هبوط مخيف للصادرات و خطر الركود يقترب .. كيف عانى اقتصاد ألمانيا خلال 2022 ؟

أظهرت بيانات رسمية تراجع الصادرات الألمانية أكثر من المتوقع في ديسمبر/كانون الأول الجاري، إذ أدّى ارتفاع معدلات التضخم وتراجع الطلب الخارجي وضعف سلاسل التوريد إلى زيادة خطر الركود في أكبر اقتصاد أوروبي هذا الشتاء.

ونشر مكتب الإحصاء الاتحادي الألماني تراجع الصادرات الألمانية بنسبة 0.6% في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ما يعادل مثلي توقعات المحللين في استطلاع لوكالة رويترز.

وتراجعت الواردات بنسبة 3.7 في المئة خلال الشهر، ما أدى إلى ارتفاع الفائض التجاري إلى 6.9 مليار يورو (7.26 مليار دولار) وكان من المتوقع أن تهبط الواردات 0.4 في المئة.

وقال مكتب “الإحصاء الاتحادي” إن ألمانيا “حققت فائضاً تجارياً معدلاً على أساس موسمي بلغ 3.7 مليار يورو (3.66 مليار دولار) في سبتمبر/أيلول الماضي، ما يزيد كثيراً على فائض متوقع بقيمة 700 مليون يورو.

وجاءت معظم الواردات إلى ألمانيا من الصين، الشريك التجاري الأكبر لها، مسجّلة زيادة بواقع 5.4% على أساس سنوي في سبتمبر، فيما تراجعت الصادرات الألمانية إلى الصين 2%، وفقاً لبيانات المكتب.

الاقتصاد الألماني نحو الركود

دخل الاقتصاد الألماني مرحلة ركود ليس مردّها إلى ارتفاع أسعار الغاز فحسب، بل أيضاً مشكلات أخرى مرتبطة بسياسات اقتصادية “مخطئة”.

مكتب الإحصاء الاتحادي ذكر في تقاريره عن النموّ في ألمانيا أن أسباب الركود تعود إلى الظروف الاقتصادية العالمية الصعبة التي ترافقها جائحة كورونا، وإلى تعطُّل سلاسل التوريد وارتفاع الأسعار.

وفي تحليل لغرفة التجارة والصناعة الألمانية شمل 3500 شركة، تَبيَّن أن 25% بصدد تخفيض الإنتاج أو التخلّي عن جزء من مجالات عملها، كما تَبيَّن أن 50% منها تخطّط لخطوات مشابهة.

تراجُع اقتصاديّ بصبغة انحياز سياسي

يرى رشاد عبده الخبير الاقتصادي ورئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية، أن تراجع الاقتصاد الألماني “أمر متوقع في ظل الظروف السياسية العالمية حاليّاً”.

ويعرب عبده عن استغرابه استطلاع “رويترز” الأخير بشأن توقع زيادة صادرات ألمانيا، متسائلاً: “كيف يمكن أن تزيد الصادرات الألمانية 0.1% على أساس شهري وتنخفض الواردات 0.4% فقط في ظلّ الأوضاع السياسية والمالية التي يعانيها العالم؟”.

ويلفت إلى أن انحياز ألمانيا إلى الجانب الأوكراني سبب هام في هذا التراجع الاقتصادي، بخاصة في ظلّ قرار بتوجيه ألمانيا جزءاً كبيراً من ميزانيتها لزيادة تسليح الجيش على أي وقت سابق، بعد أن كشفت الحرب الروسية-الأوكرانية ضعف الإنفاق والتسليح لكثير من الجيوش الأوروبية، في مقدمتها الجيش الألماني.

ويضيف أن ألمانيا دولة تستورد ما يقارب 40% من البترول ونحو 60% من الغاز اللازم لها، وكانت تعتمد على نصف استيراد الطاقة من روسيا، وبسبب موقفها من روسيا وتحيُّزها لأوكرانيا فقدت عنصر استيراد الطاقة من روسيا، وبالتالي أُلغيَ عدد من الصناعات الألمانية التي كانت تستهلك طاقة عالية، وكان ذلك عاملاً مهمّاً لتراجع صادراتها.

ويشير الخبير الاقتصادي إلى سبب آخر لتراجع الاقتصاد الألماني، هو إجبار الولايات المتحدة ألمانيا على التبرُّع لصالح أوكرانيا خلال حربها الدائرة مع روسيا، وهو ما أضعف الاقتصاد  الألماني.

بالإضافة إلى ذلك، تصدّر الشركات الأمريكية البترول إلى ألمانيا بثمن يصل إلى 5 أضعاف السعر الذي كانت تدفعه برلين لموسكو، بما يُخرِج الصادرات الألمانية عن منافسة غيرها، الصينية مثلاً، بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج جرّاء أزمة الطاقة.

ويقول عبده: “لنا أن نتصور حجم الخسائر التي لحقت باقتصادات دول أوروبية أخرى جراء الحرب الروسية-الأوكرانية، إذا ما رصدنا هذا التراجع الصادم للاقتصاد الألماني، الأقوى على مستوى دول الاتحاد الأوروبي”.

توقعات نمو متشائمة

ويقول عبد النبي عبد المطلب الباحث الاقتصادي، إن الحرب الروسية-الأوكرانية تسببت في تباطؤ الاقتصاد الألماني، لافتاً إلى أن “مرحلة من التشاؤم بدأت تسيطر على توقعات النمو الاقتصادي في ألمانيا، فضلاً عن توقعات بركود مخيف”.

ويتابع: “عدّل البنك المركزي الألماني توقعاته للنمو خلال عام 2022 ليخفضها من 1.9% إلى 1.8%، على أن تنخفض من 2.4% لتصل إلى 0.5% خلال 2023”.

ويشير إلى أن سبب خفض البنك المركزي الألماني توقعاته لمعدلات النمو، هو ارتفاع أسعار الطاقة والموادّ الغذائية، إذ أدّى ارتفاع الأسعار بقوة منذ منتصف العام الجاري إلى استمرار التراجع في القوة الشرائية وتقليص استهلاك الأفراد في ألمانيا.

ويوضح أن لأزمة الطاقة تأثيراً كبيراً في عملية الإنتاج، لا سيما في قطاعات الصناعة التي تستهلك الطاقة بكثافة، فيما أدّى تباطؤ الاقتصاد عالمياً إلى انخفاض الطلب على الصادرات الألمانية.

ولا يستبعد عبد المطلب تأثير زيادة الإنفاق العسكري في الاقتصاد الألماني، مشيراً إلى أن تقارير مكتب الإحصاء الاتحادي أو البنك المركزي الألماني لم تشر قط إلى أثر زيادة الإنفاق العسكري في الاقتصاد ونموه ككل.

ويضيف أن نية الإنفاق على التسليح بشكل أوسع من ذي قبل قد تؤثّر في جودة حياة المواطن الألماني.

إجبار الألمان على التقشف

وحول التراجع الذي يشهده الاقتصاد الألماني، ردّ عبد المطلب الأمر إلى جائحة كورونا التي تسببت في تعطُّل سلاسل التوريد وارتفاع الأسعار، بالإضافة إلى تبعات الحرب في أوكرانيا، وسياسة العقوبات والعقوبات المضادة التي يرافقها ارتفاع أسعار الأغذية والطاقة بجنون، الأمر الذي يزعزع الثقة باقتصاد كان يُعَدّ من أكبر الاقتصادات أوروبياً وعالمياً، على حدّ وصفه.

واستطرد حول تَراجُع مبيعات التجزئة داخل ألمانيا، وردّ الأمر إلى خفض المستهلك الألماني استهلاكه إلى أقلّ مستوى، ما دفعه إلى التقشف و”شد الأحزمة” في شراء مستلزمات حياته اليومية من الأغذية والسلع الأخرى، مشيراً إلى  تَراجُع مبيعات التجزئة في النصف الأول من العام الجاري بنحو 9%، وهي النسبة العليا من نوعها منذ نحو ثلاثين عاماً.

بدوره قال الخبير الاقتصادي أحمد غنيم إن الصادرات تمثّل جزءاً كبيراً جدّاً من الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا، وبالتالي فإن تراجعها هو “تمثيل لانكماش الناتج بسبب عوامل على رأسها ركود تضخمي تعاني منه قارة أوروبا بالكامل”.

تراجع النمو وقلّة المواليد

ولفت غنيم إلى أن تراجع عدد المواليد في أوروبا عموماً، وألمانيا خصوصاً، أدّى إلى نقص في اليد العاملة ومن ثم تراجع النموّ، وهو ما تَسبّب أو أسهم في تراجع الصادرات.

وأشار إلى الحرب الروسية-الأوكرانية وما نتج عنها من قرارات سبّبت رفع سعر الطاقة داخل ألمانيا وأوروبا عموماً، منوّهاً ببحث الألمان عن بدائل لتعويض نقص الطاقة، ومنها عقد اتفاقيات مع دول شرق المتوسط للحصول على الغاز، وكذلك محاولة استخدام الفحم.

ولفت إلى أن هذه الخيارات تحتاج إلى أكثر من 6 أشهر لتعيد الأمور إلى نصابها، لكون الغاز يحتاج إلى أمور فنية معقَّدة لا تتم في يوم وليلة، بعكس البترول.

واستطرد: “التضخُّم في ألمانيا وصل إلى أكثر من 10 بالمئة، وهو نذير خطر على الاقتصاد الألماني”، على حد وصفه، مشيراً كذلك إلى أن رفع سعر الفائدة في التمويل العقاري سبّب تراجع بعض الصناعات، ورفع الفائدة يعود إلى ما قبل الحرب الروسية-الأوكرانية.

وعن تراجع الواردات، ربط غنيم بينه وبين تراجع النمو وارتفاع سعر الفائدة، مما أجبر المواطن الألماني على التقشف.[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها