دويتشه فيله : ألمانيا تحتاج لثلاثة كواكب مثل الأرض !

مثل تاريخ الرابع من مايو/ أيار موعدا يفيد رمزيا باستنفاد ألمانيا مواردها الطبيعية المتجددة أو ما يطلق عليه “تجاوز موارد الأرض”، ما يعني ضرورة الحصول على الموارد من البلدان الفقيرة ومن رصيد الأجيال القادمة.

رغم التباطؤ الاقتصادي جراء  الغزو الروسي لأوكرانيا ، إلا أن ألمانيا- أكبر اقتصاد في أوروبا- تخطت في الوقت الراهن امكاناتها البيولوجية المستدامة للعام الجاري. تزامن هذا مع بلوغ العالم “يوم التجاوز الأرضي” أو يوم تجاوز موارد الأرض لعام 2023 في الثامن والعشرين من يوليو/ تموز كما كان العام الماضي.

يعد موعد الـ 29 من يوليو / تموز  للعام الماضي الموعد المبكر على الإطلاق منذ بدء تسجيل منظمة “غلوبال فوتبرينت نتوورك” أو “شبكة البصمة العالمية” غير الحكومية ومقرها الولايات المتحدة “يوم التجاوز” الذي يعد مؤشرا لقياس الأثر البيئي  لأنشطة البشر قبل ثلاثة عقود.

فمنذ سبعينات القرن الماضي، كانت قدرة الأرض البيولوجية؛ أي قدرة النظم البيئية على إنتاج المواد البيولوجية والموارد الطبيعية التي يستخدمها البشر وأيضا امتصاص النفايات، تفوق احتياجات البشر، بيد أنه منذ نصف قرن، جرى استنفاد كافة الموارد الطبيعية التي يمكن للأرض تجديدها على مدى سنة ما يعني أن البشر باتوا يعيشون على الاقتراض البيني.

وعلى وقع ذلك، بات البشر في حاجة إلى حوالي 1.7 كوكب بحجم الأرض للحفاظ على حياتهم في حالة استمرار معدلات الاستهلاك الحالية، فيما سوف تحتاج ألمانيا إلى ثلاثة كواكب. وستتحمل دول الجنوب العالمي العبء الأكبر. أما الأجيال القادمة فستعاني من أزمة مناخية جراء الاستهلاك المفرط.

واللافت أن دولا مثل إندونيسيا أو الإكوادور لن تبلغ “يوم التجاوز” حتى ديسمبر/  كانون الأول ما يعني أنها ستكون قادرة على الاستفادة من مواردها الطبيعية في حدود إمكانياتها، لكن هذه الدول ستكون مستهدفة من الدول الغنية مثل  ألمانيا لمساعدتها على تلبية حاجاتها من الموارد الطبيعية.

وكانت لارا لويزا سيفر، كبيرة مستشاري سياسات العدالة في توزيع الموارد في شبكة التنمية الألمانية “إنكوتا”، قد ذكرت العام الماضي أن “ألمانيا تعد خامس أكبر مستهلك للمواد الخام في العالم، حيث تستورد ما يصل إلى 99٪ من المعادن والفلزات من بلدان الجنوب العالمي”.

يشار إلى أن  قطر كانت الأسوأ في عام 2023 حيث استهلكت مواردها المتجددة وبلغت “يوم التجاوز” في 10 فبراير/ شباط الماضي.

ألمانيا نموذجًا يحتذى به لكن..

وما زالت معظم الدول المتقدمة مثل ألمانيا تتصدر القائمة حيث بلغت فرنسا، هذا العام “يوم التجاوز” في السابع مايو/أيار بينما سوف تبلغ اليونان والمملكة المتحدة واليابان “يوم التجاوز” في وقت لاحق من الشهر الجاري.

منذ سبعينيات القرن الماضي، انتشرت في ألمانيا حركات مناهضة للطاقة النووية، حتى تم توقيف العمل بها مؤخرا في مجال توليد الطاقة

من جابنها، قالت فيولا فولجيموث، الناشطة في مجال الاقتصاد الدائري  الذي يًقصد به إعادة التدوير وتقليل النفايات وخلق وظائف مستدامة جديدة، إن المشكلة الأكبر التي تواجهها “ألمانيا ودول الشمال بشكل عام تتمثل في عدم إدراك أن الموارد باتت محدودة”.

وأضافت فولجيموث، الناشطة في منظمة “غرينبيس” بألمانيا، أن بيانات معهد الموارد العالمية تشير إلى أن  90٪ من فقدان التنوع البيولوجي ناتج عن “استغلال الموارد وتحويلها إلى منتجات” وأن هذا الإنتاج يعد مسؤولا عن 50٪ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على مستوى العالم.

من جانبه، قال الناشط في مجال المناخ، تادزيو مولر، إنه كان يُنظر في الماضي إلى ألمانيا باعتبارها “نموذجًا يحتذى به في الحفاظ على المناخ، لكن من المفارقات أن السبب في هذه التسمية لا يعود إلى السياسة الصناعية لألمانيا أو استراتيجياتها السياسية على المستوى الحكومي، إنما يعود إلى وجود حركات اجتماعية مدافعة عن البيئة ذات نفوذ قوي”.

ويشير مولر، الذي يقيم في ألمانيا، في حديثه إلى الحركات المناهضة للأسلحة النووية والتي نشأت في البلاد في سبعينات وثمانينيات القرن الماضي وأيضا الحركات التي طالبت بالتخلص من الطاقة النووية.

لكن مولر شدد على ضرورة أن يشهد مبدأ  النمو اللانهائي  الذي تقوم عليه السياسة الاقتصادية في ألمانيا تغييرا بشكل جذري في حالة معالجة تغير المناخ ومشاكل خسارة التنوع البيولوجي جراء الاستهلاك المفرط، مضيفا أن هذا الأمر يمتد إلى “النمو الأخضر” أو ما يُطلق عليه  “رأسمالية السيارات الكهربائية” التي تقوم على أساس استهلاك الموارد بشكل كبير خاصة المعادن والأتربة النادرة.

ضرورة تأجيل بلوغ “يوم التجاوز”

وقال مولر إن الحكومة الألمانية تناقش في الوقت الحالي إطلاق استراتيجية وطنية جديدة  للاقتصاد الدائري  في محاولة رفع كفاءة الاقتصاد من أجل تقليل استخدام الموارد.

وترى فولجيموث أن الاقتصاد الدائري يعد ضروريا من أجل تأخير بلوغ “يوم التجاوز”، مضيفة “يجب علينا تغيير نماذج أعمالنا بحيث تكون المنتجات قابلة لإعادة التدوير في واقع الأمر”.

وأشارت إلى ضرورة أن يشمل ذلك وضع حدود لاستخدام الطاقة بما في ذلك الوقود الأحفوري عالي الكربون وغيره من المصادر غير المستدامة.

تسريع خفض الانبعاثات

من جانبه، قال كريستوف بالس، المدير السياسي لمنظمة Germanwatch غير الحكومية المدافعة عن البيئة، إن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري تعد النتاج المباشر للاستهلاك والإنتاج المفرط.

وأضاف “يجب أن تنخفض انبعاثات  ثاني أكسيد الكربون  في ألمانيا بمعدل يبلغ ثلاثة أضعاف المعدلات الحالية”، مشيرا إلى أن المنظمة قد أوصت بتعزيز الانتقال عبر خطوط السكك الحديدية  عالية السرعة ومنخفض الانبعاثات وتقليل السفر جوا من أجل خفض الانبعاثات.

بدوره، شدد ماتيس واكرناجيل، رئيس شبكة البصمة العالمية، على أنه من دون تقليل الاستهلاك المفرط، فإن ألمانيا لن تكون قادرة على العيش في حدود مواردها الطبيعية، مضيفة “ننظر إلى جميع المشاكل مثل تغير المناخ أو فقدان التنوع البيولوجي أو نقص الغذاء بشكل منفرد كما لو كانت تحدث بشكل مستقل.” (DW)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها