ألمانيا تخفف اكتئاب الرجال الأرامل بهذه الطريقة

يظهر الارتعاش البادي في صوت جورج مدى الصعوبة التي يعانيها، عند التحدث عن فقدان شريكة حياته، التي فارقت الحياة منذ بضعة أشهر بعد حياة مشتركة على مدى 25 عاما.

وانضم جورج مؤخرا إلى مجموعة تهوى الطهي، تجتمع بانتظام في مبنى مدرسة بمدينة بالشمال الألماني تم إعدادها خصيصا للأرامل. ويقول جورج (60) وهو يقلب حلوى الأرز باللبن داخل إناء لتجنب احتراقه “ما هو الشيء الآخر الذي يمكنني فعله، ولو لم أشترك في مجموعة الطهي، لكان يتعين علي أن أجلس وحيدا في منزلي”.

ويشرف وينفريد ماركس على أنشطة الطهي التي يقوم بها الرجال، ويزودهم بنصائح قيمة إلى أن يحل المساء، وتسمح المجموعة التي تزاول نشاطها في مدينة لونبرج لأعضائها بمقابلة أشخاص آخرين يعانون من فقدان شريكاتهم في الحياة.

وبعد أن توفت زوجته، بدأ جورج في التردد على طبيب نفسي لعلاج أحزانه، كما يحتفظ بتقويم كبير الحجم في منزله، يدون عليه كل يوم رسائل قصيرة لمحبوبته. والوجبات التي يعدها أفراد المجموعة تتسم بالبساطة حتى لا تشكل عليهم ضغوطا إضافية، ويتم إعداد الأطباق من مكونات تكون في الغالب محلية وغير محفوظة تراعي مواسمها.

ويقول ماركس الذي تولى الإشراف على المجموعة بعد تقاعد أحد الطهاة، إنه بالإضافة إلى كون هواية الطهي وسيلة مرحب بها، لإخراج الرجال الأرامل من حالة الحزن التي يمرون بها، فإن المجموعة تهدف أيضا إلى تعليم الرجال العناية بأنفسهم جيدا، وليس الاكتفاء بمجرد تسخين الوجبات المحببة لهم.

ويأتي إلى كل حصة تدريبية ما يصل إلى ثمانية رجال، مكونين مجموعات تركز أيضا على شؤون تجمعاتهم السكنية وتبادل الأفكار، وفقا لما يقوله ماركس الذي يعمل أيضا متطوعا للتفريج عن أحزانهم.

وتلقى ماركس دورات تدريبية في الطهي، وهو لا يركز على إعداد الأطعمة الفاخرة، ولكن يهدف إلى إتاحة مساحة للمشاركين، للتصالح مع مشاعرهم بالتدريج وتقبل واقعهم الجديد.

ويقول ماركس “عندما يتعلق الأمر بالموت نجد أنفسنا بلا خبرة تماما في تقبله، ويتعلق الأمر كثيرا بالإصغاء إلى أحاسيس الأرامل”. وتجد هذه المجموعة مشاركة طيبة من الأرامل الرجال، وعلى سبيل المثال حضر رينير (79 عاما) كل لقاء تقريبا خلال الأعوام الأربعة الماضية، ويقول وهو يضع أوراق الشمندر السكري بعناية في أطباق السلطة “إن الأمر الجوهري في هذه المجموعة هو أن أكون مع أناس آخرين”.

ويضيف “إنني أعرف بعض الأفراد الذين انعزلوا عن العالم تماما، وهذا يعني أنهم أصبحوا على حافة الاكتئاب”.  ويوضح أنه ليس من السهل قبول المساعدة بعد فقدان شخص عزيز، متذكرا أنه شعر بالعزلة وبأنه لم يتقبل بعض عروض المساعدة السريعة التي قدمها عدد من الأشخاص بعد وفاة زوجته.

كما يتذكر رينير أنه فكر في الحصول على كلب يؤنس وحدته، ولكنه عاد من مأوى للكلاب خالي الوفاض مرتين، بعد أن أدرك أن هذا الإجراء ليس هو الحل المناسب.

ويقول رينير إنه يمكن تفهم تماما قرار بعض الأشخاص بدء علاقة جديدة بعد فقدان شخص عزيز، حيث أن كل فرد يحتاج إلى رفيق، ويضيف “هذه في الواقع هي الطريقة التي تساعد المرء على الاستمرار في العيش”، على الرغم من أنها لا تناسبه.

ومن ناحية أخرى تعلم سيغفريد (87 عاما) طريقة طهي الطعام من زوجته، خلال آخر عامين من حياتها، وكانت تقوم بإعطائه نصائح وإرشادات حول أساليب الطهي المختلفة، في المطبخ وهي جالسة على مقعدها المتحرك.

وعلى الرغم من انضمامه إلى المجموعة منذ عامين، لا يزال سيغفريد يريد أن يحسن من قدراته، وهو يطرح أسئلة على ماركس من آن إلى آخر للتعرف على المزيد من المعلومات حول طرق الطهي، كما يعرب عن إعجابه بالأحاديث المتبادلة بين أعضاء المجموعة وبالأنشطة المشتركة بينهم.

وثمة مجموعات أخرى مماثلة في مختلف أنحاء العالم، والكثير منها في ألمانيا تقع تحت إشراف طهاة محترفين، وأخصائيين مدربين في مجال التخفيف عن الأحزان.

وفي هذا الصدد تقول منسقة الأنشطة أندريا هالبمان ميرز، من دار الضيافة التي أتاحت اللقاءات “لدينا أيضا مقهى للتخفيف عن الأحزان، معظم المترددين عليه من النساء”.

وتضيف أن الرجال يتجهون لأن يكونوا أكثر انفتاحا على حصص الطهي التعليمية، حيث أنها تعطيهم شيئا ملموسا يفعلونه، وتشير من واقع خبرتها إلى أن التحدث خاصة عن الأحزان يصبح سريعا له نفس القدر من الأهمية.

بينما تقول روزماري فيشر التي تعمل بإدارة رعاية المسنين والمصابين بأمراض مزمنة، بولاية ساكسونيا السفلى، إن “الرجال يصعب أحيانا اجتذابهم للمشاركة في الأنشطة الاجتماعية”. وتضيف أن الرجال يشعرون غالبا أنهم أكثر ميلا لكبت عواطفهم، مما يمنعهم من الاقتراب من الآخرين الذين يشاركونهم المعاناة من أوضاع مماثلة.

ويتم الآن إيلاء المزيد من الاهتمام لهذه المسألة، مما أدى إلى تحقيق مدى أوسع من الأنشطة، وفي دار الضيافة المخصصة للعجزة تقول فيشر إن دورات تعليم طرق الطهي المصممة للرجال، وكذلك حصص الفن، تمثل أهمية خاصة من بين البرامج المعروضة.[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها