دويتشه فيله : هل تسمح ألمانيا للصين بابتزازها كما تحاول روسيا فعله ؟
بعد ثلاث سنوات من العزلة التي فرضتها الصين على نفسها، سيكون المستشار أولاف شولتس أول رئيس حكومة غربي يزور بكين على رأس وفد كبير من رجال الأعمال.
الصين هي الشريك التجاري الأكبر لألمانيا. والاستثمارات الاقتصادية الألمانية في الصين كبيرة. في أيلول/سبتمبر، افتتحت المجموعة الكيميائية بي إيه إس إف (BASF) مصنعاً كبيراً للإنتاج في زانجيانغ، جنوب الصين. عشرة مليارات يورو ستتدفق إلى المصنع بحلول عام 2030. من المتوقع أن يأتي حوالي ثلثي نمو BASF من الصين بحلول نهاية العقد. تستثمر صناعة السيارات الألمانية أيضاً بشكل كبير في الصين. 40 في المائة من جميع سيارات فولكس فاغن تباع في الصين. بعد أن كشفت الأمم المتحدة انتهاكات حقوق الإنسان والسخرة في منطقة شينغيانغ بغرب الصين في الصيف، رفضت فولكس فاغن إغلاق مصنعها في تلك المنطقة.
وذكرت وكالة رويترز للأنباء الأسبوع الماضي أن فولكس فاغن كانت تخطط لمشروع برمجيات كبير مشترك مع شركة التكنولوجيا الصينية هورايزون روبوتيكس Horizon Robotics، حيث سيتم استثمار ملياري يورو.
وأثارت صفقة أخرى مثيرة للجدل مع شركة كوسكو Cosco الصينية المملوكة للدولة ضجة الأسبوع الماضي. أرادت شركة الشحن البحري الاستحواذ على أسهم في ميناء هامبورغ، والذي يعتبر بنية تحتية حساسة في ألمانيا ومن الأهم من نوعه في أوروبا. وضع المستشار شولتس، عمدة هامبورغ السابق، ثقله في الصفقة واستطاع إجازتها بما يخالف تحذيرات الخبراء والمقاومة من داخل حكومته.
فهل ترتكب ألمانيا نفس الأخطاء فيما يخص علاقتها بالصين كما فعلت في علاقتها مع روسيا، من خلال جعل نفسها شديدة الاعتماد اقتصادياً على الدول التي تنتهك بشكل علني القانون الدولي (مثل روسيا التي تهاجم أوكرانيا)، أو باستخدام القوة العسكرية بشكل غير مباشر لتحقيق مطالبها الإقليمية؟
من جديد، أكد رئيس الدولة وزعيم الحزب الصيني شي جينبينغ على سياسته بشأن تايوان في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني الذي عقد مؤخراً: “يجب أن تتحقق إعادة التوحيد وستتحقق”، وحظي بتصفيق طويل من حوالي 2300 مندوب في جمهورية الصين الشعبية اجتمعوا في قاعة الشعب الكبرى. هذا على الرغم من أن التايوانيين أصبحوا أقل رغبة في إعادة التوحيد، وبالتأكيد ليست تحت حكم الحزب الشيوعي. لكن شي جينبينغ يتحدى تلك الرغبة، حيث يقول: “تايوان صينية. الأمر متروك للصينيين لحل قضية تايوان، ويجب على القوى الخارجية عدم التدخل فيها”.
لا يتوقع خبراء من “معهد ميراكتور للدراسات الصينية” MERICS ومقره برلين اندلاع حرب على تايوان في السنوات المقبلة، طالما تمكنت جميع الأطراف من تجنب الاشتباكات غير المقصودة ومنع الصراعات الصغيرة من التفاقم إلى مواجهات واسعة النطاق. “ولكن إذا اندلعت حرب، فإن أكبر قوتين في العالم، الولايات المتحدة والصين، ستتقاتلان في منطقة أكثر أهمية للاقتصاد العالمي من أوروبا الشرقية”، كما يقول برنارد بارتش من المعهد.
ستتأثر العديد من قطاعات الاقتصاد الألماني بالحرب في حال اندلاعها. تحتكر الصين الكثير من المعادن والعناصر النادرة والحيوية للصناعة. من بين الثلاثين مادة الخام التي يصنفها الاتحاد الأوروبي على أنها “حساسة (للاقتصاد والصناعة)”، تأتي 19 مادة منها بشكل رئيسي من الصين لتستخدم في تصنيع الهواتف الذكية ومصابيح LED والمحركات الكهربائية والخلايا الشمسية ورقائق الكمبيوتر. وبالتالي، فإن التحول من الطاقة الإحفورية إلى الطاقة النظيفة في ألمانيا يعتمد إلى حد كبير على الإمدادات من الصين.
على الرغم من هذه المخاطر الجيوسياسية وانتهاكات حقوق الإنسان في الصين، تعمل برلين على توسيع علاقاتها الاقتصادية مع بكين. لا يدعو حزب الخضر، الذي تنتمي لصفوفه وزيرة الخارجية ووزير الاقتصاد، وحده إلى تقليص هذه التبعية للصين حتى لا تتحول في يوم من الأيام إلى ابتزاز، كما تحاول روسيا فعله اليوم، بل وحذر جهاز المخابرات الخارجية مؤخراً من أن ألمانيا أصبحت “معتمدة بشكل مؤلم” على قوة “لم تعد تبدو فجأة جيدة التصرف”.
يقول ميشايل براند، رئيس لجنة حقوق الإنسان والمساعدات الإنسانية في البرلمان الألماني (بوندستاغ): “علينا أن نحرر أنفسنا خطوة بخطوة من التبعية التي فرضناها على أنفسنا، إذا كنا لا نريد أن نفقد حريتنا خطوة بخطوة”. زار ميشايل براند تايوان الأسبوع الماضي. لدى الصين “مطالبة شموليّة وتسعى لتحقيقها عالمياً وبشكل هادف”، حسب تقديره.
واتخذت الولايات المتحدة خطوات عملية بهذا الشأن؛ إذ شددت في الآونة الأخيرة قيود تصدير رقائق الكمبيوتر إلى الصين بشكل كبير وتعتزم شركة “آبل” تركيز الإنتاج بشكل أكبر في الهند وفيتنام في المستقبل.
أعلنت الحكومة الألمانية كذلك عن استراتيجية جديدة فيما يخص العلاقة مع الصين لعام 2023، والتي ستكون أكثر انتقاداً لبكين مما كانت عليه في عهد المستشارة السابقة أنغيلا ميركل. وزارة الخارجية الألمانية بقيادة وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، التي وصفت الصين بأنها “خصم منهجي” منذ بداية ولايتها في المنصب، وتناولت بشكل علني انتهاكات حقوق الإنسان في الصين، هي رأس الحربة في تلك السياسة.
وعلى الرغم من تضمين القضايا الحساسة في العلاقة مع الصين مثل انتهاكات حقوق الإنسان في شينغيانغ، والوضع في هونغ كونغ، والنزاع حول تايوان ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ في اتفاقية التحالف بين الأطراف المشاركة في الحكومة الفيدرالية، وهي حزب الخضر، والحزب الديمقراطي الاشتراكي، والحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي)، ولكن ما دامت العلاقات الاقتصادية مع ألمانيا تزدهر، فإن حكومة شي جينبينغ ستظل غير متأثرة بأي كلام عن استراتيجية أكثر انتقاداً للصين. (DW)[ads3]