سوق المساكن الألماني يتراجع .. و الرهان على انتعاش معدلات العمل

بعد أن بقي سوق العقارات السكنية في ألمانيا قطاعاً قوياً على مدى عقود، أصبحت أسعاره تتراجع كثيراً على مدار العامين المقبلين، وفقاً لمحللين اقتصاديين.

فقد ارتفعت معدلات فوائد الرهن العقاري، وبحسب بيانات من الوكالة العقارية الألمانية «انترهيب» ارتفع سعر الفائدة الثابت لمدة 10 سنوات من 1% إلى 3.9% منذ بداية العام 2022، وهو ما يؤدي عادةً إلى تراجع الطلب نظراً لأن القليل من الأشخاص يستطيعون الحصول على قروض في ظل ارتفاع الفوائد.

بالفعل انخفضت أسعار المنازل بنحو 5% منذ مارس/ آذار 2022، وفقاً لبيانات «دويتشه بنك». ويتوقع محللون في مجال الاقتصاد الكلي في البنك الألماني، انخفاض يتراوح بين 20% و25% في المجموع من الذروة إلى القاع.

ويقولون إنه «بالنظر إلى معدلات الرهن العقاري التي تبلغ 3.5% أو 4%، فالمستثمر بحاجة إلى عوائد إيجارية أعلى، ولأن الإيجارات ثابتة نسبياً فمن الواضح أن الأسعار يجب أن تنخفض».

موعد الوصول للقاع

ويعتبر دخل الإيجار من أولويات المستثمرين الألمان، حيث يحصل نحو 5 ملايين شخص في البلاد على عوائد من الإيجار، وفقاً لبيانات معهد «كولونيا» للأبحاث الاقتصادية. وتحتل ألمانيا مرتبة ثاني أقل نسبة من مالكي المنازل في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

وفي حين أن «دويتشه بنك» ليس لديه بيانات محددة عن موعد الوصول إلى القاع، إلا أن المحللين يرون بأنه «لن يكون أمراً مفاجئاً إن حدث هذا خلال الأشهر الستة المقبلة».

فقد وقع بالفعل أكبر انخفاض في الأسعار على أساس شهري والذي كان في يونيو/ حزيران ويوليو/ تموز 2022. وفي أغسطس/ آب وسبتمبر/ أيلول وأكتوبر/ تشرين الأول 2022 انخفض السعر بأكثر من 1%، وهو ما قد يكون إيجابياً من منظور المستثمرين.

ويتوقع هولجر شميدنج، كبير الاقتصاديين في بنك «بيرنبرغ»، «انخفاضاً في أسعار المنازل العام الجاري 2023 بنسبة 5% على الأقل، إن لم يكن أكثر قليلاً».

وقال: «إن سوق الإسكان تشهد تراجعاً كبيراً، والذي يتضح في تراجع قوة الطلب على القروض وتراجع بناء المساكن».

قال مايكل فويغتلاندر، من معهد «كولونيا» للأبحاث الاقتصادية لشبكة «سي إن بي سي»: «إن التوقعات كانت ارتفاع أسعار العقارات السكنية في حال لم يحدث ركود أو أزمة طاقة، ولكن ما يظهر الآن هو موقف مختلف تغيرت فيه الظروف تغيراً جذرياً».

فقاعة تصحيحية

وذهب تقرير حديث من «يو بي اس» إلى أبعد من ذلك، حيث وضع مدينتين ألمانيتين، هما «فرانكفورت» و«ميونيخ»، ضمن المراكز الأربعة الأولى من مؤشر فقاعة العقارات العالمي لعام 2022، كمدن تتسم بخصائص فقاعية واضحة.

ويُعرّف «يو بي اس»، صفات «الفقاعة العقارية» بأنها «انفصال أسعار المساكن عن الدخل المحلي والإيجارات والاختلالات في الاقتصاد المحلي، بما في ذلك الإفراط في الإقراض ونشاط البناء».

ويرى محلل اقتصادي آخر، أيضاً في «يو بي اس»، أن «هذا التعريف لا يتناسب مع سوق العقارات الألمانية ككل، لأن الوضع في ألمانيا، بحسب قوله، لن يكون الانفجار المعروف للفقاعة الذي حدث في الأزمة المالية بل سيكون تصحيحياً».

وأوضح أنه «في القيمة الحقيقية قد يؤدي انفجار الفقاعة إلى انخفاض الأسعار بنسبة تزيد على 15%، وسيكون ذلك سيناريو سيئاً للغاية وعالي المخاطر، وهذه ليست الحالة الأساسية في الوقت الحالي».

وتوقع استطلاع أجرته «رويترز» لخبراء سوق العقارات بنهاية 2022، أن «أسعار المنازل الألمانية ستنخفض بنسبة 3.5% العام 2023».

سوق ضعيفة واعدة

ولا تتفق جميع المؤسسات المالية على أن سوق العقارات في ألمانيا مهيأ لانخفاض كبير في القيمة؛ ومنهم كلوديا بوخ، نائبة رئيس البنك المركزي الألماني، التي قالت ل«سي إن بي سي» مؤخراً: «إننا نرى تباطؤاً في نمو أسعار العقارات السكنية، لكن الأمر لا يعني أن الديناميكية العامة قد انعكست».

ورأت أن «أسعار المنازل بشكل عام لا تزال ترتفع وإن كان ذلك بوتيرة أبطأ، ومع ذلك لا توجد دلائل على حدوث هبوط حاد في أسعارها أو تراجع عن المبالغة في التقييم». وذكرت أن «البنك المركزي الألماني سيستمر في مراقبة سوق الإسكان عن كثب لأنه سوق ضعيف».

ركود حاد مرفوض

ورفض محللون أيضاً، في شركة التحليلات المالية «ستاندرد آند بورز غلوبال»، فكرة حدوث «ركود حاد» في السوق، وقالوا إن «النظرة المستقبلية أقوى من أحدث توقعاتهم التي نُشرت في منتصف 2022». ويرون ب «ضرورة مراجعة توقعاتهم لهذا العام المتعلقة بأسعار العقارات في ألمانيا، لأن ما زال هنالك طلباً قوياً».

ويعتقدون أن «التغيير في الظروف المالية والتشديد المالي سيستغرق وقتاً حتى يبدأ تأثيره في الطلب على المساكن».

ظروف تمويل مواتية

ولأن أكثر من 80% من الرهون العقارية في ألمانيا يتم تمويلها بمعدلات ثابتة فإن العديد من الأسر ستظل في ظروف تمويل مواتية للغاية لمدة 5 إلى 10 سنوات؛ كتلك الظروف المواتية التي كانت حتى وقت قريب.

وتظهر بيانات الربع الأخير من 2022 أن الأسعار ارتفعت بنسبة 6.1% مقارنة بالربع السابق.

ويرى المحللون أن «شح المعروض من المساكن وزيادة أسعار الإيجارات وسوق العمل القوية ستستمر في دعم السوق، وحتى إذا انخفضت أسعار المساكن فليس بالضرورة أن يكون هذا أمراً سيئاً».

وإذا انخفضت أسعار المساكن بنسبة 20%، وهو ما لا يتوقعه البعض في الوقت الحالي، فسنكون عند مستوى الأسعار لعام 2020، وهو ما يعتقدون أنه ليس بمشكلة.

وأشاروا إلى أن «هذا هو مستوى السعر الذي وصل إليه السوق بعد 10 سنوات من زيادة الأسعار».

أهمية سوق العمل

ويقول بعض المحللين إن «التحركات في سوق العمل ستحدد كيف يتغير سوق العقارات؛ فإن أثبت سوق العمل مرونته في مواجهة الركود التقني، المتوقع، فهذا يُعد أمراً إيجابياً بقوة لسوق الإسكان».

وأدلى بعض المحللين بتعليقات مماثلة ولكن في إطار زمني أطول، قائلين: «إن التوقعات على المدى المتوسط إلى البعيد لسوق العقارات الألماني ستكون جيدة، طالما أن البلاد تتمتع بسوق عمل مزدهر».

وقد سجل التوظيف في ألمانيا أعلى مستوى له عند 75.8%، ولكن مع وجود احتمال بانزلاق البلاد إلى ركود خفيف في الأشهر المقبلة، ربما يتأثر هذا الرقم.

وبثت أرقام الناتج المحلي الإجمالي الألماني الأخيرة الآمال بحدوث ركود أقل من المتوقع، حيث نما الاقتصاد قليلاً أيضاً أكثر من المتوقع، في الربعين الثالث والرابع.[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها