وكالة الأنباء الألمانية : بعد كورونا .. الاضطرابات النفسية للمراهقين تثير القلق في ألمانيا

في البداية لم تلحظ العائلات والأصدقاء في ألمانيا الكثير من التغييرات التي طرأت على العديد من المراهقين، فقد أصبحوا يتحدثون قليلا ولا يكادون ينهضون من الفراش في الصباح.

خلال  فترة  جائحة كورونا، ازدادت الاضطرابات النفسية بين المراهقين بشكل ملحوظ. وبدلا من اللجوء إلى أمهاتهم أو أصدقائهم، بدأ البعض في إيذاء أنفسهم – غالبا عبر إصابة أذرعهم وأرجلهم بجروح مستخدمين شفرات حلاقة.

هذه الإصابات التي يُطلق عليها “خدوش” شائعة بشكل خاص بين الفتيات والفتيان الذين يعانون من مشكلات أو أمراض نفسية.

يقول أحد الآباء في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية إن تلك “الخدوش” بدأ يُحدثها طفله في جسده خلال إغلاق كورونا عام 2020 . في البداية طمأنه طبيب الأسرة بأن العديد من المراهقين قد فعلوا الشيء ذاته، ولكن خلال تشاور أولي مع معالجة متخصصة في شؤون الأطفال والمراهقين تم تشخيص إصابة الطفل ببوادر  اكتئاب.

وعلى مدار عدة أشهر بحثت الأسرة بعد ذلك هباء عن معالجة نفسية في عيادة خارجية، وخلال تلك الفترة اضطروا لإيداع طفلهم في المستشفى أكثر من مرة. في النهاية هرب الطفل من المنزل مع مراهق آخر ولم يتم العثور عليه إلا بعد أيام.

عندما يصاب طفل بمرض نفسي، فإن عالم الوالدين والأشقاء ينهار أيضا. يضاف إلى ذلك البحث المضني عن الدعم، حسبما يروي الأب. بعث الأب برسائل بريد إلكتروني واتصل بمعالجين ومستشفيات، وذهب إلى مكتب رعاية الشباب وكتب رسالة إلى وزير الصحة الاتحادي الألماني  كارل لاوترباخ  يطلب فيها المساعدة.

يقول الأب: “ليس لدي خطة وأشعر بأني وحدي تماما”، مشيرا إلى أن هناك دائما  عقبات بيروقراطية. وعلى مدار عام ونصف اضطرت الأسرة بعد ذلك لدفع أجر معالجة نفسية من نفقتهم الخاصة.

تظهر عدة دراسات أن الأطفال والمراهقين عانوا بشكل خاص خلال فترة كورونا. توقفت الأنشطة الرياضية والموسيقية بين عشية وضحاها، ولم يعد يُسمح برؤية الأصدقاء.

وبحسب بيانات شركة التأمين الصحي الألماني “دي إيه كيه”، فقد ازداد الاكتئاب واضطرابات الأكل بشكل حاد، خاصة بين الفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 و17 عاما. ولا يزال الكثيرون يعانون من مشكلات.

ارتفاع الطلب على العلاج النفسي

ارتفع الطلب على المعالجين النفسيين المتخصصين في علاج الأطفال والمراهقين بنسبة 48 بالمائة في صيف عام 2022 مقارنة بفترة ما قبل كورونا، حسب استطلاع أجرته الجمعية الألمانية للمعالجين النفسيين.

ترى معالجة الأطفال والمراهقين كورنيليا ميتغه من ولاية سكسونيا أنه بسبب نقص المعلمين في المدارس، يتم إهمال أشياء مهمة إلى جانب تدريس المواد الدراسية البحتة.

تقول ميتغه: “يجب أن تكون المدرسة أيضا مكانا للقاء؛ مكان يمكنك أن تحكي فيه أيضا أن لديك مشكلات وصعوبات في المنزل. لكن لا يوجد وقت كاف لذلك”.

أقرت الحكومة الألمانية مجموعة من الإجراءات تهدف إلى التخفيف من عواقب الجائحة على الأطفال والمراهقين. أحد مجالات التركيز هو الصحة النفسية. من بين أمور أخرى، من المفترض أن يدعم ما يطلق عليهم “مدربو الصحة النفسية” المدارس المثقلة بالأعباء في مشروع نموذجي.

في المقابل، ترى الرابطة المهنية لعلماء النفس الألمان أن هذا المشروع النموذجي المؤقت لا يلبي بأية حال من الأحوال المتطلبات، مؤكدة أنه لا بد بدلا من ذلك السعي إلى تحقيق المعيار الدولي في توفير أخصائيين نفسيين في المدارس.

ثغرات كبيرة في النظام الصحي

وعادة ما يضطر المراهقون المصابون بأمراض نفسية إلى الانتظار شهورا للحصول على مكان للعلاج في عيادة خارجية. كما غالبا ما تصيب تلك الأمراض الأطفال المنحدرين من أسر فقيرة أو الذين ترعاهن أمهات عازبات، أو الذين يعيشون مع والدين يعانون من مشكلات نفسية، أو الذين يعيشون في منازل ضيقة، كما أنه كثيرا ما تكون الأمراض النفسية هي السبب في عدم إكمال الفتيات والفتيان المدرسة.

تقول الأخصائية النفسية أندريا شبيس،: “الصحة النفسية لا تزال غير مأخوذة على محمل الجد في مجتمعنا، والمرض النفسي من الموضوعات التي يُحظر التطرق إليها… لقد عانى الأطفال والمراهقون أكثر من غيرهم خلال الجائحة. لهذا السبب يُنصَح الساسة بوضع خطة رئيسية الآن لمواجهة الأمر”. (DPA)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها