ألمانيا تكافح للسيطرة على انهيار نموذج أعمالها
لا يمكن لمكان عمل أن يكون أكبر – وأكثر ازدحاما – من مقر شركة باسف في لودفيكسهافن. إنه بحجم مدينة صغيرة، ويعد أكبر مجمع كيميائي متكامل في العالم، فيه واحدة من أكبر محطات معالجة مياه الصرف الصحي في أوروبا، ومستشفى خاص به وفرقة إطفاء.
إن الغاز الطبيعي شريان الحياة في لودفيكسهافن. إنه المادة التي تتدفق عبر شبكتها الكثيفة من الأنابيب، والوقود لمحطات توليد الطاقة، والمادة الأولية لعملياتها الكيميائية. أدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى القضاء على موردها الرئيس.
استجابت شركة باسف أولا لارتفاع أسعار الغاز عن طريق إغلاق مصنع الأمونيا الخاص بها وتقليل معدل تشغيل منشأة الأسيتيلين، ما أدى إلى عرقلة إنتاج اثنين من لبنات البناء الكيماوية المستخدمة في صنع مجموعة من المنتجات المختلفة التي تعد حيوية لسلاسل القيمة الصناعية الحديثة.
يقول أوفي ليبلت، رئيس المواقع الأوروبية في شركة باسف، “أدت أسعار الغاز الطبيعي المرتفعة إلى إيجاد وضع كان فيه استيراد الأمونيا من الخارج أرخص من تصنيعها بأنفسنا”.
بحلول تشرين الأول (أكتوبر)، كانت الشركة قد اتخذت إجراءات أبعد من ذلك بكثير، وخلصت إلى أن ارتفاع تكاليف الطاقة قد قوض بشدة القدرة التنافسية لأوروبا حيث كان عليها تحويل أعمالها بالكامل.
أعلن الرئيس التنفيذي، مارتن برودرمولر، أن شركة باسف ستقلص حجمها في أوروبا “بأسرع ما يمكن، وبشكل دائم أيضا”. من المتوقع أن يتم إجراء معظم التخفيضات في موقع لودفيكسهافن.
إن شركة باسف ليست وحدها. منذ الصيف، كانت الشركات في جميع أنحاء ألمانيا تكافح للتكيف مع شبه الاختفاء للغاز الروسي. لقد خفضوا الأنوار، وتحولوا إلى استخدام النفط – وكملاذ أخير، خفضوا الإنتاج. حتى إن البعض يفكر في نقل العمليات إلى دول تكون فيها الطاقة أرخص.
يثير ذلك قلقا عميقا بشأن مستقبل الصناعة الألمانية واستدامة أنموذج الأعمال في البلد، الذي كان يعتمد منذ فترة طويلة على الطاقة الرخيصة التي تضمنها الإمدادات الوفيرة للغاز الروسي.
قالت كونستانز ستيلزنمولر، مديرة مركز الولايات المتحدة وأوروبا في معهد بروكينجز، إن ألمانيا دراسة حالة لدولة غربية قامت “برهان استراتيجي” على العولمة والاعتماد المتبادل – وتعاني الآن العواقب.
كتبت في حزيران (يونيو)، “لقد أسندت أمنها إلى الولايات المتحدة، ونموها الذي تقوده الصادرات إلى الصين، واحتياجاتها من الطاقة إلى روسيا. تجد نفسها الآن معرضة للخطر بشكل لا يطاق في أوائل القرن الـ21 الذي اتسم بمنافسة القوى العظمى وتزايد استخدام الاعتماد المتبادل كسلاح من قبل الحلفاء والخصوم على حد سواء”.
بعدة طرق، تجسد شركة باسف وجهة نظر ستيلزنمولر. إذ إنه على مر الأعوام، أصبحت تعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي الذي يأتي عبر الأنابيب. قال برودرمولر في نيسان (أبريل)، إنها تشكل “أساس القدرة التنافسية لصناعتنا”.
أصبحت مترابطة بشكل متزايد مع الصين، التي تمثل الآن 12 مليار يورو من عائداتها السنوية. وتقوم شركة باسف حاليا ببناء مجمع كيماوي بقيمة عشرة مليارات يورو في غوانغدونغ، جنوب شرق الصين، في أكبر استثمار أجنبي في تاريخها.
ينظر البعض في برلين إلى مصنع الصين الجديد بعين الريبة. يقول أحد المسؤولين الألمان، “إنها تبني ببساطة نسخة أخرى من لودفيكسهافن هناك. الخوف هو أنها قد تغلق يوما ما الموقع الألماني تماما وتجري جميع أعمالها في المصنع الصيني بدلا من ذلك. لن يهتم المساهمون في الشركة بذلك، طالما ظلت الأموال تتدفق”.
من جانبها، نفت شركة باسف إلى حد كبير المخاوف من تكرار الأخطاء نفسها التي ارتكبتها الشركات الألمانية في روسيا – أن تصبح معتمدة بشكل كبير على بلد استبدادي ذي نيات عدوانية محتملة تجاه جيرانه. يقول برودرمولر، الذي قضى عشرة أعوام في هونج كونج، إن شركة باسف لا يمكنها تحمل عدم الوجود في الصين، التي تمثل 50 في المائة من سوق المواد الكيميائية العالمية وتنمو بقوة أكبر بكثير من أوروبا.
قال برودرمولر للصحافيين في أكتوبر إن هناك مخاطر، لكننا “توصلنا إلى نتيجة مفادها أن الصين فرصة (…) ومن المنطقي توسيع موقعنا هناك”. ينبغي للألمان أن “يتوقفوا عن تقريع الصين والنظر إلى أنفسنا بشكل أكثر انتقادا لذاتنا”.
هذا ما يفعله بعض الألمان بالضبط – ويدعون إلى إعادة التفكير بشكل كبير في النموذج الاقتصادي للبلد، في كل شيء من إلغاء الأنظمة إلى الهجرة. كريستيان ليندنر، وزير مالية البلد أخبر “فاينانشيال تايمز”، “يجب أن يتغير نموذج الأعمال الألماني. إذ كان يعتمد على أسعار الطاقة المنخفضة (…) وعلى وفرة العمال المهرة، والأسواق المفتوحة أمام منتجات التكنولوجيا الفائقة في ألمانيا”. لكن “هذا النموذج لم يعد يعمل حقا لأن كثيرا من العناصر الأساسية قد تغيرت”.
“نعيش عيش الكفاف”
في غضون ذلك، تجد الشركات في جميع أنحاء ألمانيا نفسها مثقلة بتكاليف الطاقة الباهظة قصيرة الأجل. شركة كيه بي إم، واحدة من أقدم منتجي البورسلان في أوروبا، وأسسها الملك فريدريك العظيم في بروسيا 1763، تصهر المزهريات، والأكواب والأطباق في أفران يتم تسخينها إلى 1،600 درجة مئوية وليس لديها بديل عن الغاز.
يقول الرئيس التنفيذي يورج ولتمان، “إنها أكبر أزمة تواجه الشركة منذ الحرب العالمية الثانية. إننا نعيش عيش الكفاف”.
تمكنت شركة كيه بي إم من خفض استخدامها للطاقة من 10 إلى 15 في المائة كما يقول، من خلال إطفاء الأنوار والتدفئة في عطلات نهاية الأسبوع وتعبئة أفرانها بشكل أكثر إحكاما “حتى نتمكن من الاستغناء عن عملية صهر واحدة”. لم تقم الشركة بتخفيض الإنتاج، لكن تكاليفها ارتفعت، ليس فقط للطاقة لكن لجميع المواد الخام والمدخلات مثل التعبئة والتغليف. يقول ولتمان إنه سيتعين على شركة كيه بي إم أن تبدأ في رفع أسعار منتجاتها بحلول منتصف العام المقبل.
ذكرت الإحصاءات الحكومية الصادرة الشهر الماضي أن الإنتاج في الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة، التي تمثل 23 في المائة من جميع الوظائف الصناعية في ألمانيا، قد انخفض 10 في المائة منذ بداية العام. تلقت قطاعات مثل المعادن، والزجاج، والسيراميك، والورق والمنسوجات أكبر ضربة. يقول كليمنس فيست، رئيس معهد أيفو، “هذا يعني أن هناك 1.5 مليون عامل في ألمانيا تتعرض صناعاتهم حاليا لضغوط”.
كما تعاني هاينز جلاس، شركة تصنيع زجاج عمرها 400 عام ومقرها ولاية بافاريا الجنوبية تصنع القوارير والعبوات لصناعة العطور ومستحضرات التجميل.
