ابتسامة الأسد وقبضة بن غفير

 

ما هو تفسير علماء النفس لابتسامة رئيس بلد ما أمام الكاميرات، بينما الآلاف من أبناء شعبه ما زالوا تحت الأنقاض، وما زال مئات الآلاف منهم دون حبّة دواء، وملايين منهم في العراء، ومئات ملايين من البشر في العالم يعربون عن ألمهم وحزنهم لما جرى! ألا يُفترض بقائد البلاد أن يبدو مهموماً أو محزوناً ولو تمثيلاً، على الأقل كي يبدو أمام شعبه المنكوب بأنه حزين لحزنه ومتألّمٌ لألمه، بل دعنا من الشعب فقد اعتاد على الكوارث، على الأقل ليقول للعالم بأنه مهموم وحزين لما جرى لأبناء شعبه، سواء كانوا من أنصاره أم من معارضيه، فهم سوريون في نهاية الأمر، بل دعنا من كونهم سوريين، فالمهم أنّهم بشر تعرضوا إلى كارثة، فليس كل معارض مقاتلا، فهنالك أطفال ونساء، وأناس ليسوا محاربين.

الابتسامة تقول إن الألم الطبيعي الإنساني الذي يفترض أن ينعكس من الداخل إلى الملامح لم يصل. إنها الابتسامة التي اعتادها وهندسها ليقول إنّه بخير والنظام مستقر، هي ابتسامة وظيفية وصلت بقوة الدفع، وهي رسالة إلى العالم الذي أبدى استعداده لإرسال مساعدات، بأن النظام ليس مستعجلاً، ولا يقلقه الوضع مهما ارتفع عدد الضحايا، وبإمكان الجميع أن ينتظروا.

هي ابتسامة تاجر، قالت إنَّ الفرصة مواتية للمساومة مع الجهات الدولية لتحقيق كسب سياسي، وهو ما حدث بعد أيام، إذ وصل المساعد للأمين العام للأمم المتحدة مارتن غريفيث إلى دمشق يوم الاثنين الأخير، وفاوض الرئيس، ثم أعلن عن موافقة النظام على فتح معبرَين إضافيين بين تركيا والشمال الغربي السوري لإدخال المساعدات الإنسانية، أما المكسب السياسي للأسد فهو تصريحٌ غامض جاء على لسان المتحدّث باسم الخارجية الأمريكية، بأنه «إذا كان النظام جدّياً ويقرن القول بالعمل فهذا جيّد للشعب السوري». ابتسامة لا تعبِّر عما يجري في نفسه، كذلك يجب عدم استبعاد تناوله للحبوب المهدِّئة وحتى إدمانه عليها. الابتسامة تقول إنّه لا توجد رقابة ولا محاسبة للمسؤولين في هذا البلد، أقلها الانتقاد في الصحافة ووسائل الإعلام لهذا الظهور الاستفزازي. لقد عبّر عنها رسام الكاريكاتير السوري علي فرزات، الذي سبق وأن كَسَّرت مخابرات النظام أصابعه في بداية الثورة السورية كتحذير له لأنّه رسم كاريكاتيرات منحازة إلى الثورة، بعدها خرج من سوريا وأخذ حرّيته في الإبداع، هكذا تمكّن من رسم الابتسامة التي نُشرت على صفحته في الفيسبوك.

القائد الحقيقي لا يقبل بأن تكون الأمم المتحدة، أو أي جسم أجنبي آخر أكثر حرصاً منه على تقديم المساعدة لإنقاذ ضحايا من أبناء شعبه، جراء كارثة طبيعية، حتى لو كانوا من أعدائه. كان حريّا به أن يعلن منذ اللحظة الأولى فتح كل المعابر الممكنة لمن يستطيع أن يساعد وينقذ المنكوبين، فالوقت لا يسمح بالمناورات، لأن حياة الإنسان أهم ما نملك حقيقة وليس دعاية إنشائية، وحينئذ ربما كان سيستعيد شيئاً من الاحترام في عيون العالم وعيون شعبه نفسه، ولكنّها طبيعة النظام المتأصلة فيه.

من جهة أخرى أصبح عاديّاً ذكر الاحتلال كلما ذُكرت جرائم نظام ما في المنطقة، فالاحتلال كارثة متواصلة لها ضحاياها بصورة يومية، من هدم وقتل وسجن وتخريب. فقد أعلن وزير الأمن القومي بن غفير تسريع عمليات هدم البيوت في القدس والضفة الغربية، لدرجة استفزّت قائد الشرطة الذي تذمَّر لعدم وجود عدد كاف من القوى البشرية لتنفيذ هذه المهام في هذا الإيقاع السريع. كذلك أعلن بن غفير زيادة الحواجز في القدس وتشديد القبضة الحديدية على السّجناء الأمنيين، وسيحرمهم من أجهزة كهربائية يعدّون فيها الخبز، وقال «لا يُعقل أن يأكلوا خبزا طازجا كأنهم في مطعم»، وسيحدِّد المدّة الزمنية لاستخدام الحمام بأربع دقائق في اليوم فقط لكل سجين، وقرَّر تحديد وصول المياه في حمامات الأقسام، لساعة واحدة فقط في اليوم. ننصح بن غفير بأن يقرأ كتاب «القوقعة» لمصطفى خليفة، أو «يسمعون حسيسها» لأيمن العتوم، كي يدرس طرق تعذيب السُّجناء وإذلالهم على الأصول. ويخشى مراقبون إسرائيليون أن إجراءات بن غفير ستوحِّد الفصائل الفلسطينية بكل أطيافها لمواجهة هذا التصعيد، الذي سيقابل بتصعيد معاكس.

سهيل كيوان – القدس العربي[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها