الأوكرانيون في بولندا و ألمانيا بين احتمال البقاء و أمل العودة
داخل محلها لحياكة الملابس في العاصمة البولندية وارسو، قالت الأوكرانية مارينا شفيتشنكو البالغة من العمر 43 عاماً:”أحياناً لا أستطيع أن أستوعب كيف استطعنا أن ننجز هذا الأمر على نحو جيد”.
وقالت مارينا التي نزحت من مدينتها دنيبرو الواقعة شرقي أوكرانيا بالقرب من بولندا بصحبة ابنها (15عاماً) و ابنتها (9 أعوام): “لم أرد أن أصيب أولادي بصدمة نفسية، أقاموا في البداية في فندق متواضع وبعد ذلك عاشوا مكتظين داخل مسكن سيدة بولندية لمدة 4 شهور”.
وبعد مضي عام على اندلاع الحرب استقر المقام بمارينا وابنيها في بولندا حيث أصبحت مارينا تدير أتيليه حياكة الملابس الخاص بها، فيما يتلقى ابنها تدريباً فنياً ليصبح طاهياً، والتحقت ابنتها بمدرسة ابتدائية بولندية. ولا تخطط مارينا للعودة إلى أوكرانيا حيث تقول إن “بولندا في الاتحاد الأوروبي. إذا تلقى ابناي تدريبهما هنا فإن هذا التدريب سيكون معترفاً به دولياً”.
وكما هو الحال مع مارينا، تسير الأمور مع الكثير من اللاجئين القادمين من أوكرانيا في بولندا وكذلك في ألمانيا، فكلما طال أمد الحرب، زاد احتمال بقائهم داخل البلد الذي وفر لهم ملاذاً آمناً.
يذكر أن ألمانيا آوت ثاني أكبر عدد من لاجئي الحرب الأوكرانية بعد بولندا، وكشفت نتائج استطلاع للرأي أن 37% من اللاجئين يرغبون في البقاء في ألمانيا إلى الأبد أو لعدة أعوام، فيما قال 34% إنهم يرغبون في البقاء إلى حين انتهاء الحرب أياً كان موعده، ولم يحسم 27% من هؤلاء اللاجئين أمرهم بعد. وأوضحت النتائج أن 2% فقط يعتزمون مغادرة ألمانيا في غضون عام.
من جانبها، تقول أولينا زينيك التي تترأس في وارسو قسم دعم الأسرة لدى مؤسسة البيت الأوكراني: إن “سماع عبارة سأسافر إلى وطني قريباً تتزايد ندرة”، وأوضحت أن الاهتمام انصب بالدرجة الأولى بعد فترة وجيزة من اندلاع الحرب على توفير الاحتياجات الأساسية للاجئين من مأكل ومأوى وكسوة “وحالياً نقدم أيضاً مشورات مهنية ودورات لدراسة اللغة”.
وحسب سجلات مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، وصل عدد لاجئي الحرب الأوكرانية في أوروبا إلى أكثر من 8 ملايين شخص، حصل أكثر من 4.8 مليون شخص منهم على وضع طالب حماية وهناك أكثر من 1.5 مليون شخص منهم في بولندا. غير أن المفوضية تعترف في الوقت نفسه بأن البيانات عن عدد طالبي الحماية غير دقيقة نظراً لتكرار التسجيل في العديد من الدول. وتجاوز عدد لاجئي الحرب الأوكرانية في ألمانيا مليون شخص.
ورغم أن بولندا التي يبلغ عدد سكانها نحو 38 مليون نسمة توفر حماية لعدد كبير نسبياً من الأوكرانيين، فإن الدعم للاجئين داخل المجتمع البولندي لا يزال كبيراً، وهذا ما أظهرته نتائج استطلاع أجراه علماء اجتماع من جامعة وارسو في يناير(كانون الثاني) الماضي. وأوضحت النتائج أن 87% يتبنون الرأي الذي يطالب بولندا بمساعدة لاجئي أوكرانيا، فيما يطالب 37% بالسماح لهؤلاء اللاجئين بالتوطين الدائم ببولندا. كما أن هناك تفهماً كبيراً داخل ألمانيا لاحتياجات اللاجئين.