تقول كارليتا هاينز، الرئيسة التنفيذية للشركة، “في 2019، دفعنا نحو 11 مليون يورو للطاقة – هذا العام سيكون المبلغ 32 مليون يورو”.
على عكس شركة كيه بي إم، كافحت شركة هاينز جلاس للحد من استهلاك الغاز. تقول هاينز، “لا يوجد مجال كبير لإجراءات كفاءة الطاقة. كنا دائما حريصين للغاية بشأن استخدامنا للطاقة، لذا لا يمكننا فعل المزيد لتقليله”.
تأمل أن تتدخل الحكومة لتقديم المساعدة. هناك سوابق واجهت شركة هاينز جلاس، وهي أنها عانت أزمة في القرن الـ19 عندما تجاوز سعر الخشب، مصدرها الرئيس للطاقة، سقف الأسعار. تقول، “مولت الحكومة بناء خط سكة حديد ليصبح من الممكن نقل الفحم مباشرة إلى مصنعنا، وتمكنا من التحول”.
إن بعض المساعدة في طريقها بالفعل. في أيلول (سبتمبر)، أعلن المستشار أولاف شولز إنشاء “درع واقية” بقيمة 200 مليار يورو للتخفيف من تأثير تكاليف الطاقة المرتفعة على الشركات والأسر، بما في ذلك الضغط على “مكابح” على سعر الغاز. تأمل هاينز أن تكون هذه مجرد البداية. تقول، “ستفعل الحكومة ما هو مطلوب لإبقاء الصناعة في ألمانيا على قيد الحياة. لأنه دون صناعة فإن بلدنا لا يساوي شيئا”.
ربما تعاني شركات تصنيع الزجاج والسيراميك في ألمانيا – لكنها صغيرة الحجم نسبيا. لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة إلى الصناعات الكيماوية، التي توظف أكثر من 450 ألف شخص في ألمانيا. يقول هنريك أهلرز، المدير الإقليمي لشركة أي وأي جيرمني، “إذا انخفض الحجم إلى النصف، فسيكون لذلك تأثير مباشر في ازدهار البلد”.
تمتلك ألمانيا أكبر صناعة للمواد الكيميائية في أوروبا حتى الآن – ومع ذلك فإنها تعتمد بالكامل تقريبا على الطاقة والمواد الخام المستوردة. على مدى عقود، كانت شركة باسف، أكبر مستهلك صناعي للغاز في أوروبا، تحصل على معظم هذه الواردات من روسيا.
الآن أصبحت تكلفة هذا الاعتماد واضحة. تقول الشركة إنها اضطرت لدفع 2.2 مليار يورو مقابل الغاز بين كانون الثاني (يناير) وسبتمبر أكثر مما دفعته في الفترة نفسها من 2021 وانتهى بها الأمر بتكبد خسارة قدرها 130 مليون يورو في أعمالها الألمانية في الربع الثالث. وتخطط الآن لتخفيض تكاليف قدرها مليار يورو على مدى العامين المقبلين، ويرجع ذلك جزئيا إلى ارتفاع أسعار الطاقة.
يرى ليبلت من شركة باسف أن هناك القليل من الراحة في المستقبل. يقول، “انخفض سعر الغاز لكنه لم يقترب حتى مما كان عليه من قبل. وسيبقى أعلى بشكل ملحوظ من السعر في الولايات المتحدة، مثلا”.
شبح تراجع التصنيع
يكمن القلق الآن في أن الإنتاج الصناعي يمكن، على المدى الطويل، أن يتحول بعيدا عن ألمانيا. أظهر استطلاع للرأي أجرته بي دي آي، مجموعة الضغط التجارية الرئيسة في ألمانيا، خلال الصيف، أن نحو واحدة من كل أربع شركات ميتلستاند – وهي الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم التي تشكل العمود الفقري للاقتصاد الألماني – تفكر في نقل الإنتاج إلى الخارج. كانت تكاليف الطاقة هي التي أدت إلى هذا التحول بشكل أساس.
لكنها ليست العامل الوحيد. قال برودرمولر من شركة باسف في أكتوبر، إن بيئة الأعمال في ألمانيا – وأوروبا على نطاق أوسع – “تدهورت”. ظل النمو في السوق الأوروبية بطيئا منذ عقد من الزمان. قال إن أنظمة الاتحاد الأوروبي توجد “حالة عدم يقين كبيرة”.
يستشهد قادة الصناعة بإجراءات مثل توجيه الانبعاثات الصناعية في الاتحاد الأوروبي واستراتيجيته للمواد الكيميائية من أجل الاستدامة، التي تم تصميمها لحظر المواد الكيميائية الأكثر ضررا في المنتجات الاستهلاكية.
يقول ليبلت، “قد يكون العبء التنظيمي الذي يتراكم قابلا للإدارة من قبل اللاعبين العالميين، لكني لا أعرف كيف من المفترض أن تستوعبه شركة متوسطة الحجم مكونة من 100-200 شخص”.
المناخ الاستثماري في أماكن أخرى يبدو أكثر جاذبية. فقانون إدارة بايدن للحد من التضخم، الذي يتضمن 369 مليار دولار من الإعانات للتكنولوجيات الخضراء، لديه القدرة على إغواء عشرات الشركات الألمانية بعيدا عن قاعدتها المحلية.
بموجب قانون الحد من التضخم، ستقتصر إعانات شراء المركبات الكهربائية على تلك المصنوعة من أجزاء من أمريكا الشمالية ويتم تجميعها هناك، وهو نظام يقول الاتحاد الأوروبي إنه سيلحق الضرر بالقاعدة الصناعية في أوروبا ويخالف قواعد منظمة التجارة العالمية.
في حديثه في برنامج حواري تلفزيوني حديث، قال سيجفريد روسورم، رئيس “بي دي آي”، إنه صدم من “عدد شركات ميتلستاند التي تقول إنه مع (…) المزايا التي أحصل عليها في الولايات المتحدة مع قانون اشتر المصنوعات الأمريكية ينبغي أن أفكر بجدية في جعل استثماري المقبل هناك بدلا من ألمانيا”.
يذهب البعض بعيدا إلى حد التكهن بأن ألمانيا ستجرد من قاعدتها الصناعية. توقعت مذكرة حديثة لمحلل دويتشه بنك، إريك هيمان، أن حصة التصنيع في إجمالي القيمة المضافة لألمانيا – 20 في المائة في 2021 – ستنخفض في الأعوام المقبلة.
كتب قائلا، “إذا نظرنا خلفنا إلى أزمة الطاقة الحالية بعد نحو عشرة أعوام، فيمكننا أن نرى أن هذه المرة كانت نقطة انطلاق لتسريع تراجع التصنيع في ألمانيا”.
ستنجو الشركات متعددة الجنسيات الكبرى. لكن “سيكون تحديا أكبر للشركات الألمانية الصغيرة ومتوسطة الحجم، ولا سيما في الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة، للتكيف مع عالم الطاقة الجديد”. واستطرد قائلا، “كثير من الشركات ستفشل في القيام بذلك”.
البناء على نقاط القوة
إن نظرة الحكومة أقل تشاؤما. حيث قال روبرت هابيك وزير الاقتصاد خلال مؤتمر في تشرين الثاني (نوفمبر) إن البعض يشعرون “بمتعة حسية تقريبا” من خلال توقعاتهم بتراجع ألمانيا، وتحديد المشكلات “فقط حتى يتمكنوا من الانغماس فيها”.
قال، “كل من يعتقد أننا سندع ألمانيا تنهار كقوة صناعية لم يحتسبوا (…) براعة الصناعة الألمانية، ولم يضعوا في الحسبان تصميم الحكومة الألمانية وعزيمة وزارتي. إن ذلك لن يحدث”.
بعض الاقتصاديين يشاركونه هذا التفاؤل. حيث يشير ينس سوديكوم، أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة هاينريش هايني في دوسلدورف، إلى الإجراءات الحكومية مثل كبح أسعار الغاز. يقول، “بهذا، تم القضاء على خطر تراجع التصنيع إلى حد ما”.
كما أنه يشدد على نقاط القوة للصناعة الألمانية على المدى الطويل – مثل سلاسل القيمة العميقة، والإنتاجية العالية وجودة المنتجات، وشركات ميتلستاند التي تعد رائدة عالميا في مجالها.
يقول إن النجاح الصناعي في ألمانيا “هو نتيجة استثمارات طويلة الأجل والمعرفة العميقة والأتمتة بدرجة عالية. كل هذه المزايا هي مزايا تكونت على مدى عقود ولن تختفي فجأة”.
