أزمة الطاقة تجبر ألمانيا على توقيع صفقات غاز تستمر لعقود

أجبرت أزمة الطاقة المتصاعدة في أوروبا، ألمانيا على إبرام صفقات غاز مسال تستمر لعقود، في الوقت الذي تتزايد فيه المخاوف من أن نقص الغاز في القارة الباردة سيستمر لسنوات في ظل تقليص روسيا إمداداتها بعد العقوبات الغربية الواسعة ضدها، رداً على غزوها أوكرانيا نهاية فبراير/ شباط الماضي.

ووقع مزودو الطاقة في ألمانيا منهما “يونيبر” وحتى “آر دبليو إي”، اتفاقيات طويلة الأجل مع موردي الغاز الطبيعي المسال، خاصة في الولايات المتحدة، مع توقعات بإبرام مزيد من الصفقات، بينما كانت شركات المرافق تتجنب في السابق عقوداً مدتها ما بين 15 إلى 20 عاماً، خوفاً من الالتزام بمصدر طاقة ينبعث منه الكربون والميثان، وفق وكالة بلومبيرغ الأميركية.

وقال مايكل سابيل، الرئيس التنفيذي لشركة “فنتشر غلوبال للغاز الطبيعي المسال”، وهي مورد أميركي وقع اتفاقية لمدة 20 عاماً مع شركة المرافق الألمانية (EnbW AG) بداية هذا العام: “هناك معاملات كثيرة تتماشى معنا ومع أطراف أخرى في مراحل مختلفة، لذا أتوقع إبرام الكثير من العقود”.

ويسلط هذا التحول الضوء على معضلة الطاقة في أوروبا. فبينما تخفض روسيا إمدادات الغاز المتجهة إلى القارة في خطوة تهدد بدفع المنطقة نحو الركود، فإن الخيار الوحيد الذي يمكن أن يحل محل الغاز الروسي هو الغاز المسال.

في جميع أنحاء أوروبا، تسرع الحكومات في استخدام محطات الغاز الطبيعي المسال العائمة التي تستغرق جزءاً ضئيلاً من الوقت لإعدادها مقارنة بإصداراتها البرية.

وتستأجر ألمانيا، التي اعتادت الحصول على أكثر من نصف غازها عبر خطوط الأنابيب القادمة من روسيا، الآن العديد من محطات الغاز الطبيعي المسال، التي تتضمن وحدات للتخزين وإعادة تحويل الغاز من صورته السائلة إلى الغازية.

قال دان برويليت، رئيس شركة “سيمبرا إنفراستركيتشر” وهي شركة أميركية لتوريد الغاز، إن شركة “آر دبليو إي” أكبر شركة لإنتاج الكهرباء في ألمانيا كانت “نشطة للغاية في الحصول على وحدات تخزين الغاز الطبيعي المسال وإعادة تحويله لحالته الغازية”.

ونقلت بلومبيرغ عن برويليت قوله خلال مؤتمر “غازتك” الذي عقد في ميلانو الأسبوع الماضي، إن هناك اهتماماً “هائلاً” بتطوير علاقات طويلة الأمد مع أوروبا.

وقال توم إيرل، كبير المسؤولين التجاريين لدى شركة “فينتشر غلوبال” إن ألمانيا حالياً في وضع تحتاج فيه إلى 40 مليون طن إضافي على الأقل من الغاز الطبيعي المسال.

وأضاف إيرل أن أوروبا ستحتاج إلى 200 مليون طن من الإمدادات الإضافية في غضون الأعوام السبعة إلى التسعة المقبلة، والتي لا ينبغي أن تأتي من الولايات المتحدة فقط، بل أيضاً من المراكز العالمية الأخرى لإنتاج الغاز الطبيعي المسال.

وعلى ضوء التعطش الأوروبي للغاز بعيداً عن روسيا، عززت الولايات المتحدة مكانتها في سوق الطاقة، لتصبح أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال عالمياً خلال النصف الأول من العام الجاري، بحسب إدارة معلومات الطاقة الأميركية، التي أفادت في تقرير لها في نهاية يوليو/ تموز الماضي بارتفاع متوسط صادرات أميركا على أساس يومي بنسبة 12% لتصل إلى 11.2 مليار قدم مكعبة يومياً في الأشهر الستة الأولى من 2022.

بينما كانت قطر وأستراليا تتنافسان على لقب أكبر مصدّر للغاز المسال عالمياً قبل الحرب الروسية في أوكرانيا والعقوبات الغربية على موسكو التي غيرت من خريطة كبار المصدرين. وقد حصلت دول الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة على قرابة 71% من صادرات الغاز المسال الأميركي.

وكانت روسيا تمدّ الاتحاد الأوروبي بـ 41% من حاجته من الغاز الطبيعي العام الماضي، قبل أن تتراجع النسبة إلى ما دون 30% في الوقت الحالي، وسط مخاوف أوروبية من قطع كامل للغاز قبل حلول الشتاء.

وتبدو فاتورة الاستعاضة بالغاز الأميركي المسال عن الإمدادات الروسية باهظة الكلفة بالنسبة للأوروبيين، إذ تنوء الأسر والشركات عن حملها، ما يعرض القارة العجوز إلى مخاطر اجتماعية وسياسية خلال الفترة المقبلة.

ووفق تقرير لبنك الاستثمار الأميركي غولدمان ساكس، فإنه من المتوقع أن ترتفع فواتير الطاقة للأسر في أوروبا بنحو تريليوني يورو (ما يعادل تريليوني دولار) عند وصولها لذروتها في أوائل العام المقبل، ما يبرز الحاجة إلى تدخل حكومي.

وستمثل فواتير الطاقة 15% تقريباً من الناتج المحلي الإجمالي لأوروبا، وفقاً لما نقلت وكالة بلومبيرغ، عن مذكرة للبنك الأميركي، مشيرة إلى أن الأزمة ستكون أكثر حدة حتى من أزمة النفط في السبعينيات.[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها