دويتشه فيله : ما هي خطط ألمانيا للتدفئة باستخدام الطاقة النظيفة بدل الغاز؟
ينتظر ديرك ينشن الكثير من العمل، إذ تلقت شركته المتخصصة في توفير خدمات التدفئة والصرف الصحي، الكثير من الطلبات وهو الأمر الذي أصبح جليا من الملفات المتكدسة على أرفف مكتبه في برلين.
وفي مقابلة مع DW قال ينشن “هذه الطلبات تلقتها الشركة العام الماضي ونعمل في الوقت الحالي على تنفيذها. ويتعين على أي شخص يريد شراء مضخة حرارية لتركيبها في منزله الانتظار لقرابة تسعة أشهر”.
وتعمل مضخات الحرارة على امتصاص الحرارة من الخارج لتدفئة المنزل والمياه، وهي تستهلك ربع الطاقة التي تستهلكها مراجل الغاز. وقد بات عمل ينشن منحصرا بشكل رئيسي في تركيب أنظمة التدفئة منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/ شباط العام الماضي.
وأشار إلى ذلك بقوله “منذ بداية العام الماضي، كان الجميع يخشى من نقص الغاز فجأة، لذا رغب الجميع في شراء مضخات حرارية”، مضيفا أن شركته التي يعمل بها 24 شخصا تعمل على تركيب 40 منظومة من المضخات الحرارية سنويا بالإضافة إلى الألواح الشمسية التي تجعل المضخات تعمل بكفاءة أفضل.
ستساعد مضخات الحرارة التي تعمل بالكهرباء من مصادر طاقة متجددة، على الحدِّ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من أجل تمهيد الطريق أمام جعل أنظمة التدفئة تساهم في تحقيق الحيادي الكربوني وهو السبب الذي يدفع الحكومة إلى دعم تكاليف تركيب المضخات الحرارية بنسبة تصل إلى 40 بالمائة.
وحتى في ظل هذا الدعم الحكومي، فإن منظومة المضخة الحرارية للمنزل الواحد تكلف قرابة 17 ألف يورو، فيما تحتاج المنازل القديمة إلى أعمال صيانة وتركيبات جديدة مثل العزل الحراري وتركيب أبواب ونوافذ جديدة وسط توقعات أن يصل ذلك إلى أكثر مئة ألف يورو.
وعلى خلاف ذلك، تبلغ تكلفة تركيب منظومة التدفئة بالغاز قرابة عشرة آلاف يورو. وفي هذا السياق، يقول ينشن “مع نهاية العام الماضي، أصبح معلوما أن ألمانيا سيكون لديها ما يكفي من الغاز الطبيعي وأن السعر سينخفض مرة أخرى، وهو الأمر الذي دفع بعض الزبائن إلى تفضيل تركيب نظام تدفئة بالغاز بسبب توفره وأيضا رخص سعره”.
ورغم ذلك، فإن هناك حالة من الغموض حيال مستقبل أسعار الغاز الطبيعي، بيد أن ما هو مؤكد أنه يتعين رفع تسعير الكربون بشكل كبير داخل الاتحاد الأوروبي من أجل الوفاء بالأهداف المناخية.
الجدير بالذكر أنه جرى تركيب 1,2 مليون مضخة حرارية في ألمانيا معظمها في المباني الجديدة، لكن نصف المباني السكنية في ألمانيا البالغ عددها 19 مليون مبنى مازالت تعتمد على التدفئة عن طريق الغاز فيما تعتمد ربع هذه المباني على التدفئة بالوقود.
وفقًا لمركز Agora Energiewende للأبحاث، فإن قطاع البناء ينتج حوالي 15 بالمائة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في ألمانيا، لكن الحكومة ترغب في تحقيق الحياد الكربوني في هذا القطاع بحلول عام 2045 فيما يشكل حظر أجهزة التدفئة العاملة بالوقود بحلول 2024 الركيزة الأساسية في هذه الخطط.
وبموجب القرار، فإنه اعتبارا من العام المقبل، يجب أن تعتمد أنظمة التدفئة على مصادر طاقة متجددة بنسبة لا تقل عن 65 بالمائة.
وقد دفع هذا القرار الكثير من أصحاب العقارات والمنازل إلى السعي لتركيب أنظمة تدفئة تعمل بالغاز والوقود قبل نهاية العام الجاري، فيما يقول ينشن إن “هناك زيادة في الطلب على أجهزة التدفئة القديمة التي تعمل بالزيت خاصة بين الزبائن الأكبر سنا، لم أكن أتوقع ذلك”.
لماذا كبار السن؟
يشار إلى أن بناء منزل أو شراء شقة جديدة مرتبط بفترة التقاعد في ألمانيا، إذ في الغالب وبحلول وقت التقاعد يكون قد تمكن الكثيرون من سداد قروضهم العقارية ما يمكنهم من توفير تكاليف الإسكان في سن الشيخوخة، لكن خطط التدفئة الجديدة الموفرة للطاقة تعد عالية التكلفة فيما لا يمكن لأصحاب المعاشات الحصول على قروض جديدة لأن معاشاتهم لا تكفي لسد تكاليف التجديد.
وفي ضوء ذلك، تخطط الحكومة لإعفاء أصحاب العقارات ممن تزيد أعمارهم عن 80 عاما من شرط تركيب مضخات حرارية عند تعطل نظام التدفئة عن طريق الوقود.
ويرى مراقبون أن التشريع ما زال غامضا، فيما تتسم إجراءات الدعم الحكومي بالتعقيد. ويرى ينشن ضرورة توفير المزيد من المعلومات حيال مشروع القانون. ويقول: إن تركيب مضخة حرارية يختلف عن تركيب أنظمة التدفئة التي تعمل عن طريق الغاز أو الوقود، ويضيف “لا تحتاج إلى وقت أطول فحسب بل تحتاج إلى تدريب مستمر لمواكبة تطور النواحي التقنية.” كما أن تسليم المضخات الحرارية يستغرق أوقاتا أطول، فيما تعاني السوق من نقص الأجهزة بسبب ارتفاع الطلب، حسب ينشن.
ويعتقد ينشن أن خطة الحكومة الألمانية لتركيب 500 ألف مضخة حرارية سنويا اعتبارا من عام 2024 غير واقعية بسبب نقص الشركات المتخصصة والعمالة الماهرة في ألمانيا.
وقد ذكرت الجمعية الألمانية للصرف الصحي والتدفئة وتكييف الهواء أن نقص العمالة الماهرة في هذا القطاع يبلغ قرابة 60 ألف عامل، فيما يدعو اتحاد الحرف اليدوية الألمانية إلى منح المزيد من الوقت لتنفيذ القانون الجديد.
وفي ذلك، يقول ينشن “كان يتعين على السياسيين البدء في الانتقال إلى أنظمة التدفئة المحايدة قبل عشرين عاما، لكن في ذاك الوقت كان الغاز الروسي رخيصا”.
وفيما يتعلق بشركته، يحدو ينشن الأمل في أن يكون بمقدوره زيادة عدد المضخات الحرارية من 40 إلى 60 بمعدل سنوي خاصة مع إعراب نجليه عن رغبتهما في العمل معه، مضيفا “حيث أن عملنا في هذه الأيام يركز على البيئة وحماية المناخ، فإن الشباب أصبح متحمسا للانخراط في العمل معنا”. (DW)
[ads3]