دويتشه فيله : بيروقراطية ألمانيا تهدد طموحاتها في عصر جديد من الرقمنة

دأبت بريتا أوبل على التعامل مع البيروقراطية في العاصمة الألمانية برلين، بيد أن العام الماضي كان الأمر شديد الصعوبة على وجه خاص.

فخلال العام الماضي، كان يتعين على أوبل، وهي متعهدة دفن الموت، الانتظار لقرابة شهرين حتى تحصل على شهادة وفاة من مكتب التسجيل، لذا اضطرت إلى تحمل دفع تكاليف الجنازة لعدم قدرة عائلة المتوفي على الاستفادة من التأمين بدون هذه الشهادة. وفي مقابلة مع DW، قالت “هذا يعد الخيار الوحيد وإلا فإننا سنترك جثة المتوفى في المشرحة لعشرة أسابيع”.

يعرقل الكم الكبير من الطلبات مع قلة عدد الموظفين عمل المكاتب العامة في برلين لدرجة أنه بات ضربا من المستحيل الحصول على موعد خاص بالتأشيرات فيما يحتاج عملية الحصول على شهادة ميلاد ورخصة الزواج إلى شهور. وقد تستغرق عملية الحصول على إذن لحرق الجثث أسابيع بسبب تأخر المعاملات الورقية.

وخلال وباء كورونا، كانت هذه  البيروقراطية  بمثابة جرس إنذار للحكومة والسلطات المحلية فيما يتعلق بعمل الدوائر الحكومية والعامة خاصة مع أنه من المقرر أن يبلغ واحد من كل ثلاثة موظفين سن التقاعد خلال السنوات العشر المقبلة.

يتزامن هذا مع تقلص حجم العمالة وتأخر رقمنة العمل الحكومي رغم تخصيص الحكومة المليارات لتعزيز الرقمنة وإتاحة الكثير من الخدمات عبر الإنترنت. فحتى الآن، مازالت العديد من المكاتب الحكومية تعتمد على إجراء مقابلات شخصية ومعاملات ورقية.

ورغم ذلك، تواجه البيروقراطية في ألمانيا المزيد من الضغوط إذ تعتمد العديد من الشركات عليها لمساعدتها في تسريع توظيف العمالة من الخارج مع نقص العمالة داخل البلاد. ويأتي ذلك فيما تخاطر ألمانيا بالتخلف عن الوفاء بتعهداتها المناخية مثل مضاعفة توليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بحلول نهاية العقد.

وفي ذلك، قال هيرمان ألبرز، رئيس جمعية طاقة الرياح الألمانية، إن الأمر سوف “يستغرق بعض الوقت قبل أن تصل الإرادة السياسية إلى الإدارة العامة والهيئات الحكومية. لكن ليس لدينا متسع من الوقت عندما ننظر إلى أهداف عام 2030”.

بيروقراطية عفا عليها الزمن

ووفقا للجمعية، فإن فترة التخطيط والموافقة على إنشاء توربينات الرياح تتراوح ما بين خمس إلى ست سنوات فيما يرجع ذلك إلى المخاوف المحلية بشأن خطط البناء. وقال ألبرز إن الحكومات الألمانية المتعاقبة فشلت في إعطاء الأولوية لبناء مزارع طاقة الرياح مما سمح للهيئات الحكومية بالتحرك ببطء عند إعطاء الموافقات، مضيفا أن هذا الأمر تفاقم مع عدم زيادة التوظيف في هذه الهيئات وأيضا عدم رقمنة طلبات تدشين مشروعات طاقة الرياح. وأوضح : “تشير وكالات الدولة المسؤولة عن الموافقات في أغلب الأحيان إلى أنه يتعين معرفة ماذا كانت هذه المشروعات سوف تلبي الأهداف الفيدرالية. أن هذه الوكالات لا تقول إننا نقوم بإصلاح العمل الإداري من أجل انجاز الموافقات”.

وتعاني الشركات الألمانية  من مشكلة البيروقراطية في مجال الهجرة واستقدام العمالة من الخارج. فرغم أنه جرى التصديق على قانون عام 2020 بهدف تسريع الحصول على موافقات خاصة بالعمالة الأجنبية، إلا أن الشركات مازالت تقول إن الهيئات المحلية بطيئة في إتمام مثل هذه العمليات. ويقول ألبرز إن الهيئات الحكومية قد تكون في حاجة إلى مضاعفة الموظفين بمعدل مرتين أو ثلاث مرات لإتمام الموافقات الحكومية من أجل تحقيق الأهداف المناخية في برلين، مضيفا أن الأمر يبدو شديد الصعوبة في ضوء المعطيات الحالية.

ورغم نمو القطاع العام في ألمانيا مرة أخرى بعد سنوات ما بعد الوحدة التي شهدت خفض عملية التوظيف، إلا أنه يدخل في تنافس مع القطاع الخاص على مجموعة صغيرة من العمال فضلا عن تقدم سن الموظفين في القطاع العام بشكل أسرع من القطاع الخاص. وفقا للإحصاءات، فإن أكثر من ربع موظفي القطاع العام والبالغ عددهم عن خمسة ملايين بما في ذلك المعلمين ورجال الإطفاء وضباط الشرطة، هم من العقد الخامس من العمر.

وقال فرانك زيتكا، الناطق باسم اتحاد الموظفين العموميين في ألمانيا، إن المشكلة سوف تتفاقم خلال السنوات الخمس والست المقبلة، مضيفا “رصدنا على مدى السنوات العشر الماضية، تقاعد الكثير من الموظفين وبسبب التركيبة السكانية، فإن هناك عددا أقل من الشباب ينضم إلى سوق العمل.”

الولع بمعاملات الورقية

ويرى مراقبون أن تقدم الموظفين في السن يعد عقبة أخرى في جهود الحكومة لتسريع الرقمنة  خاصة وأن الموظفين الأكبر سنا سيكونون في حاجة أكبر إلى التدريب.

وقد كشف أخر مسح أجرته الرابطة الألمانية للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات عن أن قلة من الوكالات العامة تجعل التدريب الداخلي أولوية أو استحدثت وظيفة مخصصة للرقمنة فيما يعد الأمر مشكلة أخرى.

وفي ضوء ذلك، ما زال التحول الإلكتروني في القطاع العام بطيئا خاصة مع استمرار الاعتماد على المعاملات الورقية فعلى سبيل المثال، عندما أعطت ولاية براندنبورغ الضوء الأخضر لإنشاء مصنع لشركة تسلا في ألمانيا تفاخر المسؤولون بقرابة 66 ملفا مليئا بالوثائق كدليل على الدقة.

وفي ذلك، قالت كريستيان فلوتر-هوفمان، الخبيرة في معهد كولونيا للأبحاث الاقتصادية، إن البيروقراطية الألمانية لديها “ولع بالمعاملات الورقية والاختام”.

وقد تجلى ذلك خلال وباء كورونا إذ اضطرت الوكالات الصحية إلى إرسال أعداد المصابين إلى مركز الأمراض المعدية في برلين عن طريق الفاكس فيما أصبح الاعتماد على منظومة البريد الأمر السائد لإرسال الطلبات بمجرد إغلاق المكاتب العامة.

يشار إلى أنه صدر في الماضي تشريعات بشأن تسريع الرقمنة ففي عام 2017 أقر البرلمان ما يسمى بـ “قانون الوصول عبر الإنترنت” حيث جرى تخصيص 3.3 مليار يورو للقطاع العام من أجل رقمنة 575 خدمة وإتاحتها عبر الإنترنت بحلول نهاية العام الماضي، لكن بحلول هذا الموعد، فإن مجموع الخدمات المتاحة عبر الإنترنت بلغ 105 أي ثلث الرقم المستهدف. وفي ردها، قالت فلوتر هوفمان إن الأمر أشبه “بالكارثة”، مضيفا “من غير المقبول على الإطلاق أن تقع ألمانيا في منتصف تصنيف الرقمنة العالمي فيما تتصدر دول مثل فنلندا والدنمارك وهولندا القمة”.

بطء القطاع العام في برلين

وأمام مكتب التسجيل في حي مارزان – هيلرسدورف، مازالت تنتظر بريتا أوبل كثيرا للحصول على شهادات الوفاة إذ مازالت تتم المعاملات يدويا فيما اضطر المكتب إلى إغلاق أبوابه خلال وباء كورونا حيث دعا إلى تقديم الطلبات عن طريق البريد.

وفي ردها، قالت الناطقة باسم المكتب إنه جرى شغل تسعة من عشر وظائف خاصة بإتمام أعمال التسجيل  من الناحية الفنية، لكن لا يعمل سوى موظفين أو ثلاثة بشكل دائم من المكتب، مضيفة أن أربعة موظفين “في حالة غياب دائم” فيما لم يتسلم الموظف الجديد عمله بعد.

وأضافت الناطقة أن عملية التوظيف بطيئة جدا، مشيرة إلى أنه بعد إتمام إجراءات التعيين، فإن الأمر يتطلب “الانتظار لستة أشهر على الأقل حتى يبدأ الموظف الجديد مباشرة عمله في قسم التسجيل”.

بيد أن مثل الأمر يمثل مشكلة لسكان العاصمة الألمانية خاصة مع تزايد النمو السكاني وعدم إتقان الوافدين الجدد اللغة الألمانية فضلا عن وجود بعض القصور في هيكل اللامركزية مع احتمالية تكرار الخدمات بين المناطق الإدارية الاثني عشر في برلين. وفي ذلك، قالت أوبل إن مكتب التسجيل في حي مارزان – هيلرسدورف كان قبل عام أفضل مكتب “حيث كان نموذجيا”.

وإزاء ذلك، توقعت إحراز تقدم ضئيل خلال الأشهر المقبلة، مضيفة أنها سعت للحصول على شهادة زواج من المكتب لكن قِيل لها أنه يتعين عليها الانتظار لفترة تتراوح من بين 6 إلى 8 أسابيع لكي تحصل على موعد. وقالت: “قررنا الذهاب إلى الدنمارك لإتمام الزواج وبالفعل تزوجنا خلال شهر”. (DW)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها