” رايان إير ” و ” إيزي جيت ” تقلصان عملهما في ألمانيا لهذا السبب
طبقت شركتا الطيران منخفض التعرفة “رايان إير” (Ryanair) و”إيزي جيت” (EasyJet) نفس قواعد اللعبة التي استخدمتاها في كل أنحاء أوروبا على مدى عقدين في ألمانيا، إذ بدأتا العمل من مطارات الأقاليم الصغيرة مثل ميمينغن في بافاريا ولوبيك على شاطئ البلطيق. ثم استحوذتا على حصة سوقية بفضل جذب تعرفتيهما المنخفضتين للركاب المهتمين بالسعر دون مبالاة بغياب الكماليات والرفاهية. توسعت الشركتان بمرور الوقت إلى برلين وفرانكفورت وميونيخ وزادت حصتهما السوقية على حساب شركة “لوفتهانزا” (Deutsche Lufthansa).
تدافع الشركتان الصاعدتان اليوم عن حصتيهما في السوق، فيما تستعيد “لوفتهانزا” قوتها، فقد انسحبت “إيزي جيت” من خط فرانكفورت-برلين الشهير في 2020، وتبعتها “ريان إير” متخلية عن فرانكفورت، وعزت ذلك إلى ارتفاع رسوم الهبوط ومرابض الطائرات في أكبر مطارات ألمانيا، الذي تديره شركة تملك “لوفتهانزا” حصة فيها، بشكل قضى على الربحية.
انخفضت نسبة شَغْل مقاعد “ريان إير” في ألمانيا بنحو النصف بعد الوباء، فيما زادت 40% في إيطاليا، وفقاً لشركة أبحاث الطيران “سيريوم” (Cirium). كما قلصت “إيزي جيت” أسطولها في برلين بأكثر من الثلثين إلى 11 طائرة مقابل إنشاء أسطول في لشبونة وزيادة عدده إلى 9 طائرات.
تعاظم السيطرة
بينما أصبح أكبر اقتصاد في أوروبا غير متاح لشركات الطيران منخفضة التكلفة، كان انتعاش سوقه أبطأ من مناطق أخرى في القارة، إذ تجاوزت حركة المرور في بعض الأسواق الرئيسية مستويات ما قبل الوباء، فيما بلغت في ألمانيا نحو 75% من مستويات 2019، كما لم تبلغ رُبع مستويات الذروة في عديد من المدن الصغيرة، ما دفع المطارات الإقليمية إلى حافة الإفلاس، كما تراجع نشاط السياحة.
احتفظت “لوفتهانزا” بحصتها السوقية وسط سيطرتها على أكثر من ثلثي مرابض الطائرات في مطاري فرانكفورت وميونيخ، بزيادة كبيرة مقارنةً مع ما تسيطر عليه “بريتيش إيروايز” (British Airways) و”إير فرانس” (Air France-KLM) في مطاراتها الرئيسية في لندن وباريس.
تزايد مخاطر إفلاس شركات طيران أوروبية في الشتاء المقبل
تحتكر “لوفتهانزا” وتابعتها “يورو وينغز” (Eurowings) منخفضة التعرفة على صعيد خطوط الطيران الداخلية السوق بشكل شبه كامل، لا يترك حافزاً لخفض الأسعار. يبلغ سعر تذكرة رحلة فرانكفورت-ميونخ على خطوط “لوفتهانزا” عند شرائها قبل أسبوعين من الرحلة 349 يورو (360 دولاراً)، فيما تبدأ أسعار تذاكر السفر لنفس المسافة تقريباً بين لندن وإدنبرة لدى 3 شركات طيران مختلفة من 56 جنيهاً إسترلينياً (67 دولاراً).
رفعت “لوفتهانزا” متوسط سعر التذاكر للصيف المقبل بما يزيد 40% على بقية كبرى شركات الطيران الأوروبية، حسب موقع المقارنة “ايديالو” (Idealo).
تضرر المستهلك
اتهمت هيئة الرقابة على المنافسة في ألمانيا “لوفتهانزا” بأنها استغلّت موقعها المهيمن لرفع الأسعار بعدما استحوذت في 2018 على جلّ ما تبقى من حصة “إير برلين” (Air Berlin)، التي صُفيت، لكنها قالت إنها لا تستطيع رفع دعوى قضائية وفرض عقوبات لأن “إيزي جيت” حصلت أيضاً على بعض الطائرات والمرابض ضمن تصفية الشركة في محاولة فاشلة للتوسع.
قال دارا برادي، رئيس التسويق في “ريان إير”: “يحمي نظام عمل السوق (لوفتهانزا)، فيما يتضرر المستهلك الألماني”.
طيران “لوفتهانزا” تسدد آخر دفعة إنقاذ مالية قبل موعدها
من حيث المبدأ، المجال الجوي في الاتحاد الأوروبي متاح لكل الشركات، ويحق لشركات الطيران في دوله تشغيل رحلات داخلية في أي دولة. عزز هذا توسع “إيزي جيت” و”ريان إير” و”ويز اير” (Wizz Air) في كل أنحاء القارة وأجبر الشركات الكبرى مثل “بريتيش إيروايز” و”إير فرانس” على خفض الأسعار أو تقليص عملياتها.
حصلت “لوفتهانزا” على دعم حكومي بقيمة 9 مليارات دولار لتفادي التعثر مع بدء عمليات الإغلاق بسبب الوباء وتعطيل معظم أسطولها، فيما لم يكن متاحاً لشركات مثل “إيزي جيت” أو “رايان إير” ذلك الحجم من الدعم، الذي تستعدّ “لوفتهانزا” بعد سداده للحكومة للنمو من جديد وتوظيف نحو 20 ألف موظف.
منافسة عبر التكاليف
رسوم وضرائب مطارات ألمانيا هي الأعلى بين أكبر 4 أسواق في الاتحاد الأوروبي، وفقاً لشركة “آر دي سي” (RDC) للأبحاث، التي تقول إنّ تكلفة هبوط الطائرات الصغيرة في مطارَي ميونيخ أو فرانكفورت تزيد 13% على متوسط تكلفة مطارات الخطوط الأوروبية الرئيسية. كما تزيد التكلفة في المطارات الألمانية الثانوية بأكثر من الربع عن المتوسط لدى المطارات المماثلة.
كذلك لا توجد بدائل متعددة منخفضة التكلفة في المطارات الرئيسية بأكبر المدن الألمانية، على عكس مطار ستانستيد في لندن، معقل “ريان إير”، أو مطارَي “إيزي جيت” الرئيسيين في لوتون وغاتويك.
تعول “لوفتهانزا” على تابعتها “يورو وينغز” في منافسة شركات الطيران منخفضة التعرفة رغم خسائرها، فهي تحافظ بذلك على الأسعار عند مستوى يدفع الشركات الأخرى لتقليص عملياتها في ألمانيا وتشغيل طائراتها في مناطق أخرى، لدى احتساب الضرائب والرسوم المرتفعة.
بيّن كارستن شبور، رئيس “لوفتهانزا” التنفيذي، أن الشركات منخفضة التعرفة توقعت في البداية تعثر مساعي شركته نحو الطيران الاقتصادي تحت وطأة بيروقراطية الشركات، وقال في مؤتمر هاتفي للتعليق على الأرباح في أكتوبر: “سخروا من ذلك… لكن ثبت أنها أداة فعالة جداً”.
لا يقتصر التأثير على خطوط الطيران القصيرة فقط، فمنذ أكثر من عقد لم تستطع “طيران الإمارات”، أكبر شركة طيران دولي، الحصول على تصريح بالهبوط في برلين بسبب اشتراط السلطات تخليها عن استخدام أحد المطارات الألمانية الأربعة الأخرى التي توجد فيها.
أكد رئيس “طيران الإمارات” تيم كلارك أن هذا ليس خياراً، وقال للصحفيين في برلين في نوفمبر: “قلنا أي واحد تريدون منا التخلي عنه؟ هل يمكنكم التفاهم مع من سُيحرمون من خدماتنا؟”.[ads3]