كما أن ألمانيا أظهرت في الماضي أنها تستطيع تغيير نموذج أعمالها بنجاح في المواقف الصعبة. وخير مثال على ذلك “أجندة 2010″، التي أدت لتحرير شامل لنظام الضمان الاجتماعي وسوق العمل الذي دفعه المستشار جيرهارد شرودر في 2003. يعود الفضل في هذه الإصلاحات إلى تشجيع عشرات الآلاف على العودة إلى العمل وتخفيف البطالة على المدى الطويل.
يقول أهليرس، “نجحنا حينها في إصلاح أمورنا. لم يكن الأمر بتلك السهولة، لكن يمكنك تحقيق الإنجازات عندما تنوي ذلك حقا”.
يقول كثيرون في برلين إن الأزمة الحالية يمكن أن توفر الحافز نفسه للإصلاح المشابه لحالة ارتفاع معدلات البطالة والركود الاقتصادي في أوائل العقد الأول من القرن الـ21 اللذين أديا إلى أجندة 2010.
لكن ليندنر يقر بأن المسألة تتطلب كثيرا من العمل. حيث قال، “علينا إدخال إصلاحات في قوانين الهجرة للسماح بدخول مزيد من العمال المهرة إلى ألمانيا، وتسريع إجراءات التخطيط حتى يتسنى لمشاريع البنية التحتية أن تتقدم بوتيرة أسرع، وفك قيود أسواق المال لدينا حتى نتمكن من تمويل الشركات الناشئة (…) ورقمنة اقتصادنا والإدارة العامة”.
أضاف، “علينا أن نسرع وتيرة العمل والتغلب على نقاط ضعفنا”.
مع ذلك، يتفق الوزراء ورؤساء الشركات والاقتصاديون جميعا على أن مستقبل الصناعة الألمانية قد يتوقف على السرعة التي يمكن أن تجد بها طرقا جديدة لتزويد نفسها بالطاقة. حيث بذلت الدولة جهودا شجاعة لإيجاد بدائل لواردات الطاقة الروسية، وبناء محطات استيراد للغاز الطبيعي المسال، وإعادة تشغيل محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، وإطالة أمد مفاعلاتها النووية.
كما أنها تعمل على تسريع نشر طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وهو جزء رئيس من خطتها لكي تستمد 80 في المائة من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بحلول 2030 – التي تبلغ حاليا 50 في المائة – والتحول إلى الكربون المحايد بحلول 2045.
لكن شركة باسف تخشى أن يكون الدفع نحو استخدام مصادر الطاقة المتجددة بطيئا للغاية. قال لارس كيساو، رئيس وحدة نيت زيرو أكسيليريتور التنظيمية في شركة باسف، “إذا أردنا تحقيق هدفنا لـ2030 باستخدام طاقة الرياح والطاقة الشمسية، فسيتعين علينا بناء ما يقارب 30 جيجاواط كل عام، غير أننا في الأعوام القليلة الماضية قمنا ببناء 6.5 جيجاواط فقط في المتوسط كل عام. لذلك فإن الفجوة تتسع في كل عام”.
إن حجم التحدي ضخم بالفعل. تقول صناعة طاقة الرياح إن ألمانيا يجب أن تضع 6 توربينات للرياح يوميا لكي تستطيع تحقيق الهدف في 2030، يتطلب الأمر ما يصل إلى 3300 طن من الفولاذ يوميا – أو ما يقارب نصف الفولاذ في برج إيفل. مع ذلك، بين يناير ويونيو من هذا العام، تمكنت من تركيب ما معدله أقل من توربين واحد كل يوم.
يقول ماركوس شتايليمان، رئيس هيئة في سي آي، وهي الهيئة الألمانية لتجارة المواد الكيميائية، إنه في مواجهة هذه العقبات، فإن ألمانيا تخاطر “بالتحول من دولة صناعية إلى متحف صناعي”.
ردا على سؤال حول تعليقات شتايليمان، قال هابيك، وزير الاقتصاد، لـ”فاينانشيال تايمز”، إن الوضع الذي تجد صناعة الكيماويات نفسها فيه “يمثل تحديا لا يمكن إنكاره”. لكنه يلمح إلى أن اللوم يقع عليها وحدها. قال، “لأنهم لم ينوعوا إمدادات الطاقة الخاصة بهم، بل اعتمدوا على الغاز الروسي. وقد تبين الآن أن ذلك كان خطأ”.[ads3]