هل يمكن لألمانيا أن تمتلك سلاحاً نووياً ؟

يرى المحلل الألماني شتيفان إف. إستسابو أن الحرب المتهورة التي يشنها الزعيم الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا وتهديده باستخدام الأسلحة النووية، أوضحت أن قضية الردع النووي أصبحت الآن في غاية الأهمية في سياسة الأمن الأوروبية.

وسوف تكون إحدى النتائج الرئيسية لإعادة التوجه الاستراتيجي لألمانيا إعادة إحياء نقاش بشأن تطوير رادع نووي. وهذه قضية لا يرغب مناقشتها أي أحد في ألمانيا في ضوء تاريخها المظلم والنفور من كل ما هو نووي.

وقال إستسابو، وهو أستاذ مساعد للدراسات الألمانية والأوروبية بجامعة جورج تاون الأمريكية في تقرير نشرته مجلة ناشونال انتريست الأمريكية، إنه رغم ذلك، سوف يصبح هذا الأمر قضية لا مفر منها تواجه صناع السياسة الألمان على المدى المتوسط.

ويعد الغزو الروسي لأوكرانيا إشارة إلى نهاية الترتيب الأمني الذي تم التوصل إليه في فترة ما بعد الحرب الباردة مع توحيد ألمانيا في عام 1990.

وأصبحت كل الافتراضات والسياسات التي تم صياغتها حول تلك التسوية كأن لم تكن الآن، بما في ذلك التزام ألمانيا بعدم إنتاج أو امتلاك أسلحة الدمار الشامل.

وأوضح خطاب ألقاه مؤخرا الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، الذي كان مؤيدا لإقامة علاقات وثيقة مع موسكو على مدى سنوات كثيرة أن برلين تعتبر روسيا الآن تهديدا بالنسبة للمستقبل المنظور.

وبناء على ذلك، يعيد هذا فتح التزام برلين بمعاهدة عدم الانتشار واعتمادها على الردع النووي الأمريكي بوصفه حجر الأساس لسياستها الأمنية

وأصبحت العوامل الرئيسية التي تعيق تطوير قوة نووية ألمانية أكثر ضعفا الآن. وتتضمن هذه العوامل اتفاقيات الحد من الأسلحة، ومصداقية الردع الأمريكي، وتراجع ألمانيا عن برنامجها الخاص بالطاقة النووية للأغراض المدنية، والمقاومة الداخلية لإنشاء قوة نووية، والخوف من أن ألمانيا مسلحة نوويا سوف تحيي ” المسألة الألمانية، لدى شركائها الأوروبيين.

والمسألة الألمانية كانت نقاشا في القرن التاسع عشر بشأن أفضل السبل لتوحيد جميع الأراضي التي يقطنها ألمان.

وأضاف إستسابو أنه من الواضح تماما اليوم أن التهديد الرئيسي لأمن ألمانيا وأوروبا لايأتي من القوات التقليدية الروسية ولكن من الابتزاز النووي والحرب الهجينة.

واُعتبر الأساس المنطقي لقيام الولايات المتحدة بنشر قوات نووية متوسطة المدى على الأراضي الألمانية في حقبة ثمانينيات القرن الماضي، أنه وسيلة لمنع روسيا من استخدام الابتزاز النووي.

ولا تستطيع ألمانيا أن تعتمد أكثر من ذلك على الولايات المتحدة كشريك مستقر في ضوء اختلال الديمقراطية الأمريكية والتوجهات الانعزالية على نحو متزايد.

وأوضح الرئيس الفرنسي أيضا مؤخرا أن قوة الردع الفرنسية هي لحماية الأراضي الفرنسية والدفاع عنها، ولاتمتد لشركائها الأوروبيين.

ويتعلق عامل رئيسي يحد من الخيارات النووية لألمانيا بإغلاق منشأتها للطاقة النووية للأغراض المدنية، الذي كان قد أعلنته المستشارة الألمانية السابقة انجيلا ميركل في عام 2011ومن المقرر أن يُستكمل العام الجاري.

غير أن حرب بوتين في أوكرانيا وقطع إمدادات الطاقة الناجم عن ذلك قد تسببا في تأجيل قرار برلين بإغلاق محطاتها للطاقة النووية.

وبناء على ذلك، فإن ألمانيا سوف تكون لديها قريبا القدرة على استخدام خبرتها النووية المدنية في الأغراض العسكرية في غضون وقت قصير.

وبالطبع، فإن عملية الترويج لذلك في الداخل، سوف تكون سياسة صعبة للغاية. ليس فقط لأن هناك حزب الخضر المتمكن والمؤثر المناهض للطاقة النووية منذ تأسيسه، ولكن هناك أيضا نزعة مسالمة قوية لدى تيار اليسار، وبصفة خاصة الحزب الديمقراطي الاجتماعي والخضر. ولكن ألمانيا مرغمة على إعادة النظر في موقفها النووي في ظل البيئة الجيوسياسية. واضطر بالفعل حزبا الخضر والديمقراطي الاجتماعي لتعديل وجهات نظريهما بشأن السياسة العسكرية والمناخية. وسوف يؤدي مزيد من التدهور في البيئة الجوسياسية الأوروبية إلى المزيد من التغيرات في الائتلافات الحاكمة في المستقبل.

وأخيرا، هناك القلق المتمثل في أن القوة النووية سوف تعيد فتح المسالة الألمانية وتحفز على تنظيم تحالفات أوروبية مضادة.

غير أن أزمة أوكرانيا قد أوضحت أن أوروبا أكثر قلقا إزاء غياب قيادة ألمانيا في مجال الدفاع، ولكنها ليست قلقة من تعزيز قوتها للردع.

وكما قال شتاينماير، فإن ألمانيا تواجه الآن بعض الخيارات الصعبة للغاية.

وأضاف المحلل الألماني أن كوريا الشمالية المسلحة نوويا وإيران الطامحة للحصول على قوة نووية واحتمال أن تصبح اليابان وكوريا الجنوبية قوتين نوويتين يطرح السؤال: لماذا يتعين أن تتخلف ألمانيا في هذا المجال في ضوء قوتها وكونها محور الأمن الأوروبي؟

واختتم إستسابو تقريره بالقول إنه ربما تفاجأ بوتين بردود الأفعال في فنلندا والسويد على غزوه، ولكنه ربما يتفاجأ أكثر من رد الفعل طويل الأجل في ألمانيا إزاء سياساته الوحشية. (DPA)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها