عاجل، لكن شركات استيراد الغاز تضطر لشراء الغاز من أماكن أخرى بأسعار أعلى حتى تتمكن من الإيفاء بعقودها، ما يؤثر تدريجياً على فواتير المنازل والأسعار والإنتاج الصناعي.
يذكر أن ألمانيا تعتمد بدرجة كبيرة على إمدادات الغاز الطبيعي الروسي لتشغيل محطات توليد الكهرباء، لكنها تستعد الآن لمواجهة نقص غير مسبوق في هذه الإمدادات بعد قطع روسيا جزء كبير من الإمدادات إلى أوروبا بشكل عام منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية في الرابع والعشرين من شهر فبراير الماضي.
أعلنت الوكالة الاتحادية للشبكات بألمانيا أنه من الممكن أن يكون هناك نقص في الغاز بألمانيا على المستوى المحلي خلال الشتاء القادم.
وقال رئيس الوكالة كلاوس مولر للبوابة الإخبارية الألمانية «تي-أونلاين»: «من المحتمل أن يكون هناك بعض التقييدات في البداية لفترة مؤقتة، ويمكن أن تنتهي أو تحدث أكثر من مرة»، مؤكداً أنه يجب العمل في هذه الحال على أن يتم نقل الغاز عبر البلاد بشكل جيد.
وأكد مولر أن سيناريو مواجهة نقص محلي في الغاز يعد محتملاً، واستدرك قائلاً: «ولكن من المحتمل أن تسير الأمور على نحو أفضل».
وشدد على ضرورة ضمان أن يكون هناك واردات غاز أكبر في العام القادم، على سبيل المثال لأن ألمانيا ستحصل على غاز إضافي من فرنسا، وقال: «حينئذ يمكننا توقع أنه يمكننا ملء خزاناتنا بشكل أسرع مجدداً الصيف القادم».
وأعطت المفوضية الأوروبية الجمعة الضوء الأخضر لألمانيا للمضي قدماً في خططها نحو تقديم دعم للشركات كثيفة الاستهلاك للطاقة يقدر بنحو 5ر27 مليار يورو، وذلك مع ارتفاع تكاليف الطاقة نتيجة لنظام تداول الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي.
وقالت مارجريت فيستاجر، مفوضة الاتحاد الأوروبي المعنية بشؤون المنافسة، في بيان إن خطة الدعم تسمح لألمانيا «بتقليل تأثير تكاليف الانبعاثات غير المباشرة على صناعاتها كثيفة الطاقة».
ويذكر أن مخطط تسعير الكربون في الاتحاد الأوروبي، الذي تم إطلاقه عام 2005 وتوسيع نطاقه مؤخراً، يجعل القطاعات عالية التلويث مثل محطات الطاقة والمصانع تشتري تصاريح للانبعاثات التي تنتجها.
وتهدف الخطة إلى تقليل مخاطر انتقال الشركات خارج التكتل الأوروبي إلى دول ذات سياسات مناخية أقل طموحاً، ما يؤدي إلى زيادة انبعاثات الكربون على مستوى العالم.
من المقرر أن تغطي الإعانات جزئياً كلفة ارتفاع أسعار الطاقة نتيجة لزيادة تكاليف توليد الكهرباء؛ بسبب تأثير أسعار الكربون.
ومن المقرر أن تصدر الحكومة الألمانية تعويضاً جزئياً للشركات يصل إلى 75% من التكاليف المتزايدة المتكبدة، مع بعض القيود، ويتم حسابها باستخدام معايير استهلاك الطاقة لتشجيع الترشيد.
وينطبق التعويض على الصناعات المعرضة لخطر المنافسة الدولية التي تواجه تكاليف كهرباء كبيرة، ولكن مع بعض الشروط.
وقالت المفوضية إنه يجب على الشركات تغطية 30% من استهلاكها للطاقة من مصادر متجددة وإجراء مزيد من الاستثمارات اعتباراً من عام 2023 فصاعداً، بقيمة 50% من مبلغ المساعدة، لتعزيز كفاءة الطاقة وعمليات محايدة الكربون.
صرّح وزير المال الألماني كريستيان ليندنر الجمعة أن ألمانيا تستطيع تمويل حزمة جديدة من المساعدات بمليارات اليوروهات في مواجهة التضخم دون التخلي عن «كبح المديونية».
وكان المستشار الألماني أولاف شولتس وعد في 11 أغسطس بتقديم حزمة مساعدات جديدة للأفراد في مواجهة ارتفاع الأسعار في قطاعَي الطاقة والغذاء، الذي يتوقع أن يتفاقم هذا الخريف. لكنه أكد مجدداً التزامه العودة إلى الانضباط الميزاني العام المقبل مع إبقاء العجز عند 0,35% من إجمالي الناتج المحلي.
ورداً على سؤال من صحيفة «راينيشه بوست» عن حجم هذه المساعدات المحتملة، قال وزير المال إن «عدداً صغيراً من رقمَين بمليارات اليورو ممكن».
وأضاف أن هذه الحزمة الجديدة من إجراءات الدعم مخصصة للأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط وستشمل «إجراءات موجهة للشركات التي تستهلك قدراً كبيراً من الطاقة».
وبلغت نسبة التضخم في ألمانيا 7,5% في يوليو أي أقل بقليل من 7,6% سجلت في يونيو.
لكنّ وزير الاقتصاد روبرت هابيك قال إنه من المتوقع أن يكون فصلا الخريف والشتاء شاقين في أكبر اقتصاد في أوروبا؛ بسبب أزمة الطاقة «المقبلة في الاقتصاد».
وسيواجه الألمان ارتفاعاً في فواتير التدفئة والكهرباء في الخريف مع قرار الحكومة السماح بأن ينعكس ارتفاع أسعار الطاقة على المستهلك النهائي.
ولم يحدد شولتس موعد وكلفة حزمة المساعدات، لكنه أكد من جديد التزامه احترام القواعد الدستورية لانضباط الميزانية مرة أخرى في 2023 بعد ثلاث سنوات من الاستثناء في مواجهة جائحة كوفيد-19.
وقال المستشار الألماني «نتوقع أن نكون قادرين على تنفيذ مشاريعنا ضمن الإطار المالي المتاح حتى الآن».
ودعت أصوات -لا سيما داخل حزب الخضر المتحالف مع الحكومة والحزب الاشتراكي الديموقراطي- إلى تمديد تعليق «فرملة الاستدانة» في حال حدوث تدهور حاد في الاقتصاد الألماني. (DPA)[ads3]