رويترز : رجل دين سني يتحدى زعماء إيران مع تصاعد الاحتجاجات
لم يفت شيء، فيما يبدو، في عضد رجل دين سُني بارز وجّه انتقادات غير مسبوقة للزعيم الأعلى الإيراني بسبب حملة أمنية دموية في مسقط رأسه. ولم يأبه هذا الأسبوع بتحذيرات من قوات الأمن، وواصل مطالبته بمزيد من الحقوق لأقليته، وعبّر عن دعمه للجماعات الأخرى في الاحتجاجات التي تشهدها جميع أنحاء البلاد.
ولطالما كان الشيخ عبد الحميد إسماعيل زهي معارضا للسلطات، مطالبا بتحسين مستويات المعيشة وتعزيز التمثيل السياسي للأقلية السُنية، التي من بينها جماعة البلوش العرقية التي ينتمي لها، وأيضا السكان الأكراد في الجمهورية الإسلامية ذات الأغلبية الشيعية. ودأبت الحكومة الإيرانية على إنكار التمييز ضد السُنة.
وتصاعدت انتقادات عبد الحميد منذ أن أشعلت احتجاجات على مستوى البلاد، قُتل فيها أكثر من 250 شخصا، بعد وفاة امرأة كردية تبلغ من العمر 22 عاما في مقر للشرطة يوم 16 سبتمبر أيلول بحسب منظمات حقوقية.
ووقعت بعض من أسوأ الاضطرابات في المناطق التي تقطنها أقليات عرقية، تحمل مظالم منذ فترة طويلة ضد الدولة مثل منطقة سيستان-بلوشستان والمناطق الكردية. وألقى مسؤولون باللوم على المسلحين الانفصاليين في الاضطرابات.
وقالت منظمة العفو الدولية إن قوات الأمن قتلت 66 شخصا بالرصاص يوم 30 سبتمبر أيلول، في حملة قمع أعقبت صلاة الجمعة في واحدة من أكثر الحوادث دموية في مدينة زاهدان، موطن عبد الحميد. وألقى مسؤولون باللوم على المسلحين الانفصاليين في فتح النار على مركز للشرطة مما أدى إلى تبادل لإطلاق النار.
وفاقم عبد الحميد، الذي ندد بعمليات القتل ووصفها بأنها “جريمة”، المخاطر بشكل كبير يوم الجمعة حين قال إن الزعيم الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي ومسؤولين آخرين “يتحملون المسؤولية أمام الله”.
ويوم السبت، أصدر الحرس الثوري الإيراني الذي يتمتع بنفوذ كبير، وهو قوة عسكرية متشددة تستخدمها الدولة لسحق الاضطرابات السياسية، ما قال إنه “تحذير أخير” لعبد الحميد بألا يثير حمية الشباب، لأن هذا “قد يكلفك غاليا”.
لكن في مقطع فيديو شاهدته رويترز، لم يظهر الخضوع على رجل الدين ذو اللحية البيضاء أثناء اجتماع في يوم الاثنين، جلس فيه وسط مجموعة من مساعديه المقربين معتمرا عمامته.
وقال للجماعة: “الشيء الإيجابي الذي يمكن استخلاصه من الأحداث، هو أن كثيرين من الناس تخلوا عن مخاوفهم”. وقدم عبد الحميد احتجاجات الأسابيع القليلة الماضية في سياق ما وصفه بنضال من أجل حقوق السُنة، منذ الثورة الإسلامية.
ومضى عبد الحميد يقول: “لسوء الحظ، المسؤولون لا يستمعون. طيلة 43 عاما ونحن نصرخ من أجل (حقوق) السُنة والبلوش، الذين يملكون هذه الأرض والذين يدافعون عن المنطقة”. وامتنع عبد الحميد، الذي اتصلت به رويترز عبر وسيط، عن التعليق لهذا الموضوع.
ويوضح العنف في زاهدان مدى انتشار الاحتجاجات التي بدأت بعد وفاة مهسا أميني في مقر للشرطة وسط الجماعات العرقية الإيرانية لتتحدى سيطرة الحكومة في أجزاء من البلاد أخمدت فيها السلطات المعارضة السابقة بلا هوادة.
وقال عبد الحميد إن رد الفعل القوي على وفاة أميني يُظهر أن “الشعب الإيراني غاضب في جميع أنحاء البلاد”، بحسب بيان نشره موقعه الرسمي على الإنترنت يوم 20 سبتمبر أيلول، وأشار فيه إلى الأزمات الاقتصادية الشديدة والفساد وعقوبة الإعدام، و”تصعيد الضغط الديني على الأقليات”.
وواجهت أقلية البلوش التي يقدر عددها بنحو مليوني نسمة التمييز والقمع على مدى عقود، وفقا لجماعات لحقوق الإنسان. ويقع إقليم سيستان-بلوشستان، في جنوب شرق إيران على الحدود مع باكستان وأفغانستان، هو واحد من أفقر أقاليم البلاد، وشهد عمليات قتل متكررة على أيدي قوات الأمن في السنوات الماضية.
وقال عبد الهادي جمشادزي، وهو محاضر جامعي في ماليزيا على اتصال بعبد الحميد، إن رجل الدين لم يردعه رد السلطات. وقال جمشادزي لرويترز: “إنه ليس خائفا، ولا يتوارى حتى في الوقت الذي تجوب فيه قوات الأمن في ثياب مدنية شوارع زاهدان بأسلحتهم بلا مواربة”. ولم يتسن لرويترز التأكد بشكل مستقل من الوضع الأمني في زاهدان.
هادئ الطباع
عبد الحميد من أصول متواضعة. ولد في عام 1947 في قرية بالقرب من زاهدان. نشأ في أُسرة متدينة، والتحق بمدارس دينية ودرس العلوم الإسلامية الأساسية قبل أن يسافر إلى باكستان طلبا لمزيد من العلم الديني.
وعلى مدى الثلاثين عاما الماضية، يلقي عبد الحميد مواعظ وخطبا في المسجد المكي الكبير في زاهدان وغيره. وخلال تلك الفترة نال تأييدا قويا من السكان السُنة في المنطقة.
ولوقت طويل طالب في خطبه بحقوق متكافئة للسُنة، الذين يمثلون نحو 5% من سكان إيران البالغ عددهم 84 مليون نسمة، منتقدا غياب الفرص الاقتصادية وحرية العبادة للسُنة.
وفي السنوات الماضية طالب القادة الإيرانيين بتعيين وزير سُني واحد على الأقل، أو نائب للرئيس، أو نائب وزير، لكن بلا طائل. وأغضبت تعليقاته السلطات الإيرانية التي منعته من السفر في عام 2017.
وفي ذلك العام كتب إلى خامنئي يحثه على أن تولي الدولة اهتماما أكبر بالسُنة. ورد عليه مكتب الزعيم الأعلى قائلا إن الحكومة الإيرانية لا تسمح بالتمييز أو عدم المساواة بين المواطنين.
وفي عام 2018 بعث عبد الحميد برسالة، إلى رجل الدين الشيعي الأعلى في العراق المجاور آية الله العظمى علي السيستاني، طالبا منه التوسط لدى السلطات الإيرانية للمساعدة في إنهاء “التمييز الفادح” ضد السُنة.
وتضمنت فقرات من الرسالة، التي نشرها عبد الحميد في موقعه على الإنترنت، شكواه من أن السُنة في إيران محرومون من الفرص في الإدارة العليا، وأنهم ليس لهم حتى مسجد يليق بهم في طهران.
وعلى الرغم من الانتقادات، حرص عبد الحميد على أن يضع نفسه في صورة المعتدل، الذي يمكنه العمل مع الحكومة إذا دعت الحاجة لذلك. وقال جمشادزي لرويترز: “هو رجل دين هادئ الطباع. نادرا ما يفقد أعصابه، ويحاول دائما ضبط النفس”.
ومن حين لآخر اعتمد عليه المسؤولون الإيرانيون في أوقات الأزمات. وقاد جهود وساطة مع الجماعة البالوشية المتمردة (جيش العدل) لإطلاق سراح أربعة من حرس الحدود الإيراني خُطفوا في عام 2014.
ونفذت الجماعة، التي تصفها طهران بأنها منظمة إرهابية، هجمات متكررة على قوات الأمن الإيرانية. واتخذ عبد الحميد أيضا خطوات عملية مثل مساندة الرئيس المتشدد إبراهيم رئيسي في انتخابات العام الماضي.
واتخذ قادة السُنة، الذين أغضبهم فشل الحكومات الإصلاحية السابقة في توفير الحقوق الأساسية الاجتماعية والسياسية للسُنة، قرارا إستراتيجيا بمساندة أولئك الذين يعتقدون أن لهم سلطة إيجاد فرق حقيقي قي حياتهم.
وعلى الرغم من علاقته المتوترة مع السلطات الإيرانية، اجتمع عبد الحميد من آن لآخر مع كبار المسؤولين، بمن فيهم رئيسي في لقاء مع علماء دين سُنة آخرين في مايو أيار.
المسؤولون يتهمون مسلحين
فاقمت حملة قمع عنيفة في زاهدان بعد صلاة الجمعة في الثلاثين من سبتمبر أيلول التوترات بشكل كبير. وزاد الغضب الشعبي قبل إطلاق النار بسبب مزاعم عن اغتصاب مسؤول أمني لفتاة في سن المراهقة. وتقول السلطات إن تحقيقا يُجرى في القضية.
وبينما حمّل المسؤولون مسلحين انفصاليين مسؤولية العنف، ندد عبد الحميد بمحاولة التستر وقال إن الشرطة أطلقت النار على مجموعة صغيرة من الشباب الذين رشقوها بالحجارة قبل أن تفتح النار على مدنيين عُزل كانوا يؤدون الصلاة.
وقال في بيان على موقعه الإلكتروني: “على الجميع أن يدركوا أنه لا يمكن أبدا إخفاء الحقيقة… لقد أيقظت هذه الحادثة شعبنا. وأدرك أبناء الشعب أن عليهم المطالبة بحقوقهم علانية ودون أي اعتبارات”.
وعلى مدار سنوات ظلت منطقة سيستان-بلوشستان ملاذا للمسلحين، وتعرضت قوات الأمن الإيرانية لهجمات على أيدي جماعات بلوشية مسلحة من قبيل جيش العدل وأنصار الفرقان الذين يقولون إنهم يسعون لتعزيز حقوق الأقلية العرقية.
ويقول كورنيليوس أديباهر، الخبير في الشؤون الإيرانية في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي ومقرها واشنطن، إن احتمال اندلاع انتفاضة عرقية أوسع نطاقا قائم في مناطق من إيران حتى لو كانت السلطات تسعى للتمسك بروايتها، وتحميل مسحلين انفصاليين المسؤولية عن الاضطرابات الراهنة.
وأضاف أديباهر قائلا: “هناك الكثير من المظالم التي تنطوي على احتمالات نزعات انفصالية… وفي حال بدا النظام مترنحا، فقد يعتقد البعض -ليس الشباب أو الناشطات النسويات الذين يشاركون في المسيرات الآن- أنها لحظة مواتية لتغيير الوضع الراهن”. (euronews)[ads3]