صناعة الألواح الشمسية في ألمانيا مهددة بالاندثار

تضع برلين نصب أعينها التوسع في مشروعات الطاقة الشمسية لتعزيز حصة مصادر الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء النظيفة، غير أن الألواح الشمسية في ألمانيا تواجه مخاطر حالية قد تذهب بها بعيدًا إلى غير رجعة.

وفي الأشهر الأخيرة، أدخلت السلطات في البلد الواقع وسط أوروبا تعديلات على قوانين قائمة تهدف لتشجيع إنتاج الكهرباء الخضراء منخفضة التكلفة؛ بما يتماشى مع تعهدات برلين المناخية.

وفي هذا السياق، قفزت معدلات الطلب على الألواح الشمسية في ألمانيا، بينما اضطر الاقتصاد الأكبر في عموم أوروبا لرفع حصته من الطاقة المتجددة عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي أثر بالسلب في إمدادات الطاقة، وتسبب في رفع الأسعار، حسبما ذكر موقع “فرانس 24”.

مقاطعة الإمدادات الروسية

قادت الحرب الروسية الأوكرانية، التي تدور رحاها دون هوادة منذ 24 فبراير/شباط 2022، ألمانيا إلى إنهاء اعتمادها على الإمدادات الروسية، في وقت تسرع فيه برلين الخُطى صوب تحقيق أهداف الحياد الكربوني، بحسب معلومات تثبتت منها منصة الطاقة المتخصصة.

ومقارنة بالعام قبل الماضي (2021)، شهدت سعة الألواح الشمسية المُركبة في القطاع السكني صعودًا بنسبة 40%.

وقال الناطق باسم “إنبال”، شركة ناشئة مقرها برلين، فولفغانغ غرونينغر: “منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، أراد الكثير من الناس فطم أنفسهم عن مصادر الوقود الأحفوري، وتخفيف عبء أسعار الطاقة المرتفعة”.

وتتيح إنبال، وهي -أيضًا- واحدة من الشركات العديدة التي تستفيد من الطلب المتصاعد على الطاقة الشمسية، استئجار الألواح الشمسية في ألمانيا لأجل طويل، بجانب تقديمها خدمات تركيب تلك الألواح الشمسية وصيانتها.

وقالت إنبال، التي شرعت في مزاولة أعمالها للمرة الأولى في عام 2017، إنها أجّرت 40 ألف وحدة من الألواح الشمسية إلى أفراد، من بينها 18 ألف وحدة في العام الفائت (2022) وحده.

وتركّب إنبال -في الوقت الراهن- 2000 لوح شمسي شهريًا.

قال المسؤول عن تدريب الموظفين الجدد في إنبال، أليكسندر فريدريك: “الطلب قوي على الألواح الشمسية في ألمانيا، ويجب علينا أن نركّب وحدات عديدة في أقصر وقت ممكن، بينما نشهد بأعيننا نقصًا في العمالة المؤهلة”.

وفي مسعى منها لمواكبة الطلب، أسست إنبال مدرسة تدريب خلال عام 2022 بمنطقة بلانكنفيلد، جنوب العاصمة برلين، لتدريب العمال على تركيب الألواح الشمسية في ألمانيا، وكذا تدريب الفنيين الكهربائيين على العمل على تلك الألواح.

وفي هذا الصدد، أوضح الناطق باسم “إنبال”، فولفغانغ غرونينغر: “نعين أُناسًا من الخلفيات كافة من عمال البيتزا السابقين والطهاة وسائقي سيارات الأجرة وعمال توصيل الطلبات للمنازل”.

وتتولى الشركة تدريب قرابة 100 شخص جديد في مدرستها التدريبية شهريًا.

هدف برلماني طموح

تستهدف ألمانيا سد ما نسبته 80% من احتياجات الطاقة عبر المصادر المتجددة بحلول عام 2030، مقارنة بـ46% قبل عام (2022).

ولتحقيق هذا الهدف، حدد البرلمان الألماني “البوندستاغ” هدفًا يتمثّل في تركيب ألواح شمسية سعة 215 غيغاواط، بحلول نهاية العقد الجاري (2030)؛ ما يعني الحاجة لمضاعفة معدل التركيب السنوي للألواح الشمسية في ألمانيا بواقع 3 مرات عن سعة العام الماضي (2022) البالغة 7.2 غيغاواط.

وتستهدف الخطة تغطية أسطح المصانع والمباني التجارية، إضافة إلى الحقول، بالألواح الشمسية، بحسب مسودة القانون الذي يستهدف تعزيز معدلات تركيب الألواح الشمسية في ألمانيا.

نقص العمالة يهدد الطفرة

حذّر تقرير حديث صادر عن المعهد الاقتصادي الألماني -منظمة بحثية مقرها مدينة كولون بولاية شمال الراين-فيستفالن غرب ألمانيا- من أن “نقص العمالة المؤهلة يهدد بتباطؤ وتيرة تحول الطاقة”.