ولما كان من غير المسموح في غالب الأحوال للرجال في سن التجنيد بمغادرة أوكرانيا، فإن النساء يشكلن أكثر من 69% من لاجئي الحرب البالغين الذين تم إيواؤهم في ألمانيا. وحسب البيانات الرسمية الخاصة بالوضع حتى 15 من يناير (كانون الثاني) الماضي، فإن نحو 140 ألف لاجئ أوكراني غادروا ألمانيا إما للعودة إلى أوطانهم أو لمواصلة السفر إلى بلد آخر.
وهناك أسباب متنوعة لهذا، منها الحنين إلى الوطن أو لوجود أقارب يحتاجون إلى الرعاية أو القلق من فقدان الوظيفة القديمة. ويميل الأشخاص المنحدرون من مدن تعرضت لتدمير قوي، بصورة أكبر إلى التفكير في القيام بلمّ شمل عائلاتهم في ألمانيا في وقت لاحق.
وشهدت بعض الأوساط في ألمانيا نقاشاً حول وجود لاجئين من الدرجة الأولى والدرجة الثانية، وذلك في ظل السماح للاجئين القادمين من أوكرانيا بالبقاء بشكل فوري بناء على توجيه من الاتحاد الأوروبي، والحصول على إعانة الدخل الأساسي للمواطن بينما لا يسمح بذلك للاجئين الآخرين. غير أنه ليس هناك فارق على الأقل فيما يتعلق بالالتحاق بدورات الاندماج. ذلك لأن الحكومة الألمانية قررت عدم قصر هذه الدورات على الأجانب الذين لديهم فرص جيدة للبقاء.
ووفقاً لبيانات الداخلية الألمانية، وصل عدد الموافقات على الالتحاق بدورات الاندماج منذ بدء الحرب وحتى نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي إلى نحو 430 ألفاً و600 حالة، ووصل عدد المشتركين الذين تم تسجيلهم إلى نحو 224 ألفاً و100 مشترك. وكانت بيانات مؤقتة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي أفادت بأن نحو 125 ألف شخص يحملون الجنسية الأوكرانية يعملون في وظائف تخضع لمساهمات الضمان الاجتماعي بزيادة بمقدار نحو 67 ألف شخص مقارنة بعددهم قبل اندلاع الحرب.
وتكفل بولندا للاجئين الأوكرانيين حق الحصول على خدمات النظام الصحي مجاناً، كما تصرف لهم دفعة ترحيبية لمرة واحدة وتمنحهم الحق في الحصول على إعانة أطفال بقيمة 110 يورو شهرياً لكل طفل. أما آخر البيانات المتاحة في ألمانيا في الخريف فتفيد بأن غالبية اللاجئين يعيشون على إعانات الضمان الاجتماعي.
وأوضحت بيانات الوكالة الاتحادية للعمل أن نحو 432 ألف لاجئ من أوكرانيا قادرون على العمل و218 ألف لاجئ غير قادرين على العمل- عادة ما يكونون أطفالاً- حصلوا في أكتوبر(تشرين الأول) الماضي على إعانة الدخل الأساسي، فيما حصل نحو 65 ألف أوكراني في نهاية سبتمبر(أيلول) الماضي على إعانات التأمين الأساسي لسن الشيخوخة والتقاعد بسبب العجز بزيادة بمقدار نحو 45 ألف شخص مقارنة بفترة ما قبل الحرب.
ولم تكن البدايات في بولندا سهلة لكل اللاجئين القادمين من أوكرانيا كما كان الحال مع الخياطة مارينا. ويقول رجل الأعمال فاديم أونيشتشوك الذي يدير نزلاً جماعياً مع أفراد آخرين على أطراف وارسو: “يقيم لدينا حالياً 1100 شخص. نحن بالنسبة للكثيرين مجرد محطة عبور، غير أن هناك 600 لا يمكنهم المغادرة”.
وهناك من بين النزلاء الدائمين فلاديمير وهو طاهٍ متقاعد من محيط خيرسون. يريد مواصلة طريقه إلى ألمانيا، حيث يرى أن الظروف هناك أفضل، ورغم ذلك فإنه لا يزال عالقاً في النزل الجماعي منذ 3 شهور. هو نفسه لا يعرف السبب وراء عدم ذهابه إلى ألمانيا، وقالت واحدة من عاملي الإغاثة المتطوعين: “ربما يخاف من البدء من جديد”. (DPA)[ads3]