لا ترموا المال العربي الجيد بعد السيئ في سوريا

 

لدى دول الخليج أسبابها الخاصة للتواصل مع الأسد، لكن عليها أن تفهم أن واشنطن لن تستثنيها من معظم العقوبات متعددة الأطراف المفروضة على سوريا دون حدوث تغيير جوهري في سياسة النظام.

بعد مضي شهرين على الزلزال المدمر، الذي ضرب جنوبي تركيا وشمالي سوريا في 6 شباط/فبراير، يبدو أن عودة سوريا من جديد إلى “الصف العربي” أصبحت محل ترحيب. فقد زار بشار الأسد سلطنة عُمان، والإمارات العربية المتحدة (وكان من بين أفراد حاشيته زوجته أسماء)، كما زار وزير الخارجية السوري فيصل المقداد القاهرة، وكذلك استضافت دمشق تسعة وفود مختلفة من المسؤولين العرب، من بينهم وزراء خارجية مصر والأردن والإمارات. وهناك بعض التقارير بأن المملكة العربية السعودية، المعروفة بتأثيرها الكبير في الخليج، قد توجه دعوة للأسد لحضور القمة العربية في الرياض في أيار/مايو. وفيما يتخطى محيطه العربي، زار الأسد أيضاً حلفاءه في موسكو، ورحب بوزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان، وقائد “فيلق القدس” التابع لـ “الحرس الثوري الإسلامي” الإيراني إسماعيل قاآني، ليس مرة واحدة بل مرتين.

بعد وقت قصير من تولي الرئيس الأمريكي جو بايدن منصبه في عام 2021، بدأت عمّان وأبوظبي جهوداً منفصلة للتواصل مع الأسد، وإن كان ذلك لأهداف مختلفة بعض الشئ. فقد أعاد الأردن فتح معبر جابر- الذي هو معبره الحدودي الرئيسي على حدوده الشمالية مع سوريا – بعد أن عانت المملكة من تواجد مئات الآلاف من اللاجئين السوريين، فضلاً عن اللاجئين من العراق ومناطق أخرى، بالإضافة إلى الحدود الشمالية المغلقة للأردن التي قيدت حركة العبور المربحة من بلاد الشام إلى الخليج العربي.

كما قدّمت عمّان مشروعاً، مع مصر، لنقل الغاز الطبيعي المصري والإسرائيلي، والكهرباء المولدة في الأردن عبر سوريا إلى لبنان، التي انهار فيها قطاع الطاقة بشكل أساسي. وفي المقابل، سيحصل الأسد على دفعة عينية من الغاز والكهرباء قدرها 8 في المائة، حيث تعاني سوريا من نقص شديد من الهيدروكربونات بسبب أضرار الحرب والعقوبات التي قيدت الحصول على قطع الغيار.

إلّا أن كلتا المقاربتين لم تسفرا عن شيء. فسرعان ما غُمرت الحدود الشمالية للأردن بالتهريب غير المشروع للكبتاغون والأسلحة، مما أدى إلى العديد من عمليات الحظر البارزة في الأردن. وتم تعليق مشروع الغاز والكهرباء لأن السياسيين اللبنانيين فشلوا في الاتفاق على الإصلاحات الضرورية للحصول على تمويل من “البنك الدولي”.
تواصل الإمارات

بدا تواصل أبوظبي مع الأسد أكثر خيالية، لكنه متجذر في ما يريده الأسد حقاً – أي الأموال مع قليل من الالتزامات المرتبطة بها. وقد سعت الإمارات طيلة فترة الحرب إلى تقويض منافستها قطر، وكذلك حليفة قطر في سوريا، أي تركيا، التي تسيطر على مساحة كبيرة في شمال غرب سوريا. كما حاولت أبوظبي إعادة فتح سفارتها في دمشق في عام 2018، اعتقاداً منها أن التواصل مع الأسد سيجعل وضع تركيا في سوريا أكثر صعوبة.

ومع انحسار توترات الإمارات مع قطر وتركيا، تُركز أبو ظبي حالياً على الحد من النفوذ الإيراني – الميليشيات والأسلحة – في سوريا. وتدرك الإمارات أن الأسد بحاجة ماسة إلى المال، الذي لا يمكن أن تقدمه له سوى دولة عربية في الخليج، لإعادة بناء سوريا. وكما يقضي المنطق، يمكن استخدام القليل من الاعتراف وبعض أموال البترودولار لإعادة الإعمار كجزرة لتغيير منطق الأسد على طاولة المفاوضات مع المعارضة، وربما الأهم من ذلك، تقليص اعتماده على إيران لصالح الدول العربية – التي أصبحت بعضها متوافقة مع إسرائيل كجزء من “اتفاقيات إبراهيم”.
العقوبات الأمريكية

بطبيعة الحال، إن ما يكبح كلا المجهودين هو العقوبات الأمريكية والأوروبية والعربية على سوريا. وقد يؤدي التواصل العربي مع الأسد إلى إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية، بعد تعليق عضويتها في عام 2011، بسبب رد الأسد على الانتفاضة – وقد تؤدي هذه العودة، إلى رفع العقوبات العربية عن سوريا، التي تعيق التجارة وغيرها من القضايا.

ولكن يكاد يكون من المستحيل رفع العقوبات الأمريكية والأوروبية دون حدوث تغيير جوهري في سلوك الأسد. وتعود العقوبات الأمريكية على سوريا إلى عام 1979، حيث يرجع النصيب الأكبر منها إلى رد فعل نظام الأسد على الانتفاضة.

وقد سمّي “قانون قيصر” على اسم مصور شجاع لدى النظام قام بتهريب المئات من صور الدولة السورية للضحايا الذين تعرضوا للتعذيب في معسكرات الأسد. ويمنع القانون مباشرة بعقوباته الأشد قوة، تمويل أنشطة إعادة الإعمار في سوريا. والأهم من ذلك، أن لهذه العقوبات آثار ثانوية، أي أنها تنطبق على أي شخص ينخرط في هذه الأنشطة.

ويتضح من شلال الزيارات التي قام بها مسؤولون عرب ومسؤولون آخرون في المنطقة إلى دمشق، أنهم يرون فرصة للتعبير عن سياسة الجزرة تجاه الأسد بسبب إصدار وزارة الخزانة الأمريكية “ترخيصاً عاماً” لمدة 180 يوماً أو إعفاءً مؤقتاً من العقوبات في 9 شباط/فبراير بعنوان “السماح بالمعاملات المتعلقة بجهود الإغاثة من الزلزال في سوريا”.

ولمَ لا يعبّرون عن مثل هذه السياسة؟ فقد قال المسؤولون الأمريكيون صراحة إن الترخيص صدر استجابة لطلبات “الحكومات في المنطقة” التي لا تريد أن تتعرض للعقوبات. كما سمحت واشنطن بتنفيذ معاملات الإغاثة من الزلزال، التي لم يتم تحديدها، مباشرة مع “الحكومة السورية” – المعروفة أيضاً باسم نظام الأسد.

لكن هذا لا يعني أن سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا قد تغيرت، أو أن العقوبات على وشك أن تُرفع من أجل إعادة الإعمار. ليست هناك فرصة لحدوث ذلك.

وينتهي “الترخيص العام” في آب/أغسطس المقبل. وفي حين أن “أحكام انقضاء” مفعول “قانون قيصر” ستنتنهي في عام 2024، إلّا أنه من شبه المؤكد سيتم تمديد مفعول القانون كما يتضح من التصويت (بأغلبية 414 مقابل 2 فقط) في الكونغرس الأمريكي في 27 شباط/فبراير، الذي يدين “جهود نظام الأسد لاستغلال الكارثة بشكل ساخر من أجل التهرب من الضغط والمساءلة الدولية”.

وحتى لو انتهى مفعول “قانون قيصر”، إلّا أن أطراف متعددة من العقوبات على صادرات النفط السوري وتصنيفاته ستبقى سارية المفعول – بغض النظر عن الحزب الذي يسيطر على البيت الأبيض. وهناك عقوبات جديدة أخرى في الطريق، حيث يقضي “قانون تفويض الدفاع القومي” الأمريكي لعام 2023 بأن تضع إدارة بايدن استراتيجية مشتركة بين الوكالات لتعطيل وتفكيك إنتاج الأسد للمخدرات والإتجار بها.
البحث عن تغيير سلوكي

إن الطريقة الوحيدة لتخفيف العقوبات الأمريكية على سوريا – ناهيك عن رفعها – هي أن يغيّر الأسد سلوكه بشكل جذري. وتتفهم واشنطن أن دول الخليج تريد من الأسد أن يوقف تدفق الكبتاغون من سوريا جنوباً إلى الأردن والخليج، والذي يقول المسؤولون إنه “يدمن جيلاً”.

لكن واشنطن كانت واضحة في أن على الأسد أن يهيئ الظروف لعودة السوريين إلى ديارهم دون خوف من التجنيد أو الاحتجاز أو الاختفاء. وعلى الأسد أن يمضي قدماً في عملية “قرار مجلس الأمن رقم 2254″، والذي يشمل، على سبيل المثال لا الحصر، التحرك في موضوع “اللجنة الدستورية”.

وإذا لم يُحرز تقدم، فإن الدول العربية، التي تطبّع علاقاتها مع الأسد، وتنخرط في إعادة الإعمار، ستتعرض بشكل شبه مؤكد للتصنيفات والانتهاكات الأخرى للعقوبات من قبل وزارة الخزانة الأمريكية. وما لم تحدث تغييرات كبيرة في الطريقة التي يحكم بها الأسد سوريا ويدير شؤونها، من بينها تساهله مع الميليشيات والأصول الإيرانية الموجودة على الأراضي السورية فضلاً مع منشآت إنتاج الكبتاغون، فستكون هذه محاولة أخرى لرمي المال العربي الجيد بعد السيئ، لتعويض الخسائر المستمرة لهذه الدول مقابل نفوذ إيران في بلاد الشام.

أندرو تابلر – معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

تعليق واحد