” أزمة خطيرة ” بين ألمانيا و فرنسا !
اعترف وزير المالية الفرنسي برونو لومير أخيراً بأن العلاقات الفرنسية الألمانية تمر بأوقات “صعبة” وبأن باريس تريد “إعادة تقييم استراتيجي” لعلاقاتها ببرلين، وذلك بعد يوم واحد فقط من اعتماد لغة دبلوماسية في تأجيل لقاء وزاري دوري مشترك تحجج بـ “جدول الأعمال”.
وبعد تأجيلين على خلفية الأزمة بين البلدين، حدد المستشار الألماني أولاف شولتس والرئيس إيمانويل ماكرون موعداً لاجتماع لجنة مصغرة في 26 تشرين الأول/أكتوبر للنظر عن قرب في الخلافات المتنوعة بين الجانبين.
وتمر الشراكة بين أقوى دولتين في الاتحاد الأوروبي بفترة أزمة خطيرة تميزت بتباين الرأي حول سياسة الغاز وما يُنظر إليه في باريس على أنه أحادية الجانب الألماني من حيث الدعم الاقتصادي للسكان والشركات. لكن هذه ليست سوى بعض القضايا الخلافية، والبعض الآخر يتعلق بنزاعات شديدة الأهمية والحساسية في صناعة الدفاع.
وبينما حذر إيمانويل ماكرون بالقول إنه “ليس من الجيد لأوروبا أو لألمانيا أن تعزل برلين نفسها”، نفى شولتس بهدوء قائلاً إن بلاده “لطالما تصرفت بطريقة موحدة للغاية”.
في عام 2017، انتقد الإليزيه المستشارة السابقة أنغيلا ميركل لتجاهلها خطاب ماكرون الأوروبي في جامعة السوربون. بعد خمس سنوات، في 29 آب/أغسطس، صحح شولتس هذا الإهمال الألماني ورد على حليفه عبر خطاب براغ.
لكن شولتس تجاهل بشكل مثير مشاريع التعاون العسكري الصناعي التي رعاها الشريكان على مدى عدة عقود. وقبل ذلك كان قد دافع عن توسيع الاتحاد الأوروبي إلى الشرق من 27 إلى 30 أو حتى 36 عضواً. أما فرنسا فتفضل بالعكس تطوير “نواة صلبة” من البلدان الملتزمة بتعميق التكامل. اقتراح شولتس باستخدام تصويت الأغلبية في مسائل السياسة الخارجية والضرائب ليس عملياً للغاية، لأنه يتطلب إعادة تفاوض بالإجماع على المعاهدات.
ويبدو أن الغزو الروسي يؤثر في السياسة الخارجية الألمانية تأثيراً عميقاً، حيث أن اعتمادها الهائل على الغاز الروسي وقرب الحرب جغرافياً منها والضغوط التي تتعرض لها من جيرانها الشرقيين يجعلها تعيد النظر في تحالفها مع دول أوروبا الغربية.
حتى أن وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك قالت بصيغة يفهم منها شعور برلين بالذنب “كان أصدقاؤنا يحذروننا منذ فترة طويلة لكن لم نستمع إليهم. فلنحرص الآن على عدم تكرار مثل هذا الخطأ. تطالب بولندا جارتها النازية السابقة بتعويضات عن الحرب، وتنتقد مع جمهورية التشيك مماطلة الحكومة الألمانية في تسليم دبابات إلى أوكرانيا. حتى وزير دفاع بلد صغير كلاتفيا هو أرتيس بابريكس توجه إلى الألمان بالقول “نحن مستعدون للموت من أجل حريتنا. هل أنت، ألمانيا، مستعدة للموت دفاعاً عن حريتك؟”.
لكن رغبة ألمانيا بالعودة إلى مجالها “الشرقي” لا يقابل بالضرورة بالترحاب، فهي بالنسبة لبابريكس تنتمي إلى “الغرب”، إلى الفئة الجغرافية والسياسية التي يضع فيها بنبرة ازدراء متعمد البلدان المؤسسة للاتحاد الأوروبي “التي أعمتها سذاجتها تجاه روسيا”. فرنسا هي أيضا جزء من هذا النادي، وهي تنتمي بحسب الحكومة البولندية إلى هذه “الأوليغارشية الأوروبية” التي تضم بالإضافة إلى باريس برلين وبروكسل.
على الجانب العسكري، تُترجم صيغة “العودة إلى الشرق” التي تكررت عدة مرات إلى أن “أمن أوروبا الشرقية هو أمن ألمانيا”. وعد أولاف شولتس باستثمار 100 مليار يورو في الجيش مما يسمح بحلول عام 2026 بالوفاء بالتزامات ألمانيا المالية لحلف الناتو (2٪ من الناتج المحلي الإجمالي).
في المستقبل القريب، ستركز ألمانيا جهودها في ليتوانيا على إنشاء لواء عسكري في البلد المطل على بحر البلطيق تحت القيادة الألمانية. وبالمثل، تعمل باريس على تعزيز وجودها في رومانيا في إطار الحلف الأطلسي.
الرئيس السابق للبوندستاغ الألماني ووزير المالية الأسبق فولفغانغ شويبله اقترح منذ فترة قريبة أن تشكل فرنسا وألمانيا وبولندا “نواة مجتمع دفاعي أوروبي” وتعتمد “مبادئ توجيهية مشتركة” وحشد الأوروبيين الآخرين لدمج جيوشهم الوطنية. وهي فكرة يشاركها أيضاً وزير الخارجية البولندي السابق ياسيك تشابوتوفيتش.
لكن الفكرة بالكاد تجتذب باريس. بالنسبة للعديد من المحللين، الازدهار الجديد لهذه الأفكار من شأنه أن يخفي عدم استعداد الحكومة والجيش في ألمانيا لتبني عقيدة عسكرية تخالف الرأي العام الألماني السلبي تجاه لعب بلادهم دوراً عسكرياً مهماً.[ads3]