وتتسع فجوة نقص العمالة في ألمانيا لدرجة أن اتحاد الصناعات الشمسية “بي إس دبليو” قال إنه كان يتطلّع إلى أن تسهم حزمة إصلاحات الهجرة الطموحة التي طرحها المستشار الألماني أولاف شولتس، في تقديم بعض المساعدة في هذا الخصوص.

ويهدف القانون، الذي يُتوَقع تمريره هذا العام (2023)، إلى تسهيل القضايا والأمور المتعلقة بالهجرة.

واستشهد اتحاد الصناعات الشمسية باتفاقية أُبرمت مؤخرًا، وتستهدف جذب العمال الهنود الذين تلقّوا تدريبات على تركيب منشآت الطاقة الشمسية.

ووفقًا لتقديرات معهد الاقتصاد الألماني، يوجد نقص بواقع 216 ألف شخص في أعداد الفنيين الكهربائيين وخبراء التدفئة والتكييف، بجانب أخصائيين في تقنية المعلومات، الذين تبرز أهميتهم في تطوير قطاع الطاقة الشمسية والرياح في ألمانيا.

غير أن هذا الرقم لا يأخذ في الحسبان الخطط التي يُستهدَف من خلالها إعادة تصنيع الألواح الشمسية إلى ألمانيا.

جلب الإنتاج مجددًا إلى ألمانيا

في الوقت الحالي، يأتي 80% من مكونات الألواح الشمسية من الصين، بحسب بيانات صادرة عن وكالة الطاقة الدولية، رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.

وجاء الاعتماد المكثف على العملاق الآسيوي في إمدادات البولي سيليكون، والخلايا، والرقائق الدقيقة، بمثابة طوق إنقاذ لبرلين بعدما تضررت مؤخرًا جراء اعتمادها المطلق على إمدادات الطاقة الروسية.

وشهدت الحصة السوقية لتصنيع الألواح الشمسية في ألمانيا هبوطًا دراماتيكيًا في أعقاب توقف الدعم الحكومي لتلك الصناعة، وتسريع الصين وتيرة إنتاجها من الخلايا الشمسية.

وعلى مدار العقدين الماضيين، فقد قطاع الألواح الشمسية في ألمانيا قرابة 100 ألف وظيفة.

إلا أن هذا المسار النزولي الذي تمضي فيه صناعة الألواح الشمسية في ألمانيا قد يتبدّل، وفقًا لتوقعات المحللين.

التوسع في مشروعات الطاقة المتجددة

تعول ألمانيا على التوسع في مشروعات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح؛ بهدف تعزيز حصة مصادر الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء إلى 80% بحلول نهاية العقد الجاري (2030)، نظير أقل من 50% في الوقت الحالي.

ولتحقيق تلك الأهداف، منح البرلمان الألماني “البوندستاغ “، في 7 يوليو/تموز 2022، الضوء الأخضر لإقرار مجموعة لوائح تهدف لتحفيز إنتاج الطاقة النظيفة في البلاد، من بينها نسخة مُعدلة من قانون الطاقة المتجددة “إي إي جي 2023″، التي ستقود إلى رفع تعرفة الطاقة الشمسية، بحسب ما أورده موقع “بي في ماغازين” Pv-magazine.

وللوفاء بتعهداتها المناخية، يتوجّب على برلين تعزيز إنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة في نطاق يتراوح بين 120 و150%، بما يقترب من 600 تيراواط/ساعة بحلول نهاية 2030.

تعرفة التغذية

تتلخص ملامح التعديلات المُتضمنة في قانون الطاقة المتجددة في ألمانيا، في استحداث تعرفتين منفصلتين للتغذية الكهربائية؛ حيث يستطيع الآن أرباب أنظمة الطاقة الشمسية المُركبة على الأسطح، إما قبول تعرفة تغذية أقل ماديًا والانتفاع بجزء من الكهرباء المُنتجة على أسطحهم عبر الاستهلاك الشخصي، وإما الحصول على مكافأة إضافية زيادة على تعرفة التغذية، حال باعوا 100% من الكهرباء المُنتجة على أسطحهم.

وتستهدف تعرفة التغذية تلك تحفيز الإنتاج الكامل للطاقة الشمسية على أسطح المنازل والمباني.

وتتطلع الحكومة الألمانية إلى رفع إنتاج الطاقة الشمسية إلى 215 غيغاواط بحلول عام 2030، من 60 غيغاواط -حاليًا-، في إطار خطط برلين للوصول إلى أهداف الحياد الكربوني بحلول عام 2045.

وفي إطار مساعيها في هذا الخصوص، تعتزم ألمانيا رفع عدد المناقصات السنوية في قطاعي الطاقة الشمسية وطاقة الرياح؛ بما يضمن لها توليد السعة البالغة 572 تيراواط/ساعة والمستهدفة بحلول عام 2030.

يُشار إلى أن السعة المُستهدفة للطاقة المتجددة في ألمانيا -طبقًا للخطة الجديدة- تزيد على المستهدفات الحالية المُقدّرة بـ377 تيراواط/ساعة الواردة في قانون (إي إي جي).[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها