دويتشه فيله : بلد غني و سكان فقراء .. الفقر في سجون ألمانيا
يبلغ عدد السجناء في سجون ألمانيا حوالي 45 ألف شخص، من الذكور والإناث، بالغين وأحداث، بما في ذلك المتواجدين في الحبس الاحتياطي. هؤلاء الأشخاص يقضون عقوبات سالبة للحرية، لذلك حريتهم مقيدة في أشياء كثيرة.
فهم مثلا لا يمكنهم المقارنة بين عروض محلات السوبر ماركت للحصول على أحدث وأنسب العروض على الخبز أو الزبد أو زيت عباد الشمس إلخ. ولا الذهاب إلى حوالي 1000 منفذ من منافذ تقديم الطعام المجاني للفقراء، للمؤسسة المعروفة باسم “تافل” (Tafel)، التي تشبه “بنك الطعام” في بعض البلاد العربية.
يمكن للسجين فقط وضع علامة على قائمة كل أسبوع بالمنتجات التي يرغب في شرائها، بالإضافة طبعا إلى الطعام الأساسي المجاني، الذي يقدمه السجن. أحيانًا تكون الأسعار داخل السجن أعلى بكثير من “الخارج”؛ لأن شركة واحدة تزود جميع السجون الألمانية البالغ عددها 160 تقريبًا، وبالتالي فهي تحتكر فعليا عملية التوريد.
على سبيل المثال، يمكن أن يكون سعر قارورة المياه المعدنية في السجن 34 سنتًا بدلاً من 19 سنتًا في محلات السوبر ماركت الرخيصة، وهذا يعني زيادة في سعرها بنسبة 80 بالمائة تقريبًا.
ويبدو أن السجناء في ألمانيا يتأثرون بالتضخم أكثر بكثير من شرائح السكان الأخرى. لكن ليس لديهم “لوبي” يسعى من أجل مصالحهم.
يكاد لا يكون هناك اهتمام سياسي بالسجناء
هناك عدد قليل جدًا من الأشخاص في هذا البلد يدافعون عن مصالح السجناء ويحذرون من العواقب الوخيمة للتضخم على هذه المجموعة المنسية تقريبا. يوليانه ناغل، عضوة حزب اليسار (دي لينكه) في برلمان ولاية سكسونيا، هي واحدة منهم وصرحت قائلة: “يجب أخيرًا زيادة أجر السجناء العاملين، وهو منخفض للغاية، حيث يعمل حوالي 2000 من بين 3500 سجين في السجون السكسونية، ويحصلون على أجر بخس بحد أقصى 2,15 يورو (اثنان يورو وخمسة عشر سنتا) في الساعة ولا يتم تضمينهم حتى في تأمين المعاش القانوني”.
تصف السياسية اليسارية الواقع في السجون في جميع أنحاء ألمانيا بدقة تامة: يعمل معظم السجناء، وهم ملزمون بذلك في اثنتي عشرة ولاية من أصل 16 ولاية اتحادية. إنهم يعملون في المطابخ، ويشغلون وقتهم في أعمال النجارة أو تركيب مكونات لصالح ورش حدادة ومعادن. ويحصلون نظير ذلك على يورو واحد إلى ثلاثة يورو في الساعة.
التضخم يلتهم المال القليل أصلا
ويقال إن الهدف من ذلك هو إظهار للسجناء “قيمة العمل المنتظم لحياة خالية من العقاب”. وهذا يعني في لغة الموظفين الرسمية إعادة التأهيل، للتحضير للحياة بعد مغادرة السجن، علما بأن السجناء العاملين لا يعتبرون قانونيًا موظفين أو عمالا. لكن على العكس من ذلك، يشعر السجناء أن هذا إشارة إلى أن العمل بإخلاص لا يفيد.
لأن المال القليل، الذي يكسبونه، يتم الآن إنفاقه على مواد النظافة مثل مزيل العرق أو الشامبو أو ماكينة الحلاقة علاوة على المكالمات خارج السجن أو المواد الغذائية مثل الفاكهة أو الزبادي أو المياه المعدنية، الزائدة عن الغذاء الذي يقدمه السجن. وفي السابق كان من المستحيل تقريبًا الادخار أثناء التواجد في السجن. أمّا اليوم، في أكتوبر/ تشرين الثاني 2022، في أوقات التضخم، فلا أمل في الادخار إطلاقا.
وقد قام سجناء الآن بتقديم شكاوى: من أجل دفع أجر مناسب، يقوم على الحد الأدنى للأجور من ناحية. ومن ناحية أخرى، للحصول على أسعار غذاء مناسبة. فحتى قبل الحرب في أوكرانيا، كانت هذه الأسعار أعلى مما كانت عليه في السوبر ماركت – على الرغم من أن السجون ملزمة بتمكين السجناء من التسوق بأسعار السوق.
إعادة تأهيل أم استغلال؟
السجين مانويل ماتسكه قام بنفسه على مدار سنوات بوضع علامة على قوائم مشتريات السوبر ماركت الإضافية، وكان يدقق بشدة في كل سنت ينفقه من أجل مواصلة الصمود بشكل أو بآخر حتى نهاية الشهر، وهو يعرف مخاوف السجناء بشكل لا مثيل له. لقد تم سجنه في سكسونيا لعدة سنوات بتهمة الاحتيال الاقتصادي على نطاق واسع، وهو الآن المتحدث الاتحادي لنقابة السجناء.
ويقول ماتسكه: “لدينا استغلال فجّ للسجناء عندما يمارسون عملا (في السجن). وأسعار مواد الحياة اليومية في المؤسسات العقابية باهظة جدا ويمكن بالتأكيد للسجناء في ألمانيا التوقيع على “هاشتاغ” #ichbinarmutbeschlag”. ويعني الهاشتاغ باختصار “أنا فقير”.
يعرف ماتسكه أيضًا حجج الجانب الآخر أي إدارات السجون: التكاليف التي تتحملها السجون باهظة. والسجناء لا يجب عليهم دفع أي شيء مقابل الملابس والطعام الأساسي والإقامة. والسجون لم تحقق مكاسب من عمل السجناء.
لكن ماتسكه لا يريد ترك الأمر على هذا النحو ويقول: “السجناء هم أسوأ حالاً من متلقي الإعانة الاجتماعية (تعرف قانونيا بـ Hartz IV)، حتى لو قيل لهم دائمًا أن كل شيء سيقدم لهم. إنهم يريدون دفع النفقة وتسوية الديون وتعويض الضحايا. لكن لا شيء من هذا ممكن بالنسبة لهم. لدينا في السجون ترتفع الأسعار بسبب التضخم، لكن أجر السجين لا يزداد. هذا ظلم لا يمكن وصفه”.
الحديث عن استحقاق المعاش التقاعدي
هناك جملة تردد اليوم أكثر من أي وقت مضى وهي “تدخل السجن مديونا، تخرج منه مديونا أكثر”. ويضاف إلى ذلك أن العمل في السجون لا يدخل في حساب المعاش، ويضاف أيضا شبح الفقر في الشيخوخة الذي ينتظر بالفعل خلف أبواب مغادرة السجن. ويتوقع الخبراء أن يكون معدل العودة إلى الإجرام مرتفعا للغاية، لا سيما بسبب عدم استحقاق المعاش التقاعدي. وتقريبا سجين من كل اثنين يرتكب جريمة أخرى في السنوات الثلاث الأولى من عودته للحرية.
ومهما كان الأمر، فإن إدراج السجناء في تأمين التقاعد هو مسألة مذكورة في اتفاق تشكيل ائتلاف حكومة إشارة المرور. خطوة طال انتظارها، يقول مانويل ماتسكه، المتحدث على المستوى الاتحادي باسم نقابة السجناء.
“تزداد ديون الأشخاص الموجودين في السجن. وحتى عند الإفراج المبكر، يجب في معظم الحالات إعداد تقرير طبي نفسي جنائي، والذي سيكلفك ما بين 5000 و 6000 يورو. في النهاية، السجن حلقة مفرغة لا يمكنك الخروج منها”، يقول ماتسكه. (DW)[ads3]