فرانس برس : معاناة زوجات المعتقلين في السجون السورية .. ابتزاز وتحرش ونظرة مجتمع لا ترحم

 

بين ليلة وضحاها، انقلبت حياة راميا رأساً على عقب. حجزت الحكومة على منزلها بعد اعتقال زوجها ثم وفاته في سجون النظام السوري. وبرغم فشل محاولاتها استعادة حق أولادها في إرث والدهم، ترفض الاستسلام.

وتقول راميا التي استنزفها الترهيب والإهانات في الأفرع الأمنية، “لو كنت أنا المعتقلة وليس زوجي لما عانى أطفالي بهذا القدر. بمجرد كوني امرأة تصبح الأمور شبه مستحيلة”. وتلخص بذلك معاناة الكثير من زوجات المعتقلين والمفقودين.

وتضيف الأم لثلاثة أولاد واللاجئة في لبنان منذ 2016، “خسرنا كل ما نملك.. لكنني أريد أن آخذ شيئاً في المقابل” من الدولة التي سلبت العائلة حياتها السابقة.

منذ بدء الحرب في 2011، تضاعفت أعداد المعتقلين في سجون النظام الذائعة الصيت. وخلال أكثر من عقد، دخل نصف مليون شخص إلى السجون ومراكز الاعتقال، غالبيتهم رجال، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان. وقضى عشرات الآلاف تحت التعذيب أو نتيجة ظروف اعتقال مروعة.

وتتعرض زوجات وأرامل المعتقلين والمفقودين، وفق ما يقول المحامي غزوان قرنفل المقيم في تركيا لوكالة فرانس برس، “لتحديات عدة أولها عدم بيان مصير الزوج، وكيفية التصرف بممتلكاته، إذ لا تركة من دون وفاة، ثم ضمان وصاية أولادها، وهل بإمكانها بعد سنوات على غيابه الزواج مجدداً؟ عدا عن نظرة المجتمع لها”.

وتزداد التعقيدات إذا كانت أملاك الزوج محجوزة، فتغرق النساء في إجرءات قانونية منهكة، وفق قرنفل الذي يضيف “عدا عن تعرضهنّ للابتزاز المالي والتحرش الجنسي ومزاجية الضباط في غياب أي ضوابط قانونية”.

في 2013، اعتقلت قوات النظام زوج راميا، المهندس والموظف الحكومي، في دمشق. وبعد أشهر عدة، تسلمت راميا رقم جثته، وحين سألت عن سبب الوفاة، أتاها الجواب “لا تفتحي أبواب جهنم”.

لم تمرّ زياراتها إلى الأفرع الأمنية بسلام. وتقول “تعرضت للكثير من الإهانة (…) في إحدى المرات، أبقوني في الفرع ليوم كامل، وفي مرة أخرى طلب مني ضابط أن أعمل مخبرة لصالحهم”.

دفعها الخوف للفرار إلى لبنان، حاملة معها وثائق ملكية العائلة وكل ورقة حصلت عليها خلال زياراتها المتكررة للأفرع الأمنية والمؤسسات الرسمية لأسباب تنوعت بين السؤال عن زوجها، وإصدار شهادة وفاته، ومحاولة الاستفادة من راتبه وأملاكه، وتثبيت وصاية أطفالها.

وتقول “هناك استغلال من كل الجهات، تشعر المرأة أنها لقمة سائغة”.

وتضيف “حتى الناس حولك يشعرونك انك أصبحت بلا سند حين يذهب الزوج، فتحاربين وتعيشين معركتك وحدك”.

“همي الأكبر”

كانت راميا تحلم أن يصبح ابنها مهندساً والآخر طبيباً، لكنهما تركا الدراسة لمساعدتها.

وإزاء وضع مالي صعب، قررت بيع منزل ومزرعة العائلة، لتجد أن السلطات سبقتها وحجزت عليهما “احتياطياً” بتهمة تورط زوجها بـ”الإرهاب”.

بموجب قانون مكافحة الإرهاب لعام 2012، يحق للنائب العام حظر التصرف بالأموال المنقولة وغير المنقولة لكل من يرتكب جريمة متعلقة بعمل “إرهابي”، ويحق للقضاء مصادرتها ونقل ملكيتها للدولة.

ومنذ بداية النزاع، وجهت السلطات لمعتقلين كُثر اتهامات “عشوائية مرتبطة بالارهاب” وفق ما يقول حقوقيون. وبذلك، وجدت نساء وأرامل أنفسهن من دون أي شيء في مجتمع يسوده الفساد وتسجل فيه الممتلكات بمعظمها باسم الرجل.

وتحاول راميا منذ سنوات عبر محامين ووسطاء فك الحجز.

وتقول “هذا همي الأكبر، وكل ما أريده إزالة إشارة الحجز. وبمجرد أن يحصل ذلك، سأبيع من أجل أولادي” الذين تريدهم خارج لبنان وسوريا.

في تقرير صدر في نيسان/أبريل، قدّرت رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا أن النظام صادر ممتلكات معتقلين بقيمة تفوق مليار و538 مليون دولار، وتشمل الممتلكات منازل وأراضي ومحالا وسيارات وأرصدة مصرفية وسواها.

لا

سألت سلمى (43 عاماً) التي طلبت استخدام اسم مستعار، مرة واحدة فقط في 2015 عن زوجها المعتقل.

وتقول “وضعوني في غرفة، وبات يدخل علي بين الحين والآخر عنصر أمن ليهددني. خفت كثيراً وقررت ألا أسأل عنه مجدداً”، فبقيت وحيدة مع أولادها الأربعة فيما النزاع في أوجه.

وتقول “عشت الجحيم، لم أكن أقوى على النوم، يرافقني شعور دائم بالخوف”.

وبعدما حسمت خيارها باللجوء الى لبنان، قررت بيع سيارة زوجها ومنزله لتحمل كلفة النزوح وتأمين عيش كريم، لتجد أنّ الدولة سبقتها وحجزت عليهما. فما كان منها سوى الالتفاف على القانون، فباعت السيارة بنصف سعرها وفق عقد مزور بتاريخ يسبق اعتقال الزوج.

وحين حاول أحدهم استغلالها عارضاً شراء المنزل بمبلغ زهيد كونه محجوزاً، رفضت.

وتقول “بعت ذهبي لنشتري المنزل. فهل أبيعه وأخسر فيه أيضاً؟”.

ولا يتوقف الأمر على القوانين، إذ تتحدّى النساء أيضاً قيود مجتمع محافظ.

وتقول محامية في دمشق فضلت عدم الكشف عن اسمها، “الحرب منحتهنّ القوة. وبتن يتعلمنّ قول لا”.

كسر القيود

هكذا، كسرت تُقى (45 عاماً) قيوداً اجتماعية طوقتها طوال حياتها بعدما اضطرت لتحمل مسؤولية أولادها الخمسة وحدها، وأحدهم اعتقل وتعرض للتعذيب في سن الـ15.

وتقول “كنت لا أخرج (من المنزل) حتى لشراء الخضار والخبز”، لكنها فجأة باتت أمام واقع آخر: “عليّ أن أعالج إبني وأبحث عن زوجي وأطعم أولادي”.

تركت تُقى خلفها في سوريا منزلاً بات جزءاً من ماضيها. وتقول “حتى لو عدت، فليس لي أي حق” كامرأة ولاجئة وزوجة معتقل.

في لبنان، عزلت نفسها عن العالم خصوصا بعد تعرضها لحوادث تحرش. وتقول “في البداية كنت ألوم نفسي، لأن ما تعلمناه أن المرأة دائماً المُلامة”.

لكنها ما لبثت أن نهضت بنفسها فعملت وحضرت تدريبات وجلسات علاج نفسي.

وتقول “خسرت كثيراً، لكن الإيجابي أني بُتّ امرأة قوية، قادرة أن أحمي أولادي وأعمل وأتعلم”.

وتضيف “لم أعد المرأة التي يُغلق عليها الباب، ولم أربّ أولادي كما تربيت”. (AFP)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها